من المختارات لكم (9) الرد على إبراهيم الألمعي

بسم الله الرحمن الرحيم
يا ألمعي: خالفت الشرع والواقع وجئت بقولٍ ساقطٍ واقع!!!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قرأت ما كتبه إبراهيم بن طالع الألمعي في صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم الخميس خاتمة شهر جمادى الأولى 1431هـ، وفيه تكلم الكاتب بما (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا) (مريم:90).
فالكاتب لم يتكلم عن (قضية اجتهادية) ولا عن (قانونٍ وضعي) ولا عن أمرٍ خفي لم (تتظافر نصوص الشريعة في بيانه).
بل تكلم بمخالفة أصلٍ جاءت النصوص الشرعية المتظافرة بمنعه وتحريمه، وغرّه في ذلك (ضبابية الطرح) و(طلسمية التقرير) فصريح الحال والمقال (الدعوة إلى تعظيم القبور وصرف أنواعٍ من العبادة لها) و(إباحة عبادة غير الله مع الله) فليس الأمر بحاجة إلى سرد تلك القصة الخيالية، ولا إلى مناقضة الأصول بغريب المنقول، وقبل تفصيل النقد لطلسم كلامه أقول:
قال الله تعالى: (وأنّ المسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوْ مَعَ اللهَ أحَدَاً)( الجن : 18) فالدعاء حق خالص لله تعالى لا يجوز أن يصرف لغيره، وقد قال تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر : 3) فما يصنعه الزائرون للقبور من نداء الموتى من الأولياء والصالحين: شرك بالله تعالى، والذي قال بأنه شرك هو الله تعالى حيث قال: (ومن يدعو مع الله إلها  آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) (المؤمنون : 117).
فالله تعالى بصريح كلامه في كتابه المحكم المتين المبين ذكر بأن من (يدعو) مع الله (آخر) فقد اتخذه (إلهاً) ومن فعل ذلك فهو (كافر بالله تعالى) وعلى ذلك كان دين المشركين، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في تعظيم الأضرحة والقبور التي ينادي الألمعي إلى تعظيمها والعكوف عندها، ويصف تلك المواقف بالسكون والطمأنية، فقد عدّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذين يتعبدون عند القبور شرار الخلق فقال: (إنَّ من شرارِ الناسِ مَنْ تُدرِكُهُم السّاعةُ وهُمْ أحياءٌ ، والذين يَتَخذِونَ القُبُورَ مَساجدَ) رواه الإمامُ أحمدُ بسندٍ جيدٍ من حَدِيثِ عبدِاللهِ بنِ مَسعودٍ رضي اللهُ عَنْهُ .
وبيّن أن الغلو في تعظيم القبور هو منشأ اتخاذ الكنائس وعبادة الأنبياء والأولياء من دون الله تعالى كما ثبت عن عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) متفق على صحته.
بل ولعن صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك عند موته، فقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) متفق على صحته.
بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وعدم تشييدها ورفعها كما روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الهياج قال: قال لي عليّ: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته).
فكيف ينادي الألمعي من طرف جلي وخفي! بإعادة أمجاد دين عمرو بن لحي وأهل الجاهلية؟
وبعد هذه المقدمة القاضية بعدم اعتبار قوله، والالتفات له في إباحة ما حرم اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه المسلمون، أقول، لي مع كلام الألمعي وقفات:
الأولى: قال الألمعي واصفاً لحياة ذلك النكرة الأسطورية الجاهلية!: (رغم أنه نشأ في بيئةٍ تهاميّة تمتلئُ بطقوسها من مذاهب دينية وشعوذات وغيرها من أنواع الحياة المتكاملة).
فيقال: وأي تكامل في حياة وثنية كهذه الحياة؟ والله تعالى لما نظر إلى أهل الأرض وهم على مثل هذه الديانة مقتهم عربهم وعجمهم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
أي تكامل في الوقوع في أعظم ذنبٍ عُصي الله تعالى به؟ وهو الشرك به سبحانه وتعالى.
لقد عجز الألمعي عن مقارعة الدليل بالدليل، واتجه إلى وصف تعظيم القبور بهذه الصورة النرجسية، فقال هذا، وصوّر الضريح بأنه ذلك المكان (الطاهر) الذي تعلوه (السكينة) ويزوره (عظماء الرجال بمختلف مستوياتهم التعليمية!) ويتوافد إليه (تلك النسوة الجميلات اللاتي يعانين من مشاكل) ثم ذكر (عجائب هذه الأجواء الروحانية الحانية) على حدِّ تعبيره!
وزعم أن تعظيم القبور في (سفح تهامة) دين عاش عليه أهل تلك الجهات 14 قرن!
فأي تزييف هذا التزييف في تزويق باطل عظيم، وشرٍّ وخيم؟
وما هذا إلا من تزيين الباطل، وزخرف القول، في تزيين الباطل، والعياذ بالله.
بل وبالضد من ذلك تشويه صورة الحق حيث قال في تصوير أهله: بأن حياتهم كانت على منهج (رتيب جاؤوا يحملونه خاليا من الروح الشَّعبية)!
وأنهم (يحملونَ ثقافةً جرداء مُسطَّحة الفكر لا تملك التوغُّلَ في الفكر ولا اتِّساع التَّمذْهب بسبب نوع البيئة التي جاؤوا منها
وهذا من سنن أهل الضلال، ومن أساليب أهل المكر والخديعة في صرف الناس عن الحق، بتزيين الباطل، والثناء على أهله، وتشويه الحق، وذمِّ أهله!.
الوقفة الثانية: وقع الألمعي في زلة وخيمة نادى بها على نفسه بكبريات الموبقات! فأثنى صراحة على دين المشركين، وذم دين النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بأقبح وصف، فمن صريح القرآن الكريم في ذم المشركين أنهم كانوا يعظمون معبوداتهم ليقربونهم إلى الله زلفى! كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) (الزمر : 3).
وهذا في سياق الذم وكشف حقيقة كذب أولئك وكفرهم.
ومع ذلك فقد ذكر الألمعي هذا في موطن الثناء والمدح والحزن على ذلك التاريخ الذي يزعم شرفه، والحنين إليه فقال: (فهو سليلُ قومٍ منذ أكثر من 14 قرنا ونصف القرن ، كانوا يصرون على الوصول إلى الله عن طريق من يقرِّبُهم إليه زُلفى، وطقوسهم التعبيرية الاجتماعية هذه لم تكنْ سوى أسلوب لمحاولة الوصول إلى ما يجهلونه من طرائق السعادة والنجاة من المجهول).
وقال متهكماً بإنكار أهل الدين لتعظيم القبور ودعاء أهلها من دون الله: (ألمْ يُعِدُّه (مديِّنتُه) للقضاء على كل وسيلة مما يـُقرِّبه إلى الله زلفى).
ثم وصف من ينكر هذه الدعوى بأبشع وصف فقال بعد ذلك: (مُدَيِّنتهم –أي أهل الدين الذين أنكروا هذا الأمر- الذين جاؤوا لم يكونوا طقوسيِّين، فهمْ يحملونَ ثقافةً جرداء مُسطَّحة الفكر لا تملك التوغُّلَ في الفكر ولا اتِّساع التَّمذْهب بسبب نوع البيئة التي جاؤوا منها).
وقال في ذم الدين الذي يحارب هذا النوع من الشرك بأن أهل الحق –الذين سماهم متدينة- يرونه ديناً: (إصلاحياً سلفياً وحيداً للكون والحياة).
والذي قال هذا –يا ألمعي- ليسوا هم المتدينة، وإنما الذي قاله هو الله تعالى حيث يقول: (إنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسْلام)(آل عمران: 19)، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيرَ الإسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ)( آل عمران:85).
فهو دين واحد للكون والحياة لا يصلحان إلا به، ومن ابتغى صلاح الأرض والعباد والبلاد بغير هذا (الدين الوحيد) فلن يستطيع، ولن يقبل منه مهما حسنت نيته، والله تعالى يقول: (ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا) وما تصلح الأرض إلا بشريعة آدم التي دعا إليها الأنبياء من ذريته وهي الإسلام، وإفراد الله بالعبادة.
وهذا كلّه يكشف (مدفون) صدر الألمعي، وأنه يتذرع بهذه الخطوة لمصادمة أصرح مرتقبة في آخر مقاله! برفض بها دين النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنح الناس (الحرية) في كلّ شيء حتى لو بلغ بهم ذلك إلى أقبح الكفر وأفجر العمل.
الوقفة الثالثة: زعم الألمعي في (طلسم) كلامه أن رفض تعظيم القبور مخالف لما عليه الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو علي –هكذا قال وهو أبو محمد – ابن حزم ، وهذا كذب على هؤلاء، بل هم ينكرون تعظيم القبور، ونقل كلام أئمة هذه المذاهب يطول ومن ذلك قال العلامة القرطبي في تفسير سورة الكهف : (فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز) (تفسير القرطبي 10 :379) .
وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من أبنية على القبور ، منهم الجمّيزي الشافعي [ت:649هـ] ، والتَّزَمنْتَي جعفر بن يحيى [ت: 682هـ] و قال القاضي يوسف بن أحمد المعروف بابن كَجّ الشافعي [ت:405هـ]: (ولا يجوز أن تجصَّص القبور ولا أن يُبنى عليها قباب ولا غير قباب ، والوصية بها باطلة) .
قال أحمد بن عبدالله الأذرعي [ت:781هـ]: (أما بطلان الوصية ببناء القباب وغيرها من الأبنية وإنفاق الأموال الكثيرة فلا ريب في تحريمه ..) (فتح المجيد: :1/399).
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في رسالته الماتعة " شرح الصدور في تحريم رفع القبور " (ص: 7): ( اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم ، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها .. ولم يخالف في ذلك أحدٌ من المسلمين أجمعين ..).
فما هذه المغالطة يا ألمعي؟
أفساد في الطوية، وحيف في القضية؟!
فلا نقل مصدق، ولا قول محقق؟ سبحان الله العظيم.
الوقفة الرابعة والأخيرة: توصل الألمعي بعد (طلسمته!) إلى أن كافة ما يصنع في المساجد والمعابد والكنائس والبيع والقبور وكافة أهل الديانات في دياناتهم ليست من الاعتقاد في شيء، وإنما هي عنده (عادات بشرية) اتخذوها لتهذيب النفس لما لم تحقق هذا بالعبادات الأخرى فقال بأن: (أهل المساجد والكنائس ومواقع الطقوس شرقا وغربا في هذا العالم، ووجد أن كل تلك الطقوس ليست أمورا عقدية على الإطلاق، وإنما هي تعبير حسّي عن الأمل والصِّلة بالبعيد غير المنظور، وبحث عن الصفاء والنقاء والنجاة بأساليب لمْ تكفِ فيها عندهم وسائل العبادة المتفق عليها).
ثم منحهم الحرية في طرق تعبدهم فقال: (هذه الأمور ليست سوى مساحة من الحرِّيّة التي لا يمكن حجْرُها على الشعوب، وأن في كل شعب ومكان رموزا وعظماء يعطيهم التاريخ والفطرة حق التخليد بشكل أو بآخر).
وهذا كلام قبيح الصورة، بالغ الخطورة، فاسد التأصيل، منحرف التأويل، مصادم لصريح القرآن والسنة، وإجماع الأمة، ممزوج بين دين الفلاسفة والمرجئة، وتقرير فساده لا يخفى على عامة الناس بله العقلاء والفضلاء والعلماء منهم! بل المشركون يعترفون أنهم (يعبدونهم) فقالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ولكلّ أرباب ملة عقيدةٌ في معبوداتهم يصرفون إليهم بسببها أنواع العبادة، وما يقدمونه إليهم من (العكوف) و(الصدقة) و(الدعاء) و(القرابين) كلها عبادات ساقهم إلى التقرب بها إليهم عقائدهم الفاسدة.
والله تعالى لا يرضى منّا (الحرية) بل يريد منا (الاستسلام) ويريد منا (العبودية) فنحن (مسلمون) مستسلمون لله تعالى (عبيد له) تحت قهره وسلطانه، ونحن بذلك أصدق الأحرار لأننا عبيد لله الواحد القهار، ومتى خالفنا أمره (مرقنا) عن دينه، وعبدنا غيره، وأشركنا به ما ليس لنا به علم، وصرنا أذلة تحت أذلة، وهذه أقبح صور الذلة!
واعتقاد كفرِ كلّ دين سوى دين الإسلام أصل من الإسلام لا يصح إلا به، كما قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:256) وقوله : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)(الزخرف: 26 - 27) وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة: 4 ).
والله أعلم.
وكتب
بدر بن علي بن طامي العتيبي
مدير الدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف
                                             الخميس 29جمادى الاولى 1431هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني