من المختارات لكم (137): المنع من تهنئة النصارى بأعيادهم والرد على ابن بيه والجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

المنع من تهنئة النصارى بعيدهم

والرد على ابن بيّه والجفري وأمثالهم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإنّ الله تعالى خلق الخلق لكي يعبدوه خضوعاً واستسلاما، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وهذه حقيقة الإسلام بالاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، فلئن كانت الحياة كلها إنما كانت لكي يعبد الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] كان من الحتم اللازم أن يكون العبد منقاداً لله تعالى ظاهراً وباطنا، في القلب وما حواه، واللسان وما أبداه، وأعمال الجوارح مما أظهره العبد وأخفاه، كلّ ذلك يعرضه المسلم على دين الله تعالى، ويراقب الله تعالى فيه، فما كان من أمر الله تعالى ونهيه امتثل له فعلا وتركاً، وما كان من المباح أخذ منه ما أحل الله تعالى له من غير إسراف ولا مخيلة، فيكون بذلك دين الله تعالى هو المهيمن على كلّ أفعالنا وأقوالنا الظاهرة والباطنة، ومن أهم ما يراقب المرء فيه ربّه: اللسان، لما يأتي من ورائه من الآفات والمخاطر الدنيوية والأخروية، وقد قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ المشهور: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: «كف عليك هذا - وأشار إلى لسانه -»، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟» أخرجه الترمذي.

ومما يتكلم به الإنسان ما يصل إلى الكفر بالله تعالى والخروج من الملة، ومنه ما دون ذلك، وهذا يحمل كل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أن يراقب الله تعالى في كل ما يقول، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم» فليس يخرج من بين الشفتين من الكلام ما هو خارج عن حكم الله تعالى وشرعه، إذا تقرر ذلك:

فمن المسائل التي كثر الكلام فيه مسألة «تهنئة النصارى بأعيادهم» والكلام عنها يتجدد في كلّ عام من تاريخ النصارى، وليست المسألة من المسائل الحادثة التي لم يتكلم فيها العلماء من قبل، بل تكلموا فيها وأوضحوها أتم الإيضاح، وإن كان هناك من حادث وضلالة: فهي استماتة بعض أدعياء العلم في تجويز ذلك، والحث على تهنئة النصارى، بل وجعل ذلك مما يحبه الله تعالى من المسلمين! والعجيب أن لغة هؤلاء القوم تزداد فظاظة عاماً بعد عام! حتى صاروا يتعاملون مع القول بالمنع بلغة التعالي والاستحقار، مع ما يزداد في كلامهم من الحطّ من رتب العلماء، والتهوين من مكاناتهم، حتى استخفوا عقول الجهال، واستمالوا قلوبهم، وأوهموهم بأنهم على هدى وصراط مستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

ومن نظر إلى تاريخ السنة النبوية، ثم من بعده الصحبة المرضية، ثم التابعين لهم على الملة السوية، وسائر أئمة الإسلام الأعلام ومنهم أئمة المذاهب الأربعة- لا يكاد يجد واحداً منهم أجاز تهنئة النصارى بأعيادهم، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هنأ النصارى  ولا غيرهم بذلك، ولا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان في أعصارهم من سعة رقعة الإسلام، ودخول كثير من أهل الذمة تحت ولاياتهم، بله أن يُحكى عنه صلى الله عليه وسلم، وعنهم رضي الله عنهم قولٌ واحدٌ فيه تهنئة النصارى بيوم يزعمون فيه أن الله جل وتنزه اتخذ صاحبة وولدا، والتابعون لهم بإحسان من بعدهم مثل ذلك، فكان هذا من أوضح الإجماع وأبينه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 509): «وأما الإجماع والآثار فمن وجوه: أحدها: ما قدمت التنبيه عليه، من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية، يفعلون أعيادهم التي لهم، والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين، من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة، كراهة ونهيا عن ذلك، وإلا لوقع ذلك كثيرا؛ إذ الفعل مع وجود مقتضيه، وعدم منافيه: واقع لا محالة، والمقتضى واقع؛ فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو: الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة، وهو المطلوب» ثم ساق بقية الوجوه.

ومع كثرة النصوص القاضية بالبراءة من المشركين ودينهم، وإظهار مخالفتهم فيما هو من شعائرهم وخصائصهم، والترهيب من موافقتهم فيما وقعوا فيه من كفرٍ وظلم، يأتي من ينادي مستميتاً- لتهنئتهم في أشهر شعائر دينهم، في احتفالهم بالكفر الأكبر، الذي قال الله تعالى عنه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88 - 93] ثم يكون من المسلمين من يهنئهم بعودة السرور بكفرهم الأول! وإنا لله وإنا إليه راجعون؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 528): «إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر. والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه».

فليس الأمر متعلقاً بشيء من أمور الدنيا وما يحصل فيها من نعمٍ وأفراح، ومناصب ورُتب، وإنما هو متعلق بشعيرة هي أعظم شعائر الكفر بالله تعالى، فكيف يقال بجواز تهنئتهم في الفرح بهذا العيد؟!

والله تعالى يقول في محكم التنزيل عن أهل الإيمان والجنة: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].

روى ابن أبي حاتم (8/ 2737) عن الضحاك: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: «عيد المشركين» وروى عن أبي العالية وطاوس والربيع بن أنس والمثنى بن الصباح نحو ذلك.

وروى ابن أبي حاتم (8/ 2736) أيضاً عن قتادة قوله: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: «لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهم فيه».

وروى (8/ 2737) عن عمرو بن مرة: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: «لا يمالون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم»، وروى عن السدي نحو قول الضحاك.

وهذا قول الله تعالى في مجرد شهود الزور فكيف بمن يقول أو يفعل فيه ما فيه موافقة لأهل الزور من عقائد فاسدة، وألفاظ سقيمة؟

روى البيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 18) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , أنه قال: «اجتنبوا أعداء الله اليهود , والنصارى في عيدهم يوم جمعهم , فإن السخط ينزل عليهم , فأخشى أن يصيبكم» وهذا يشمل كافة الاجتناب القولي والعملي.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 329) : «لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء، مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، وغير ذلك. ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك. ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة.

وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم.

وأما إذا أصابه المسلمون قصدا، فقد كره ذلك طوائف من السلف والخلف، وأما تخصيصه بما تقدم ذكره فلا نزاع فيه بين العلماء. بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور، لما فيها من تعظيم شعائر الكفر، وقال طائفة منهم: من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا».

وقال الإمام ابن القيم في كتابه "أحكام أهل الذمة" (ص441): «وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق؛ مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: «عيد مبارك عليك»، أو «تهنأ بهذا العيد»، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه».

ولم ينقل عن الإمام أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام جواز مثل هذا النوع من التهنئة، وإنما الكلام المروي عن الإمام أحمد في مطلق التهنئة بشيء من أمور الدنيا وفي العزاء في المصيبة، فعنه في ذلك أربع روايات:

إحداهن: المنع؛ قال ابن المنجّى في "الممتع" (2/356): «لأن بذلك يحصل الموالاة وتثبت المودة وقد نهى الله عن ذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]...».

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها» قال الترمذي حديث حسن صحيح.

والثانية: الجواز مع الكراهة.

والثالثة: الجواز بلا كراهة، قال ابن المنجّى في "الممتع" (2/357): «لأنه من مكارم الأخلاق وقد روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهودياً فأسلم» وربما كان ذلك سبباً لإيمانه»، وهذا داخل في عموم جواز الدعاء للمشرك بالهداية ونحوه.

وروى البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 380) عن عقبة بن عامر الجهني، أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم، فسلم، فرد عليه: «وعليك ورحمة الله وبركاته»، فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: «إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك»، وأصل هذا فيه جواز الدعاء للمشرك، ولكن اختار عقبة عدم الدعاء له بالبركة، وقد روى البخاري بعد ذلك (ص: 381) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لو قال لي فرعون: «بارك الله فيك، قلت: وفيك، وفرعون قد مات»، فالمراد مخصوص معنى البركة، بمعنى الهداية وحسن الخاتمة، لا عموم البركة، فمن البركة دخول الجنة، ونزول رحمة الله، وغير ذلك.

والرابعة: الجواز لمصلحة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

نقل ذلك كله المرداوي في "الإنصاف" (10/ 456) وفي "الفتاوى الكبرى" (5/ 544): «اختلف كلام أبي العباس في رد تحية الذمي هل ترد مثلها أو وعليكم فقط ويجوز أن يقال أهلا وسهلا ويجوز عيادة أهل الذمة وتهنئتهم وتعزيتهم ودخولهم المسجد للمصلحة».

وكلامهم في عموم التهنئة والعيادة والعزاء لا في خصوص التهنئة بخصائص دينهم وأعيادهم، يقول الإمام ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (1/ 441): «فصل في تهنئتهم؛ بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة».

كما أن الناظر في كلام الأئمة يجد أنَّ ذلك كله مخصوص بأهل الذمة الذين يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون! ويلحق بهم المسالم من المشركين، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8].

وروى البخاري (3/ 164) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك».

والصلة مقيدة بالحالِ والمحلِّ، فليست عامة في كل مشرك، وإنما هي في خصوص من ابتُلي المسلم بصلتهم منهم من أمٍّ وأبٍّ ونحوهما، كما في حديث أسماء، وليست بكل أنواع الصلة مما يخالف أصل البراءة من المشركين ودينهم، ومفاصلتهم.

أما المحاربون منهم فأبعد أن يستحقوا الدعاء لهم.

ثم من أجاز من أهل العلم التهنئة في أمرٍ دنيوي إنما أجازه لأفراد المشركين! فكيف بمن يُشهر في مجالسه ودواوينه وما يكتب: تهنئة كلّ النصارى بعيدهم! ويقول قائلهم - كالجفري وغيره - ببجاحته وجرأته: «أهنئ جميع المسيحين بهذا العيد المجيد!» بل ويقول: «أهنئ سيدنا محمداً بميلاد السيد المسيح!» فكل ذلك من غاية الضلال والعياذ بالله، مع ما في كلامه من الضعف والرعونة ومخالف منطوق كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في تسميتهم بالنصارى!

وقد تشابهت قلوب من أجاز تهنئة النصارى بعيدهم في افتراءاتهم وجهلهم وتحريفهم للكلم عن مواضعه، ومن قرأ ما كتبه رأسهم أعني عبدالله ابن بيّه- ومن تبعه كعلي الجفري وحاتم العوني ومن لفّ لفيفهم يجد أنهم يدورون في فلكٍ واحد، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]، فغاية ما لديهم إما الاستدلال بما هو خارج عن محل النزاع، أو اتباع المتشابه من الوحيين على طريقة أهل الزيغ كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] الآية.

` فلبّسوا على الناس: بأن القول بالتهنئة هو قول الإمام أحمد في رواية، وسبق أن تبين لك أن قوله في عمومها لا في خصوص المناسبات الدينية.

` ولبَّسوا على الناس: فزعموا أن هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد رأيتَ أن شيخ الإسلام يريد عموم التهنئة لمصلحةٍ، ولا يريد خصوص الأعياد الدينية، وكلامه في ذلك شديد جداً في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم وغيره، حتى قال في "مجموع الفتاوى" (25/ 325): «إذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟» وقال في "الاقتضاء" (1/ 529): «وأما العيد وتوابعه، فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه».

وكلامه رحمه الله في ذلك كثير، وكذلك كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.

` ولبسوا على الناس: بأن عيسى عليه السلام قال عن نفسه: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] فيقول الجفري الصوفي: «وهذا وحده سبب كافٍ لأن أفرح بهذه الذكرى الشريفة!»، ولا دليل فيه على التهنئة، ونحن كذلك نقول عنه عليه الصلاة والسلام: «السلام عليه يوم يولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حياً» والنصارى يخالفوننا في ذلك كله، فنحن نقول أنه ابن مريم، وروح من الله، وهم يقولون: هو ابن الله! والنصارى يقولون بأنه اليوم في عداد الأموات مات مقتولاً مصلوباً- ونحن نقول ليس ذلك الآن، وإنما هو حيّ رفعه الله إليه، والنصارى يقولون: أنه الرب الذي يفصل الحساب بين الناس ويكرم ويُنعم، والمسلمون يقولون بأنه: عبدالله ورسوله، وكلمته، وروح منه، وسوف يموت، ويُبعث كما يبعث الخلق أجمعين.

فلا دلالة في الآية من قريب ولا بعيد على جواز التهنئة ولكنّ أهل الضلال يمكرون في طرحهم تغريراً بالعامة والجهال.

` ولبَّسوا على الناس: بما سماه الصوفي المريد الجفري بالارتباط الروحي! فأخرج العبادات عن ماهية العبادة، والذل والخضوع لله تعالى وعدّ ذلك من «الشكليات!!» وعزى ذلك كله للارتباط الروحي ومحاكاة الأنبياء والصالحين! ومثّل بالحج أنه في كلّ أحواله ارتباط روحي بأفعال إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقال بأن «شعائرنا التي تعبدنا الله بها مرتبطة بالمعاني العميقة وليست مجرد أداء شكلي ظاهر» وكذب، وهذا من جنس دين الباطنية والزنادقة، وغلاة المتصوفة الذين يصفون دينهم بأنه دين «الحقيقة» بخلاف أهل الظاهر وأتباع الشريعة! وإلا فما ذكر من العبادات نفعلها لأنها شريعة الله تعالى، والعبادة له، والذل والخضوع لأمره، وكذلك فعلها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، وقد قال: «ليأخذوا عني مناسكهم» فالدافع لهذه الأعمال في سائر العبادات إنما هو «الإخلاص لله تعالى وحده» وهذه حقيقة لا إله إلا الله، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهذه حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، وليس مجرد الارتباط الروحي ومحاكاة الأنبياء والصالحين في أعمالهم.

كيف ولا قربة ولا عبادة في معرفة ميلاد نبيٍّ من الأنبياء ولا وفاته بمجرد ذلك، وإلا كان حفظ ذلك ونقله وضبطه قرين ما نقل عن الأنبياء من سائر العبادات من التوحيد والصلاة والصيام والحج والصدقة والهجرة ومفاصلة المشركين ونحو ذلك، وكل الأنبياء بما فيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تتفق الأمة على تاريخ ميلاد أحدٍ منهم، إلا ما ثبت من بيان يوم الاثنين الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم بصريح قوله عليه الصلاة والسلام، وشُرع لنا فيه الصيام، وهو أسبوعي، ولم يشرع غير ذلك مما أحدثه الزنادقة من الاحتفال بذكرى مولده كل عام ونحو ذلك.

` ولبَّسوا على الناس: بيوم عاشوراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أولى بموسى»، ولا دليل ولكنهم قومٌ يجهلون بل يمكرون- فليس ذلك إلا شكراً لله تعالى بالصوم في ذلك اليوم، بل فيه ردّ على أمثال هؤلاء الدجاجلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف دين المشركين في الاحتفال واتخاذه عيداً! فعارضهم بعبادةٍ جليلةٍ وهو الصوم شكراً لله تعالى، فالجفري ومن على شاكلته إنما كان ارتباطهم الروحي باليهود لا بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين! فاليهود اتخذوه عيداً يرتقبون فيه التهاني من الجفري وأمثاله، والمسلمون إنما تخذوه قربة بالصيام شكراً لله تعالى أن كبت الظلم وأهله، وأنجى موسى عليه الصلاة والسلام ومن معه.

` ولبَّسوا على الناس: بأن ترك التهنئة من التنفير عن دينِ الله تعالى، وخلاف الإحسان في القول؛ وكذبوا، فالأمر دين، ولهم دينهم ولنا ديننا، والتنفير إنما يكون بالصدِّ عن دين الله تعالى، وصرفِ الناس عنه، ولا يسمى القيام بدين الله تعالى تنفيراً وإلا كانت قراءتنا لآيات الله تعالى المتضمنة للعن اليهود والنصارى، وإشهار كفرهم، ولعنهم، وبيان سوء عاقبتهم من أشد التنفير على مذهب هؤلاء المتهوكين، فالذمي والمسالم من اليهود والنصارى والمشركين: يُدعون إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ويؤذن في الإحسان والبرّ إليهم وتأليف قلوبهم بما شرع الله تعالى، وتجوز الهدية لهم ومنهم، ولكن لا يعني ذلك إباحة موافقتهم على شيءٍ من شعائر دينهم، رضي من رضي وسخط من سخط، ودعوى أنهم يهنئون المسلمين بعيدهم، والإحسان يقابل بالإحسان وحسن الجوار؛ يجاب عنها بأن الإحسان لا يكون بما لم يأذن الله تعالى به، وإنما يكون بما شرع الله، من الرحمة ولين الجانب، وبذل الوسع في دعوتهم وهدايتهم إلى الله تعالى.

` ويلبِّسون على الناس: بأن عامة تهاني الناس اليوم إنما هي عادة لا عبادة، وأنها «لا تتضمن الإقرار خاصة مع انتشار الاسلم ووضوح الاختلاف العقدي ... وإنما هو البر والصلة»، وهذا لا يدفع المنع، فهو لمجرد ما ذكروا ممنوع شرعاً، فإن تجاوز إلى العلم بمرادهم بالعيد، وتهنئتهم على تلك العقيدة الفاسدة فهو الكفر بالله تعالى، وما تفرّح به حاتم العوني من كلام البلقيني في قوله في "فتاويه" (ص986) عن قول السائل: «مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم: عيد مبارك، هل يكفر؟ فقال: «إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم بحقيقة فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك، وإنما جرى ذلك على لسانه، فلا يكفر بما قاله من غير قصد»، عليه لا له! فإن قوله يعود لمنع الحالين، والمرادين، وإنما فرّق ما بين ما يوجب الكفر وما لا يوجبه، وأثر القصد في ذلك، وهذا ما يقوله ابن القيم فيما تقدم نقله، من القول بمنع التهنئة وقد تصل للكفر أي بالمراد الذي ذكره البلقيني هنا-.

` ولبَّسوا على الناس: بما ذكره ابن بيّه من قاعدة التيسير، وغرر العامة بكلامٍ أصولي لا مقام له في المقال إلا الحشو والتمويه، ولا مجال لذلك في هذا الحال، فالتيسير في شرع الله إنما هو بشرع الله تعالى، لا بأهواء الناس ورغباتهم، فشرع الله حق وعدل وحكمة، سواء كان الأمر فيه يسيراً أو عسيراً، ليناً أو قاسياً، تحبه النفوس أو تكرهه، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله تعالى بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه أرسله رحمة للعالمين، هو من أقام الله تعالى به الحدود: فجلد ورجم وقطّع أيدي وأرجلاً من خلاف، وكل ذلك من الرحمة والحكمة الكونية والشرعية لمن تدبر وعلم.

` ويلبسون على الناس: بأن التهنئة تقرّ كما تُقرُّ دور العبادة للكفار المسالمين، مستدلين بقول الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] وقول الحسن البصري: «يدفع عن مصليات أهل الذمة بالمؤمنين» وأن بغض الله ولعنه لهم لم يمنع أن يدفع بالمؤمنين عن دور عبادتهم، ولا دليل في ذلك كلّه، فهذا مخصوص بنصٍّ شرعي، فلا يتجاوز عنه إلى غيره إلا بدليل، خاصة في مقابل النصوص الأخرى المحكمة في البراءة والمفاصلة، والنهي عن الموالاة والركون إليهم، فدلت الآية على الإبقاء على ما وجده المسلمون من دور العبادة فيما تولوا عليه من بلدان، ودخل أهلها تحت ذمتهم وقوتهم، كما قال في الآية التالية: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} [الحج: 41] وسبب الإبقاء: إقامة ذكر الله تعالى، كما روى ابن أبي حاتم قال: أخبرنا الأشج، ثنا حفص بن غياث عن داود عن أبي العالية قال: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40]، قال: «صوامع وإن كان يشرك به»، وفي لفظ: «إن الله يحب أن يذكر ولو من كافر».

` ويلبَّسون على الناس: بلغة التحدِّي التي جاء بها حاتم العوني، وطلب الاتيان بلفظ واحدٍ عن الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة في المنع من ذلك! بينما المطالب هو المُحدث لا الذين بقوا على الأصل، خاصة والداعي أقوى في نقل التهاني منه في القول بالمنع لأنه الأصل في التعامل مع المشركين بجامع الأدلة في ذلك، وكما سبق نقله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 509): «اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية، يفعلون أعيادهم التي لهم، والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين، من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة، كراهة ونهيا عن ذلك، وإلا لوقع ذلك كثيرا؛ إذ الفعل مع وجود مقتضيه، وعدم منافيه: واقع لا محالة، والمقتضى واقع؛ فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو: الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة، وهو المطلوب»، فلئن سأل العوني عن المانع لعدم النقل؛ قيل له: منعهم الدين، وتعظيم شرع الله تعالى، ومفاصلة المشركين.

وكان في المدينة وما جاورها من اليهود والنصارى من أهل الذمة وملك اليمين الكثير، ولم ينقل عن واحدٍ من الصحابة أنه هنأ أحداً منهم بعيد من أعيادهم، أو أهدى له في ذلك هدية، مع شدة إحسانهم لهم، والعدل معهم.

تتمة مهمة:

ثم يقال للنصارى وللمتعاطفين معهم بالتهنئة؛ مع أن شرعكم ليس شرعاً لنا، فإن هذا الاحتفال ليس من شرعكم أصلاً، وإنما هو من التبديل الذي أحدثته النصارى في دين عيسى عليه السلام، يقول القرطبي في "الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام" (ص: 425): «فَنَقُول لَهُ وَلَهُم هَذِه الْأَيَّام المصانة عنْدكُمْ هَل صيانتها وَاجِب عنْدكُمْ بِالشَّرْعِ أَو لَيْسَ وَاجِبا بِالشَّرْعِ فَإِن قَالُوا لَيْسَ بِوَاجِب بِالشَّرْعِ قُلْنَا لَهُم فلأي معنى تعملونها وتلتزمون صيانتها حَتَّى أَن من كَانَ فِي قَرْيَة أَو فِي موطن لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يرتحل عَنهُ حَتَّى يُتمهَا فقد التزمتم مَا لَيْسَ بِلَازِم وأوجبتم مَا لَيْسَ بِوَاجِب فَإِن قَالُوا هِيَ وَاجِبَة بِالشَّرْعِ قُلْنَا لَهُم بِأَيّ شرع وَجَبت بشرع مُوسَى أَو شرع عِيسَى فَإِن قَالُوا بشرع مُوسَى كذبُوا وَقُلْنَا لَهُم {فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين} [آل عمران:93] وَلَا شكّ فِي أَنهم لَا يَجدونَ شَيْئا مِنْهَا فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل وغايتهم أَن يَقُولُوا مَا قَالَ عالمهم حَفْص هَذِه أَيَّام شريع لِأَنَّهَا اتّفق فِيهَا أُمُور شريفة من أَحْوَال الْمَسِيح.

فَنَقُول لَهُم هَب أَنه اتّفق مَا تَقولُونَ فَمن أخْبركُم من الْأَنْبِيَاء أَنه إِذا أتفق أَمر من تِلْكَ الْأُمُور فافعلوا كَذَا واصنعوا ذَلِك الْيَوْم عيدا وَفِي أَي كتاب من كتبكم وجدتموه وَلَا شكّ فِي أَنهم لَا يَجدونَ شَيْئا مِمَّا ادعوهُ فَلم يبْق لَهُم إِلَّا مَحْض التحكم ثمَّ يلْزمهُم على مساق هَذَا أَن يبحثوا عَن أَيَّام عِيسَى وَعَن عَددهَا ويتخذوا تِلْكَ الْأَيَّام أعيادا فَإِن أَيَّامه كلهَا ومحاضرة كَانَت شريفة إِذْ كَانَت أَيَّامه لَا تَخْلُو عَن كَرَامَة يُكرمهُ الله بهَا وَعَن بركَة من بركاته وَعَن معْجزَة من معجزاته فلأي معنى خصصتم تِلْكَ الْأَيَّام لَوْلَا مَحْض الْهوى والتحكم الْبَاطِل ثمَّ نقُول لَهُم هَل كَانَ عِيسَى يعلم فَضِيلَة تِلْكَ الْأَيَّام أَو لَا يعلم فَإِن كَانَ يعلمهَا فلأي معنى لم يفعل فِيهَا مَا تَفْعَلُونَ أَو لأي معنى لم يبين شَرعه فِيهَا لَو كَانَ لَهُ فِيهَا شرع وَإِن لم يعلم فضيلتها فَكيف لم يعلم هُوَ مَا علمْتُم أَنْتُم ثمَّ كَيفَ يجهل شَيْئا علمتموه أَنْتُم وَهُوَ عنْدكُمْ قد اتَّحد بِهِ علم الله.

فَحصل من هَذَا أَنَّهَا لَيست فاضلة وَلَا لله فِيهَا حكم إِذْ لَو كَانَت فاضلة لله فِيهَا حكم لعلمها وَلَو علمهَا لبينها فَلَمَّا لم يعلم وَلم يبين علم أَنه لَيْسَ لله فِيهَا شَيْء مِمَّا اخترعتمون لكنكم تحكمتم بإختراع مَا جهلتم وشرعتم مَا لم يشرع لكم نَبِيكُم فَإِن قَالُوا هَذِه أَيَّام اتخذناها لفعل الْخَيْر نتصدق فِيهَا على مساكيننا ونطعم فِيهَا جياعنا وَهَذِه أَفعَال خير وبهذه جَاءَت الشَّرَائِع كلهَا

قُلْنَا لَهُم لَا ننكر أَن الشَّرَائِع جَاءَت بإعانة الْمَسَاكِين لَكِن لم خصصتم لَهَا أَيَّامًا بالتحكم ثمَّ أوجبتم صِيَانة تِلْكَ الْأَيَّام أَو لأي شَيْء لم تَقولُوا أَنه يَنْبَغِي إطْعَام الْمَسَاكِين أبدا وسد خلاتهم مَتى ظَهرت وَلم تحتاجوا إِلَى وضع أَحْكَام بالتوهم وَلَو كُنْتُم موفقين لسلكتم مَسْلَك اتِّبَاع الْمَسِيح تَفْعَلُونَ مَا فعل وتتركون مَا ترك وَلَو فَعلْتُمْ ذَلِك لَكَانَ مُوَافقا لتعظيمه».

فالاحتفال بميلاد المسيح المزعوم محدثٌ في دين النصارى أصلاً، ولا دليل عليه في أناجيلهم، وربما بعضهم يضلل بعضاً في ذلك، ويحرم على بعضهم تهنئة بعض فيما اختلفوا فيه، فكيف يأتي من يدعي العلم من أهل الإسلام وينافح بقوة دون استحباب تهنئتهم فيما اختلفوا فيه أصلا؟

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه

بدر بن علي بن طامي العتيبي

 

 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني