من المختارات لكم (10) الرد على حمزة المزيني

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
(يا مزيني ...... السلفية: دين الله تعالى ولا ينكرها إلاّ زنديق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد وقفت على ما كتبه حمزة المزيني في مقاله المنشور في صحيفة (الشرق) رقم 39 وتاريخ 12/1/2012 بالتاريخ الإفرنجي (ص19).
فرأيت فيه نفثة شيطانية أخرجتها وطأة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على كبده وأشباهه في إطلاق ندوة (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) والتي حظيت برعاية ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله تعالى.
وقد تكلم حمزة المزيني بما يدل على رقة دينه، وحقيقة طويته، وفساد نيته، وأنه (يتكلم بألسنتنا) و(من بني جلدتنا) وممن يحمل (جنسيتنا!!) وهو بعيد كلّ البعد عن هوية هذه الدولة (في الباطن) وإن (وافق أفرادها في الظاهر) وقبل البدء في نثر الوقفات مع هذا المقال المتهافت، أقدم بأن هذه الندوة المباركة كانت بمثابة الصفعة على وجوه الكثير من خصوم الحق من أهل البدع والأهواء، ومن أهل الكفر والزندقة من الليبراليين والعلمانيين، وأنهم إنما يحرثون على سطح الماء!! وأن ما يجعجعون به في (الوسائل الإعلامية الرسمية واللارسمية) بصريح الخطاب وفحواه من الكفر والزندقة و(تغريب عقائد الناس وأخلاقهم) يزول ويتزلزل بمثل هذه الندوة المباركة التي تقيمها جامعة عريقة كجامعة الإمام محمد بن سعود، وتحظى برعاية قوية صارمة من ولاة الأمر فيها، فنظر أولئك الكتَّاب!! وأعينهم تعلوها الخيبة!! ولسان حالهم يردد المثل السوقي: (ما كأنك يا بو زيد غزيت!!) وأن محاولاتهم في صرف هذه الدولة المباركة من (الأسس الشرعية السلفية) إلى (النظم والأفكار الغربية) لم تنجح، لأنهم عرفوا بأن الأصل لا يزال متماسكا، فمهما شاغبوا على أطراف الفروع والجذوع فسوف تعود وتتجدد يوماً ما بالرجوع إلى سلامة الأصل، والله تعالى يقول: (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ).
ويقول سبحانه وتعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
الوقفة الأولى: قال المزيني (أشرتُ في مقال سابق بعنوان "هل نحن سلفيون حقاً؟!" (الوطن، 16/ 4/ 1431هـ) إلى تعريف «السلفية» السائد في بلادنا بأنها "فهم القرآن والسنة على فهم الصحابة والتابعين" ويقتضي هذا التعريف أن غير السلفيين "مبتدِعَة" لكن هذا ما تدعيه التيارات والمذاهب الإسلامية الأخرى كلها. ومؤداه اللازم إقصاء المسلمين الآخرين، إن لم يكن تكفيرهم، وأشرت إلى أن مفهوم "السلفية" ربما نشأ في الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام التي شهدت جدلاً واسعاً، لأسباب سياسية في أول الأمر، يتصل ببعض القضايا العقدية الأساسية، كالقضاء والقدر، ومرتكب الكبيرة، وأسماء الله تعالى وصفاته، وغير ذلك، لكن هذا المفهوم صار، فيما بعد، عنواناً للتقليد، لا للصحابة والتابعين فحسب..).
إلى آخر كلامه؛ فأقول: هذا الكلام ليس له نظام، والسلفية بمعناها الفرد هي دين النبي صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح لا غير ، ومقتضاه أن من لم يكن كذلك فليس تابعا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بغير حقيقة معناها فهو مبتدع بنص كلام إمام السلف وخير سلف وهو نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة..) والبدعة لا يأتي بها إلا (مبتدع) إذ السلفي يقتفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما (تدعي!!) الفرق الأخرى المخالفة لـ(السلفيين) أهل السنة والجماعة فهذا لا يضر!! كما أنه يدعي البعض!! أنه (مسلم) وهو في دعواه كاذب وإنما هو كافر زنديق مطالب بالإثبات على صحة دعواه، فكذلك هؤلاء المدعون وكلّ مدعٍ- من قريب أو من بعيد يقول (إنه سلفي الطريقة) يقال: (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة : 111] وقد قيل:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها    *** بينات أصحابها أدعيـــاء
وإن تضمن التسمي بالسلفية والانتماء إليها إقصاء الآخرين فحي هلا به ومرحبا، وهذا دين الله تعالى، كما أن مسمى (الإسلام) بمعناه (الاستسلام لله تعالى وأمره) يقصي كلّ من خرج عن ذلك ليكون كافراً مشركا زنديقا من جثى جهنم وليس بعد الحق إلا الضلال.
وليس معنى السلفية وقتيّ لعصر دون عصر، ولم يكن مبتكراً لزمان دون زمان، فهو معنى قائم إلى قيام الساعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الجماعة الناجين من الضلال والوعيد: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وهذا هو معنى السلفية السابق تقريره.
الوقفة الثانية: قال المزيني (كما لاحظت أن هناك سمتين واضحتين لـ"السلفية" في مجالنا المحلي؛ فالأولى ما يمكن أن يصل إلى "تقديس" العلماء ورفعهم إلى مرتبة قريبة من مرتبة "المراجع" الغريبة على المذهب السني، واستنكار الحوار معهم ادعاء بأن القصد منه نزع مهابتهم والحط من منزلتهم بين الناس، والسمةُ الثانية "التقليدُ" ومناهضةُ الجديد بأنواعه كلها).
أقول: هذا في عرف النظَّار (تحكم) في قول الخصم بغير دليل!! فوصفك (احترام العلماء) و(إجلالهم) و(معرفة قدرهم) والرجوع لهم بأمر الله تعالى القائل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل : 43] بأن هذا (تقديس) لا يضرهم وسمّه ما شئت، ولكن مما تعلموه من العلماء أن هذا (التقديس المزعوم) لا يجوز أن يكون (بمحض التقليد) وإنما بـ(موافقة الدليل) وعدم معارضة قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم بقولهم، وأنهم يصيبون ويخطئون، وأن من الشرك (طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله) كما هو مقرر في أشهر كتب التوحيد والسنة عندهم، فهات (يا صاحب الدعوى) تقديسا كما تعزم لمقالات العلماء ينتج عنه ردّ الحق!!
إن التقديس اللعين إنما هو عند غيرهم ممن يقدس مقالة (تولستوي) و(فولتير) وملاحدة العالم، ورأوا أن (حثالة أفكار الغرب) هي (حبال النجاة من التخلف المدني والديني!!) ونظروا بعين المقت والاحتقار لأبسط مبادئ الخُلُق العربي بَلْه الخُلق الإسلامي النبوي الرفيع.
 أما السمة الثانية المزعومة؛ بأن شعار السلفية (التقليد) المنافي (للجديد) هذا همط من الكلام، وزلل في النظام، فالدين دين الله تعالى لا دين دولة ولا عالم ولا حزب، جعله الله تعالى مهيمنا على كلّ دين، صالحاً لكل وقت، باقياً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، به كلّف وأمر، وبه حرّم دماء أناس وأباح دماء آخرين، وبه وعد الله المسلمين بالجنة، وتوعد الكافرين بالنار، فدين يبقى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبلغنّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذلِّ ذليل) فهو كفيل برعاية كلّ جديد، وقبوله إن وافق الحق، أو ردّه إن قام على الباطل، ولا تزال المستجدات في الأعيان والمعاني تتجدد في كلّ العالم حولنا، وليس (كل جديد مقبول) في العالم بل هو محل النظر والميزان والبحث والتحقيق والتدقيق، ولكلّ ميزانه في (قبول الجديد أو رفضه) ولنا (ميزاننا) في التعامل مع تلك (المستجدات) يا مزيني وهو نور الله تعالى المتدفق في أبصارنا وبصائرنا بالوحيين وفهم السالفين، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : 40]
وضربه المثال في تنوع الأقوال في (المستجدات) بالقول في (القنوات الفضائية) و(التلفاز) عموماً فإن هذا لا غرو فيه وأشباه ذلك كثير في قديم الزمان وحديثه، ولكل زمان قوته وصلابته في البيان والتقرير، ومقابلة (البلوى) و(الضرورة)، كما هو الحال في (إظهار تكفير الزنادقة) و(إباحة دمائهم) فيتكلم اليوم العديد من الكتَّاب بما لو تكلم بعشر معشاره رجل في زمن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لقطَّعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف وتلوا قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة : 33]
الوقفة الثالثة: تمخض ذهن المزيني (المتحرر!! كما يزعم) فجاء بتعريف للسلفية بما يوافق هواه فقال: (أما "السلفية"، كما أنظر إليها، فأفضل ما تتميز به -في مفهومها النقي- صفاءُ التوحيد الذي يُحرر المسلم من الخوف من الناس، وأن العلاقة بين الله والمسلم مباشِرة لا تمر بوسيط من ولي أو إمام أو شيخ أو مرشد. وهذا المفهوم النقي لـ"السلفية" هو الملائم للمسلم المعاصر الذي يتشوق إلى الحرية والفردية التي تجعله مسؤولا عن نفسه).
أقول: التوحيد ليس مجرد تحرر المسلم  من الخوف من الناس وغيرهم! بل التوحيد معناه (الإفراد) بمعناه الشمولي، فـ(تفرد) الله تعالى بالعبودية فلا تعبد إلا الله، و(تفرد) النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع فلا تتبع إلا النبي صلى الله عليه وسلم، و(تفرد) الوحي بالحجية فلا حجة إلا في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، و(تفرد) الاتباع لجماعة واحدة وتدع سائر الفرق، فليس في الدين إلا جماعة واحدة أمر الله تعالى بالاعتصام بها ونبذ ما سواها.
هذا هو التوحيد؛ وصدق العلاقة مع الله تعالى.
وليس كلّ وسيط بين الله تعالى منفي، وإنما المنفي من اتخذ الوسائط أربابا من دون الله تعالى، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم وسيط بين الله وبين خلقه في بيان ما أمر الله تعالى به لأنه مرسل من ربه، وإنكار هذا النوع من الوسائط كفر وزندقة، ومن الوسائط العلماء الربانيون الذين يبينون شرع الله تعالى، وقد قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل : 43].
وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)  [النساء : 83].
فالرد للعلماء والأخذ بقولهم المقترن بالدليل من الكتاب والسنة، من أجل الوسائط إلى الله تعالى وإنكار ذلك كفر وزندقة.
الوقفة الرابعة: في امتعاض المزيني من الندوة التي أقامتها جامعة الإمام قال: (والملاحظة الأولى على هذا المؤتمر تتعلق بعنوانه. فمع إمكان فهم الشق الأول من العنوان، إلا أن من الغموض أن توصف "السلفية" بأنها "مطلب وطني" فهل يعني هذا أن مواطني المملكة العربية السعودية "جميعهم" يطالبون بها؟! أم المقصود أن بقاء الدولة السعودية مرهون بالالتزام بهذا المنهج؟ ويبدو أن المعنى الأخير هو المقصود، كما يتضح من عناوين بعض الأوراق التي قُدمت للمؤتمر. وهذا تجاهل واضح لمقومات المشروعية الأخرى للدولة السعودية التي لا تقل أهمية، وتُجمع عليها الغالبية العظمى من المواطنين السعوديين).
فأقول: أي غالبية يا مزيني؟ ومن أحصاهم وعدّهم عدا؟
إن الغالبية هي ما نراه من العامي البسيط إلى العالم المحيط من تعظيم أمر الله تعالى، والتزام منهج السلف الصالح، والسير عليه، وعلى رأس ذلك (أساس نظام الحكم) في هذه الدولة المباركة من تحكيم شرع الله تعالى بالكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، الوطن (حاكم ومحكَّم بالفتح- ومحكوم وأرض) والحكام عندنا من عهد الإمام محمد بن سعود الى اليوم ينتهجون منهج السلف كما بينته في ورقة العمل التي شاركت بها بعنوان (الدولة السعودية والمنهج السلفي).
والمحكَّم: الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
والمحكوم: الشعب السعودي الذي بايع ولاة الأمر على (الرضى بالحاكم) و(المحكَّم) وهو منهج السلف الصالح عند الاثنين! ومن لم يقبل بهذا فهو (خارج عن البيعة ناكث لها)!!!!!!! فانظر لنفسك أين تكون؟ وأين موطؤ قدميك؟
والأرض: أرض الحرمين، ومنشأ دعوة سيد المرسلين؟
فلماذا لا تكون السلفية مطلب الجميع في هذه الوطن يا مزيني؟؟؟؟
ومعنى كونها (مطلباً وطنياً) يشمل المعنيين المذكورين من حيث أن الجميع مطالب بذلك، باختلاف معنى المطالبة من حيث (الوجوب) و(الاستحباب) ونفي ضدها من حيث (الحرمة) و(الكراهة) وعلى رأس المطالبة (تحكيم شرع الله تعالى) و(إقامة شعائر الدين الظاهرة) وهذا من (المطلب السلفي الوطني) وعلى رأس ما يُنفى ويُنهى عنه (الكفر بالله تعالى) (ومحادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) و(الاستهزاء بدين الله تعالى) و(تعطيل شرعه).
الوقفة الخامسة: قال المزيني في متهافت قوله: (ومصطلح "السلفية" جديد في السياق الديني في المملكة. فقد كان المصطلح الذي تُعرف به "دعوة" الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى ما قبل أربعين سنة تقريباً، هو "الدعوة الإصلاحية"، وهو مصطلح وصفيٌّ يدل بدقة على المشروع الذي يسعى إلى الإصلاح الديني في الاعتقاد والعبادات والمعاملات، ويبدو أن مصطلح "السلفية" الحادث من مخترعات مد الصحوة الحزبي الذي نشأ بتأثير هجرة الإخوان المسلمين منذ أواخر الخمسينيات الميلادية إلى المملكة. وهم الذين نظَّموا التشدد الديني المحلي في ضوء المهارات التنظيمية التي يحذقونها. فهذا المصطلح، إضافة إلى بدعيَّته -بالمقاييس "السلفية" نفسها!- إنما هو تحويل لـ"الدعوة الإصلاحية" عن منهجها الدعوي إلى حزب سياسي).
أقول: هذا الكلام الإعراض عنه أولى من الالتفات إليه، ولولا أن الشرط كشف زيف كلامه، وبيان خلل نظامه لأهملته، فهو لا يخرج إلا من رأس ما لا يعقل شيئاً، ويهرف بما لا يعرف، فدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب سلفية بالشعار والدثار بلسانه ولسان حكام هذا البلاد بما لا يتسع المقال لذكره، ونشر كلامهم متفرق ومجتمع في العديد من أوراق العمل المطروحة في هذه الندوة، وعندما سميت دعوته رحمه الله تعالى بـ(الدعوة الإصلاحية) إنما هو (إصلاح حق) لا دعوى مكذوبة كما يزعمها (الإصلاحيون) اليوم، ففرق بين (الحقيقة) و(الدعوى) ودعوة الإمام محمد رحمه الله تعالى من (الإصلاح الحق) الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وجاءت بالكتاب والسنة، وكتب السلف الصالح وفهمهم.
أما (إصلاح الإصلاحيين المعاصرين المزعوم) فهو كما قال تعالى عن أسلافهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة : 11] فهو يُخرج الناس من (النور) إلى (الظلمات) ولم يأتوا لنا بالكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح، وإنما جاءوا بمقالات زنادقة العالم، وثقافة (ماركس) و(شكسبير) وحثالة خلق الله تعالى من الفُجْرِ والعُهْرِ والتعرّي والمجون، وتعطيل دين الله تعالى، ومسخ أرواح الناس داخل أبدانهم.
الوقفة السادسة: زعم المزيني أن لفظ (السلفية) محدث!! فقال: (واللافت أن "السلفيين"، الذين لا يتوانون عن وصف المستجدات المادية والفكرية كلها بـ"البدع"، لم يعارضوا "حداثة" هذا المصطلح، ولم يصفوه بـ"البدعة" ولم يحرموه، ويمنعوا على الناس استخدامه).
أقول: وهو كلام من لا يعقل، و(السلفية) معنى شرعي، موافق لمدلول اللغة العربية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: (أنا لك خير سلف) فإن كان لفاطمة رضي الله عنها خير سلف في قرب الوفاة، فهو خير سلف لنا في حقيقة الاتباع، وقد قال عن الجماعة الناجية: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) فهو لنا سلف، ونحن له خلف ولله الحمد.
أما المحدثات في دين الله تعالى فلا تحتاج منا إلى حكم بأنها بدعة، إذ الحكم إنما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وكل محدثة بدعة) وقال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل محدث في (دين الله تعالى) بدعة نص على ذلك عالم أو لم ينص، ومعرفة ذلك من الحق والحكمة التي يهدى إليها أناسٌ ويُصرف عنها آخرون.
الوقفة السابعة: قال المزيني : (وأخطر ما ينتج عن استخدام مصطلح "السلفية" في المجال الديني في المملكة أن يَؤول إلى تأسيس "مذهب جديد" يضاف إلى المذاهب الإسلامية التي تأسست كلها عن طريق الانشقاق عن جماعة المسلمين ادعاء بالتفرد في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والتميُّز، من ثم، بمصطلح يفرزها عن غيرها).
أقول: هذا غير وارد فهذه هي الدولة السعودية الثالثة أدام الله تعالى عزها بالكتاب والسنة- خلال ثلاثة قرون تقريبا وهي على هذا النهج، ولم تحتج الدولة السعودية، حكاما وعلماء وشعبا إلى (إحداث منهج جديد) وهم سائرون على منهج السلف الصالح الذي قرره الإمام محمد بن عبدالوهاب مع الإمام محمد بن سعود رحهما الله، وجاهدوا لنصرته بالسيف والسنان، والعلم والبيان، وعليه سار سائر حكام هذه البلاد، ولا يزال العلماء يتتابعون على نصرة هذا المنهج، فادعاء هذه الخطورة من التهويل والتطويل، وهمط الكلام وزيفه لصرف الناس عن الحق.
الوقفة الثامنة: قال المزيني (ويتضح جليًّا من الأوراق التي قدمت في "المؤتمر" كلها أنها لا تمثل إلا وجهة نظر واحدة متعاطفة. ويَجمع بينها كلها "الدعايةُ" لهذا "المذهب الجديد"، و"الدفاع" عنه، وتبرئته مما ارتُكب، ويُرتكب، باسمه من غلو وتكفير وعنف وإقصاء).
أقول: هذا أيضا من سلسلة هراء المزيني، فليس ما طرح في أوراق عمل الندوة تعاطفا، بل هو دين واعتقاد، وكونه من وجهة نظر واحدة لا عيب فيه، فهو حق مبين بدليله (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) [البقرة : 148] وقد شارك فيها من كافة الدول الإسلامية نخبة من العلماء، ومن خالف في شيء من محاور هذه الندوة فليرد عليه بالدليل ليتحقق من (الصادق) ومن (صاحب الدعوى) ليتميز الحق من الباطل.
ومع ذلك فقد شهد العديد من المستشرقين والمناوئين لهذه البلاد منهجا وديانة بسلامة ما هم عليه من مسلك، واعتدالهم في منهجهم، وسلامة ما هم عليه من طريقة، ونقل كلامهم يطول.
ونعم؛ وألف نعم، فقد أجمع الكل على (الدعايةِ لهذا المذهب الجديد بزعمك-، والدفاع عنه، وتبرئته مما ارتُكب، ويُرتكب، باسمه من غلو وتكفير وعنف وإقصاء) فمت بغيظك، فالسلفية والإسلام والسنة براء من كل ما يخالف دين الله تعالى، ووقوع أمثال هذه الأعمال من التكفير بغير حق، أو الغلو، أو العنف والإقصاء بغير عدل، كل ذلك ليس من السلفية في شيء، ووقوعها ممن يدعيها يكشف زيف ادعائه، كما يكشف زيف الادعاء حقيقة ديانة من يدعى الإسلام وهو لا يدين به، ولا يعظم حدوده، ولا يمتثل لأوامره، ولا يجتنب نواهيه، ويوالي أعداء، ويبغض اولياء الله، فكم من مدعٍ للإسلام، من بني جلدتنا ويتكلم بألستنا وهو عريٌّ من هذه المبادئ السامية الراسخة للإسلام، وهذا الجنس موجود بيننا لا كثرهم الله.
الوقفة التاسعة: قال المزيني: (ولا يُنكر أحد أن المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يُحلُّها مكانة متميزة في قلوب المسلمين. ولا يمكن لأحد أن يُنكر أن توحيد الأقاليم المتناثرة المتناحرة في الجزء الأكبر من الجزيرة العربية في كيان كبير واحد، إنجاز غير مسبوق في تاريخ الجزيرة العربية منذ قرون. ولا ينكر أحد أن جزءاً من مشروعية الدولة السعودية ينبثق من انتهاجها منهجا دينياً إصلاحياً متميزاً. لكن هذا كله لا يسوِّغ الدعوة إلى "الانشقاق" عن المسلمين، والانغلاق على الذات، والادعاء بتمثيل "الإسلام الصحيح" إن أحد الأسباب الرئيسة لنفور كثير من المسلمين منا هو هذا "الادعاء" لذي يُشعرهم بالدونية والإقصاء من خلال التوهين من اختياراتهم المذهبية التي نشأوا عليها).
أقول: لم ينكر المزيني أن السعودية مهبط الوحي ومثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القدر من الاعتراف لا يغنيه ولا يحقق شيئاً من صدق الانتماء للدين، وكلٌ يقول به ممن عرف التاريخ وحدود الجغرافيا!!
إن المطلوب هو الإقرار بأن السعودية دولة إسلامية سلفية تنتهج منهج الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، هذا الذي يميز (صادق البيعة) (صادق المواطنة) لهذه البلاد المباركة عن غيره.
أما قولك: (ولا ينكر أحد أن جزءاً من مشروعية الدولة السعودية ينبثق من انتهاجها منهجا دينياً إصلاحياً متميزاً) فنعم، مشروعها إصلاحي ولكن؛ على منهج الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، وهي ما جاءت الدولة لتؤكده عن طريق هذه الندوة المباركة من خلال جامعة عريقة كجامعة الإمام محمد بن سعود برعاية سامية من ولاة الأمر.
وقولك: (لكن هذا كله لا يسوِّغ الدعوة إلى "الانشقاق" عن المسلمين، والانغلاق على الذات، والادعاء بتمثيل الإسلام الصحيح إن أحد الأسباب الرئيسة لنفور كثير من المسلمين منا هو هذا الادعاء الذي يُشعرهم بالدونية والإقصاء من خلال التوهين من اختياراتهم المذهبية التي نشأوا عليها).
يرده أن هذه الدولة مع انتهاجها للمنهج السلفي حاشاها والله- أن تكون داعية للانشقاق، بل دين الله تعالى كله لا يدعو للانشقاق، بل هو دين الرحمة، ودين الجماعة، والله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام : 159] فهم يدعون الأمة كافة إلى هذا الفهم، وإلى هذا المنهج، وإلى هذا الدين الذي دعا إليه الله تعالى وأمر نبيه أن يدعو إليه كما قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : 64].
فالدولة السعودية تنادي العالم وتقول: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
تعالوا إلى تحكيم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح.
تعالوا إلى الحياة الطيبة بالعمل الصالح كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)  [النحل : 97].
تعالوا إلى النور والهدى والشفاء وسعادة الدين والدنيا والآخرة.
هذا نداء الدولة السعودية، وهذه دعوتها، ولسنا في شك أنها تمثل الدين الإسلامي الصحيح، رضي من رضي وسخط من سخط، هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
مدير مركز الدعوة والإرشاد بالطائف
ضحى الأحد 21 صفر 1433هـ
  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني