من المختارات لكم (70): بمناسبة المناصب الوزارية الجديدة (1430هـ)


بمناسبة المناصب الوزارية الجديدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فدار حديثٌ بين بعض المحبين في بعض المجالس عن المناصب الوزارية الجديدة، وعن تعيين بعض أهل العلم مستشارين عند الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله لهداه.
فتكلمتُ ما ملخصه ما سيأتي مبتدأً بقولي:
اسألوا الله العافية، واحمدوه عليها، فإن مثل هذه المناصب مهما كانت رفعتها بين أفراد المجتمع إلا إنها من الابتلاء الكبير، والامتحان الخطير، فإن صدقوا ونصحوا فقد نفع الله بهم البلاد والعباد، والراعي والرعية، وإن رضوا وتابعوا فقد هلكوا وأهلكوا، والله المستعان.
وقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رَسولَ الله r قال : «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عليكُمْ أُمَرَاءُ، فَتعرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقد بَرِئ، وَمَن أَنْكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضي وتَابَعَ» قالوا: أفَلا نُقَاتِلُهمْ؟ قال: «لا ، مَا صَلُّوا».
فهؤلاء الذي نصّبوا في هذه المناصب في حقيقة الحال هم مبتلون من أشد البلاء:
فإن صدقوا ونصحوا وبينوا فقد فازوا وربحوا.
وإن كتموا وسكتوا وتواطئوا فهي لعمرك- المهلكة الحالقة، فيغتر بسكوتهم سفهاء الأحلام، وتسكن روح الوالي لمواطئتهم، وسكوتهم عما تجب النصيحة فيه.
والله تعالى قد أخذ على كل صاحب علم العهد والميثاق ببيانه للناس كما قال عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}(آل عمران:187) وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة:159).
فهم في محنة عظيمة بين تحقيق هذا العهد، والاجتهاد فيه، وبين السكوت والمواطأة!.
فنسأل الله العافية.
روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/387) عن وهب بن إسماعيل قال: كنا يوما عند سفيان، فمر رجل من هؤلاء الجند، فجعل سفيان ينظر إليه وينظر إلينا ثم قال: «يمر بكم المبتلى والمكفوف والزمنى الذين يؤجرون على بلائهم فتسألون الله العافية ويمر بكم هؤلاء فلا تسألون الله العافية».
وروى (9 / 214) أن بعض أمراء البصرة استعمل عبدالله بن محمد بن واسع على الشـرطة، فأتاه محمد بن واسع، فقيل للأمير: محمد بالباب، فقال للقوم: ظنوا به، فقال بعضهم: جاء يشكر للأمير استعمل ابنه، فقال بعضهم: لا ولكنه جاء يطلب لابنه الإعفاء، أو قال العافية، قال: فأذن له، فلما دخل قال: «أيها الأمير بلغني أنك استعملت ابني وإني أحب أن تسترنا يسترك الله، قال: قد أعفيناه يا أبا عبدالله».
فنسأل الله العافية والسلامة، وأسأله سبحانه أن يوفقهم إلى تمام النصح، وصدق الصحبة، وحسن المشورة، والله المستعان.
فهؤلاء قد دخلوا ديوان الملك، وجلسوا على وسائده، وعند ذلك وجب عليهم من النصيحة ما لم يجب على غيرهم.
روى المروذي في "أخبار الشيوخ" (ص:42) عن ابن محيريز أنه قال: «من جلس على الوسائد فقد وجبت عليه النصيحة».
وعنده عن الفضيل (ص:43): «كم من عالم يدخل على الملك ومعه دينه، ويخرج وليس معه من دينه شيء، فلا جعل الله مصيبتنا في ديننا».
وعنده (ص:43) عن الإمام أحمد قال: «الدنو منهم فتنة، والجلوس معهم فتنة، نحن متباعدون منهم ما أرانا نسلم، فيكف لو قربنا منهم؟!»
وذكر ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (2 / 182) عن سعيد بن سليمان قال: كنت بمكة في زقاق الشطوى وإلى جنبي عبدالله بن عبد العزيز العُمَري وقد حج هارون الرشيد فقال له إنسان: يا أبا عبدالرحمن هو ذا أمير المؤمنين يسعى قد أخلي له المسعى.
قال العمري للرجل: لا جزاك الله عني خيراً، كلفتني أمرا كنت عنه غنياً.
ثم تعلق نعليه وقام فتبعه وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا.
فصاح به: يا هارون.
فلما نظر إليه قال: لبيك يا عم.
قال: إرق الصفا.
فلما رقيه قال: إرم بطرفك إلى البيت.
قال: قد فعلت.
قال: كم هم؟.
قال: ومن يحصيهم؟!.
قال: فكم في الناس مثلهم؟.
قال: خلق لا يحصيهم إلا الله.
قال: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه وأنت وحدك تسأل عنهم كلهم فانظر كيف تكون؟!.
قال: فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلاً منديلاً للدموع.
 قال العمري: وأخرى أقولها.
قال: قُلْ يا عم.
قال: والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن يسرف في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي، انتهى.
قلت: فتأملوا ما في هذه القصة من تأكد النصيحة على من رأى السلطان فكيف بمن يلاقيه ويجالسه ويأنس به؟!
روى المروذي في "أخبار الشيوخ" (ص:42) عن الإمام أحمد أنه قال: «يجب عليّ إذا رأيته يعني الخليفة- أن آمره وأنهاه».
وفق الله الجميع لهداه، وإلى سبيل تقواه، فأسأل الله تعالى أن يوفق علماء المسلمين إلى دوام النصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفق الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى كلّ خير، وأن يصرفه عن كلّ شرٍّ وضير، وأن يجعله ناصراً معزاً لتوحيد رب العالمين، وسنة سيد المرسلين، والله ولي التوفيق.
 كتبه: بدر بن علي بن طامي العتيبي، ليلة الخميس 24 صفر 1430هـ

تعليقات

  1. نسأل الله السلامة والعافية
    كتب الله أجرك , وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني