من المختارات لكم (36): لا عاصم من أمر الله إلا بالله وحده

تنبيه على خطأ
وقع فيه الشيخ محمد العريفي
التوحيد أولاً يا معلم الناس الخير
العصمة من الله وحده يهبها من يشاء من عباده
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد بعث إلي أحد الفضلاء عبارة للشيخ محمد العريفي أذاعها في تويتر يقول فيها: (دخول المصريين لمذهب الشيعة الرافضة المتضمن تنقص القرآن تكفير الصحابة .. تحريف الإسلام .. وقذف عرض سيدي النبي .. أمرٌ بعيد .. فإيمان المصريين يعصمهم).
وهذه الكلام غير مقبول شرعاً وقدراً فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والأرض لا تقدس الرجال ولا تعصمهم من الكفر! فقد وقع الشرك الأكبر في جزيرة العرب بل وفي مهبط الوحي مكة المكرمة وفيها بيت الله الذي تقصده الأنبياء وكافة الرسل، وأرتد خلق كثير في فجر الإسلام القريب من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومصر كسائر البقاع يحضرُ فيها الإيمان والكفر، والسنة والبدعة، والطاعة والمعصية، ومذهب الرافضة مذهبٌ خطير لا يؤمن على أحدٍ من المسلمين، ومن ضيَّع كتاب الله والتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع منهج السلف الصالح، وترك العمل، وجهل العلم، وتهاون بالبدع: هو قريب من التلطخ بعقيدة الرافضة! والبلدان التي تنتشر فيها الرافضة كانت من قبل عامرة بعلماء أجلاء، وعباد صالحين، بل أكابر أهل السنة والجماعة كبلاد فارس والعراق وأمثالها، وهي اليوم من كبرى معاقل الرافضة في العالم! وتلك الأيام يداولها ربي بين الناس.
وهكذا حال المسلمين إذا ضيعوا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وانتشر بينهم الجهل، وموالاة أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلمن وتركوا تعلم التوحيد والسنة وإشهارهما، فإن وجهتهم تكون إلى البدع والمنكرات وسائر الشرور نسأل الله العافية.
فالكفر بعد الإيمان وارد على من لم يرد الله تعالى به خيراً وهذا ما يسمى بـ(الردة) فيزول الإيمان بعد ثبوته، ولو كان مجرد الإيمان يعصم من الكفر ما كفر مؤمنٌ قط، ولا كان هناك ردّة عن دين الله تعالى، وهي ثابتة بصريح القرآن والسنة وإجماع المسلمين.
أما قول العريفي: (فإيمان المصريين يعصمهم) فإن أراد بأن إيمانهم الصادق يرشدهم إلى (إنكار) ذلك و(يردعهم) عن اقتراف قول الرافضة فنعم، فالإيمان الصادق والورع والتقوى تدعو المؤمن إلى الإقبال على الخير والانصراف عن الشر وما يقدح في دينه، كما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَهُ أَو مُصَلَّاهُ مِنَ الْعُرْيِ يَحْجِزُهُ إِيمَانُهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، مِنْهُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ» رواه الإمام أحمد في "الزهد" وأبو نعيم في "الحلية".
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن سفيان الثوري أنه قال: كَانَ يُقَالُ: (أَنْ يَكُونَ لَكَ عَدُوٌّ صَالِحٌ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ صَدِيقٌ فَاسِدٌ , لِأَنَّ الْعَدُوَّ الصَّالِحَ يَحْجِزُهُ إِيمَانُهُ أَنْ يُؤْذِيَكَ أَوْ يَنَالَكَ بِمَا تَكْرَهُ , وَالصَّدِيقُ الْفَاسِدُ لَا يُبَالِي مَا نَالَ مِنْكَ).
فالصدق يهدي إلى البر، والبرّ يهدي إلى الجنة، والله يهدي أولياءه سبل السلام، فهذا محمل مقبول لكلامه، فلو قال (إيمانهم يحجزهم) أو (يردعهم) أو (يرجى أن يعصمهم الله بإيمانهم) لكان أصوب.
أما إن أراد أن (الإيمان) يعصم بذاته من عقيدة الرفض ويمنع منها! فهذا خطأ؛ لأن الإيمان هو أعمال العباد، والعباد مخلوقون، وأعمالهم مخلوقة، والمخلوق لا يعصم المخلوق بذاته، والله تعالى هو وحده العاصم، يعصم من يشاء بمن  وما شاء ولو بأصغر خلقه وأضعفهم، ونفى الله تعالى أن يعصم غيره، فالعصمة من الله، فقال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 67] وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) [يونس: 27] وقال عز وجل: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود: 43] وقال: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [غافر: 33].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: (فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى).
ثم إن دفع الكفر والنجاة منه، وثبات الإيمان والهداية إليه: أمرٌ لا يملكه إلا الله، وما لا يملكه إلا الله لا يدفعه شيءٌ عن المخلوق إلا الله سبحانه وتعالى، فلا عاصم لأحدٍ من الكفر من دونه، ولو كان الإيمان عاصماً لأحد لعصم إبراهيم الخليل ولما قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 35، 36]  وعصم محمداً صلى الله عليه وسلم ولم يقل: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
وعصم أولياء الله المتقين ولم يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
تنبيه:
قول بعض العامة (العصمة لله وللرسول) مقالة منكرة، فالله هو العاصم وما سواه معصوم، فالصحيح (العصمة من الله) و(للرسول) أي للرسول صلى الله عليه وسلم من الله.
والله أعلم.
وكتب
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الخميس 11 ربيع آخر 1434هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني