عشر وصايا مهمة للدعاة إلى الله تعالى

عشر وصايا مهمة للدعاة إلى الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإلى أصحاب الفضيلة، والمهمة النبيلة، الدعاة إلى الله، وحماة الشريعة، وسُرج الأمة، ومن سلك الله بهم: سبيل سيد المرسلين، ومنهج الأنبياء السالفين، فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] ولم يجعل قول أحدٍ من الناس أحسن من قولكم، فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] لأنكم تدعون إلى الله، وإلى دين الله، وبقول الله، وبقول المرسل من الله عليه الصلاة والسلام:
أكتب لكم وصايا عاجلة، قصيرة المباني عظيمة المعاني، متنوعة الطرح، واضحة المدلول تغني عن الشرح، تذكرة لمن نسي، وأسوة للمؤتسي، لا يفضل الكاتب على القارئ منها بشيء، وهو المفتقر إليها ابتداءً، والراغب في تحقيقها انتهاءً، فدونكم هي، فتقبلوها بأحسن القبول، والله يلهمنا الرشد وإياكم فيما نفعل ونقول:
أولها: الإخلاص .. الإخلاص:
ركب الصادقين، وعلامة المؤمنين، وأصل قبول الأعمال، وهو من عمل القلب، والعمل يحضر ويغيب، فلا يغب الإخلاص واستحضار النية الصادقة عن قلوبكم في كل كلمةٍ ومحاضرةٍ ودرسٍ ولقاء، روى الخطيب في "الجامع" (1/ 316) عن سفيان الثوري، قال: قلت لحبيب بن أبي ثابت: حدثنا، قال: «حتى تجيء النية».
فعالجوا النيات، وعِظُوا النفس قبل أن تَعِظُوا الناس، فمن الخذلان أن نتعب وننصب ونرحل ونخطب، ونقرأ ونكتب؛ بلا نية! وتأملوا قول الله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]  وتفكروا في عاقبة أعمال أهل الرياء، وطلب السمعة.
الثانية: العلم ذخيرة الداعية.
فمن لا علم عنده إلى ماذا يدعو؟ وما الدين إلا علم ثم عمل ودعوة، وجميعنا قد درس في فَجْرِ عُمُره أن أصول الدين: «العلم ثم العمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه» فلا ينبغي للداعية إلى الله أن يقف عن طلب العلم، وتحصيله، والجلوس عند العلماء، والأخذ منهم، وقراءة الكتب، والبحث والتأمل، والحفظ والمذاكرة، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] فلا تفارقوا العلم، فهو أصل الرسوخ وانتفاع الناس بكم.
الثالثة: كونوا قدوة.
بصالح العمل والسبق للخيرات، والصدق مع الله، فالناس يرونكم أئمة، ويحسبونكم قدوة، فإن رأوا منكم الخلل، والتقصير في العمل؛ هان الدين في عيونهم، وضعفت هيبة العلم والعلماء في صدورهم، وقد قيل:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم            ولو عظموه في النـــفوس لعُظِّما
فعظِّموا العلم بالعمل، ومراقبة الله، والسبق إلى كل فضيلة، والبعد عن كل زلةٍ ورذيلة، ومواطن السفهاء، وأخلاق الجهال، وإنما كانت الرخصة لمن كان في دينه ضيق! وفي نفسه ميول للحرام، وأما طُلاب العلم، وأهل الديانة والفضل: فهم لا يحتاجون إلى كثيرٍ من الرخص اكتفاءً بالواجب والمندوب، وتلذذاً به، ومحافظةً عليه.
الرابعة: الأدب.
تاج الوقار، وشيمة الرجال، وعنوان القبول، فإن قبلوا الناس أخلاقكم قبلوا أقوالكم، والله تعالى يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] ويقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] فعليكم من الكلمات أبلغها، ومن الجمل أبينها، ومن المواضيع أهمها، وليكن الحلم لكم كساء، والصبر رداء، والتؤدة عادة، وتعاهدوا إغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج ولو بالرأي والمشورة والدعاء، واعرفوا لذوي الهيئات فضلهم، وتجنبوا مواطن الرّيَب، ومجالس الَّلغو، وتقدموا في مجالس العامة بالعلم والبيان ولا يسبقكم إليها وفيها أهل الجهل والهذيان، واعرفوا شرف العلم الذي أنتم أهله، وقيمة الدعوة التي أنتم أصحابها، فالعلم خير المكاسب، والدعوة أعظم المناصب، وأعلى الرتب، وأسمى غايات الطلب، فلا تنكسروا لأبناء الدنيا، ولا تهينوا العلم طلبوا فيما يكسبون، فالله رفعكم بالعلم فكيف يقبل منكم الهوان وهو معكم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11] ويقول تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] وإن احتجتم لأرباب الدنيا في شيءٍ من أمور دنياكم فاطلبوه بلسان العزة والكرامة، بدون ذلٍّ وانكسار، ولا التظاهر بالعجز والافتقار، وإلا فالصبر الصبر:
ملكُ كسرى عنه تغني كسرة            وعن البحر اجتـزاءٌ بالوشل
الخامسة: لكل صاحب صنعة هيئة!
فللجنود لبساهم، وللأهل الصنائع هيئاتهم، فعليكم بلباس العلم؛ وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم حلةً للجمعة والعيدين واستقبال الوفود، وجرت عادة العلماء في بلادنا من زمن بعيد على أن يكون "البشت" زينة أهل العلم في مجالس العلم وأهل الفضل، والجلوس للعامة، واللوائح التنظيمية للدعاة الرسميين تقضي بلبس "البشت" في المحاضرات والدروس والمشاركات الدولية، فكونوا كذلك، فميزان أخلاق الناس لباسهم، بعيدا عن تبذّل العبيد، وتنعّم النساء، ولباس السفهاء.
السادسة: الحذر .. الحذر؛ من عثرات اللسان.
وعبارات الإيهام، ومواطن الإشكال، ومداخل الشكوك، في زمن برامج التواصل الفاضحة، والتسابق إلى نشر المثالب والمعائب! ورحم الله داعيةً صان حمى الإسلام من جهته، وسدَّ باب دخول الكائدين للإسلام والسنة والعلم من قِبَله، فمن تصدَّر منكم للمشاركات الإعلامية، وإذاعة الدروس والكلمات والخطب، فليبالغ في التحفُّظ فيما يقول وينتقي من الألفاظ والعبارات والأخبار والقصص، وليجتنب من الكلام ما لا تعيه عقول العامة، ويورثهم الشكوك والريب، ويثير الجدل من غلاظ المسائل، وأغلوطات الأخبار، وقد ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ، أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله» رواه البخاري، وقال ابن مسعود: «ما أنت بمُحَدِّث قوماً حديثاً لا تَبلُغُه عقُولهم إِلا كان لبعضهم فِتْنة» رواه مسلم في مقدمته، وقبل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «لا تبشرهم فيتكلوا» هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه بشارة أيضاً، ومع ذلك منع من إشهاره النبي صلى الله عليه وسلم تقديماً للمصلحة على مفسدة متوقعة.
فكذلك كونوا يا معاشر الدعاة، وتجنبوا إحداث الإشكال في قلوب العامة، وانتقوا الآيات والأحاديث والأخبار انتقاء شديداً، وكذلك في عباراتكم، وتجنبوا السُّوقي من الكلام، والوحشي من ألفاظ العرب، وعليكم بالكلام الواضح البيّن المفيد.
السابعة: كونوا على منهج السلف .. وعلى خطى العلماء.
فإياكم والمُحدثات، فإن كل مُحدثة بِدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، ولا تتجاوزا في الكلام والتقريرات ما جاء عن السلف، ونطق به العلماء، فالتزموا ألفاظهم، وتعودوا على عباراتهم، ولا تحدثوا ألفاظا ما نطق بها الأولون، فتورد عليكم الموارد، ويتجرأ عليكم بها المبطلون المشاغبون، فأسلافنا كانوا: أفصح لساناً، وأطهر جنانا، وأوضح عبارة، وأدق إشارة، وأنصح للأمة، وأرعى للذمة، نظروا للخير فتكلموا به، وحذروا من الشر وابتعدوا عنه، وتركوا المشكلات، وتمسكوا بالواضحات، يقول، فليس فوقهم محسر، وكل من دونهم مقصّر، يقول عبدالله بن مسعود رضي  الله عنه: «مَن كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ، أولئك أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضلَ هذه الأمة: أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، اختارهم الله لصحبة نبيِّه، ولإقامة دِينه، فاعرِفوا لهم فضلَهم، واتبعُوهم على أثرهم، وتمسَّكوا بما استَطَعْتُم من أخلاقِهم وسيَرِهم، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم» رواه ابن عبدالبر.
وليكن لكم النصيب الزاخر، والحظ الوافر: من قراءة تراجم المصلحين من أئمة أهل السنة المصلحين، ابتداء من نبينا صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين، إلى آخر الأئمة المجددين، والأعلام المصلحين، وكيف انتفع الناس بدعواتهم، وجددوا معالم الشريعة، وأحيوا رسوم الملة، ومن خالف طرائقهم لن يصل إلى ما وصلوا إليه من فضلٍ ورفعةٍ لا تزال تشرف بتناقلها صدور الأكابر وأوراق الدفاتر.
الثامنة: عليكم بالأهم ثم المهم.
وحق ربنا عز وجل هو الأهم، والعلم المتعلق به هو الأهم، وربنا هو الأول؛ والعلم المتعلق بالأول هو أول العلوم، وربنا هو الأعلى؛ والعلم المتعلق بالأعلى هو أعلى العلوم؛ فعليكم بالتوحيد تقريراً وتحقيقاً، ومدارسة ومذاكرة، وليكن هو الغاية من الكلام في أي موضوع كان، من حقيقة لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، اربطوه بالتوحيد، ليعرف الناس ربهم، ويقدروا له حق قدره، فما انتشرت المعاصي والذنوب، ولا تهاون الناس في امتثال الأوامر واجتناب النواهي إلا لما خف في قلوبهم شأن توحيد الله تعالى، وما قدروا الله حق قدره، لأنهم إن عرفوا الله خافوا من اللهن وعظموا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ومن كان بالله أعرف كان من الله أخوف، ومن لم يعرف الله لم يقدر الله حق قدره، فالله الله في مضاعفة الكلمات والدروس والخطب والمواعظ والمحاضرات في توحيد الله تعالى، وتقرير السنة، والاهتمام في أنفسكم بتأصيل هذا الجانب، والقراءة فيه، وأن لا ينقضي وقتٌ من اوقاتنا إلا ونقرأ فيه إحدى رسائل الأئمة الأعلام في توحيد الله تعالى، نقرأ لأنفسنا، ولعامة الناس، فليكن التوحيد هو همكم ومحبوبكم، ومن أهمه شيء وأحبه أكثر من ذكره والكلام عنه.
التاسعة: الحسبة ... الحسبة.
فما أنتم فيه من دعوة لا تطلبوا من ورائها المال، ومن كان داعية رسمياً تحت نظام الدولة فالمال إنما هو «لحبس المنفعة» لا «لاحتساب الأجر» فلا يكن المال هو المراد، بل والله إنما بركة المال في صدق الاحتساب، فليكن مرادكم هو نشر دين الله تعالى، وتعليم الناس الخير، والإسراع في المشاركة في كل مجالٍ للدعوة وتعليم الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما المال إلاّ بلغة تتبلغون به، وإلا ما تقومون به هو واجبكم شرعاً، ودين الله عليكم حقا، فجاهدوا في الله بدعوتكم حق الجهاد، وضاعفوا الجهد، واستعينوا بالله ولا تعجزوا، وعليكم بالكيّس، ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها.
العاشرة: يد الله مع الجماعة.
ففروا من الحزبية فراركم من الداءِ العُضال، والأسد القتَّال، واذكروا أن شعار دعوتكم: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 108] لا إلى حزبٍ ولا لونٍ ولا إقليمٍ ولا رجلٍّ من سائر الناس، «فاعتزلوا تلك الفرق» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والزموا جماعة المسلمين وإمامهم، وكونوا «سلفيين» على منهاج السلف الصالح، وتمسكوا بالكتاب والسنة، وسيروا على خطى السالفين في العقائد والآداب، فمتى كانت غايتكم واحدة، اجتمعتم، ولن تفترقوا، ولكن إن تعددت المقاصد، وتباينت الغايات، فسوف تفترق القلوب والأبدان، ويضعف العمل، ويقل النفع بدعوتكم، وقد أكرمكم الله بدولة تحكم فيكم بالكتاب والسنة، وتنادي بمنهاج السلف، فاحمدوا الله، وارعوا هذه النعمة، وحافظوا عليها.
إخواني الدعاة:
هذه وصايا عابرة؛ آثرتكم بها في مجلسٍ واحدٍ، عسى الله أن ينفع بها من نظر، فما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان فيها من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله مما حصل من خطإٍ وتقصيرٍ بريئان، والسلام الكريم من ربنا الكريم يعود أولاً وآخراً على الجميع ورحمة ربي وبركاته،،،
كتبه أخوكم
بدر بن علي بن طامي العتيبي
ضحى الأربعاء 6 ربيع الآخر 1438

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني