من المختارات لكم (28): بمنظار سلفي: ماذا لو تولى محمد مرسي الرئاسة في مصر؟

بسم الله الرحمن الرحيم
بمنظار سلفي: ماذا لو تولى محمد مرسي الرئاسة في مصر؟
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فأولاً أسوق التعازي لجميع من نظر في هذه الأسطر في وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز  رحمه الله تعالى، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله تعالى أن يبارك في خلفه وأن يوفق ولاة أمرنا إلى كلِّ خير، وأن يعيذهم من كلِّ شرٍّ وضير.
ثم وقفت في برنامج التواصل الاجتماعي تويتر على عدة تغريدات لجاهلٍ عيٍّ تغذى من الفكر الإخواني الماسوني! يتهكم بالسنة النبوية من حيث يشعر أو لا يشعر عقب الإعلان غير الرسمي-  عن تولى محمد مرسي لرئاسة مصر، وأكثر من قوله: (ما يصنع غلاة الطاعة!) وتهكم بـ(نصيحة السرِّ) وأمثال تلك العبارات الصبيانية التهكمية وهي لا تضير غير أن في البال ما أرى حتماً توضيحه وعلى رأس ذلك أن السمع والطاعة للحاكم المسلم براً كان أو فاجراً أنه دين وعقيدة يقرر في كتاب العقائد قبل كتب الأحكام والسياسة الشرعية، فلا يجوز التهكم بأصلٍ شرعي غلا فيه من غلا، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء : 59].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بالله جميعا وأن لا تتفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) رواه مسلم.
ونصيحة السرِّ دين وأدب نبويٌّ جاءت به السنة الصريحة الصحيحة كما بينته في كتابي "وصيتي للإخوان منهج أهل السنة في نصيحة السلطان" روى أحمد رحمه الله وغيره من حديث عياض بن غنم - رضي الله عنه -، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن ليأخذه بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، وإلاّ كان قد أدّى الذي عليه له) ، أي من النصيحة ، وهذا حديث صحيح سألت شيخنا ابن باز - قدّس الله روحه - عن صحته؟ فقال : إسناده جيد .
وعند الإمام أحمد رحمه الله في " المسند " (4/383) : أن سعيد بن جمهان تلكم في السلطان فغمزه عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه ثم قال : (ويحك يابن جمهان! عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلاّ فدعه، فإنك لست بأعلم منه) .
ورواه الطبراني أيضاً ، قال الهيثمي في "المجمع" : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات .
وفي "الصحيحين" أن أناساً انتقدوا على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وقالوا له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟! ، فقال : (أترون أنّي لا أكلمه إلاّ أسمعكم! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحبّ أن أكون أول من فتحه) .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (أيّها الرعية لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب ، والمعاونة على الخير) .
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن كيفية أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر ؟ ، فقال: (إن كنت فاعلاً ولا بُدّ ففيما بينك وبينه) ، ذكر ذلك ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"، ثم قال : كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرّاً .
والنصيحة بالمجاهرة أمام الناس فسادها عظيم وخطرها وخيم ، قال شيخنا ابن باز رحمه الله وجعل الجنة مثواه: ( .. ولمّا فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه ، وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقتل عثمان بأسباب ذلك ، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وقتلوه نسأل الله العافية).
ويشهد لمقال شيخنا يرحمه الله ما ذكره ابن سعد في "الطبقات الكبرى"  (6/170) عن عبدالله بن عكيم رحمه الله أنه قال : لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان رضي الله عنه! فقالوا له: يا أبا معبد أوَ أعنت على دمه؟! فقال: إنّي أعدّ مساويه عوناً على دمه.
ولم يجد شجعان لحن القول جبناء صريحه وقوة الفعل! دليلاً يستدلون به غير بعض ما جاء عن بعض أعلام السلف من الإنكار على بعض الخلفاء بحضورهم! ويجعلون هذا أصلاً للإنكار العلني وهذا جهل واضح، فالمراد بالسرية مباشرة السلطان بها لا غير، سواء حضره غيره أو لم يحضره، وأتمها الانفراد به، ولو بلغته بمحضر غيره لا ينافي السرية، لحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر).
أما النصح في منأى عن السلطان، أو عبر وسائل الأعلام فهو مصادم لصريحة السنة، ولعمل السلف الصالح، ومحقق للبلاء والفتنة وانشقاق صفوف المسلمين.
ومما يجدر التنبيه عليه: أن حصول ما يُستحسن من الغايات لا يبرر الوسائل، فالمظاهرات واستخدامها في نزع سلطان، وتنصيب آخر، ليست من دون الله تعالى، وقد حذر منها العلماء، ولا تخلف المسلمين إلا كلّ بلية وفتنة.
ولكن بعد أن وقع ما يُحذر من المظاهرات وانفلات حبل الأمن للعاقل الفقيه نظر تالٍ في البحث عن (تصحيح المسار) والبحث عن الحلول الإسلامية بعد اندلاع المشكلة، وليس من العقل الاكتفاء بالتأنيب وذمِّ الخطأ أعني به القيام بالمظاهرات- وقد وقعت وتجاوز وقت الكلام عن حكمها في تلك الحادثة، وإنما الأمة الآن تحتاج إلى (تصحيح المسار) في مصر كما تحتاجه في سوريا وتونس وليبيا وغيرها.
فالناس اليوم تسأل عن الواجب صنعه (بعد حصول المشكلة!) فليس من العقل السؤال بـ: (لماذا وقعت المشكلة!!) فليس هذا فقهاً ولا عقلا!
قال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (1 / 104): قال أبو بكر الأبهري الفقيه قال كنت عند يحيى بن محمد بن صاعد فجاءته امرأة فقالت أيها الشيخ ما تقول في بئر سقطت فيه دجاجة فماتت فهل الماء طاهر أو نجس فقال يحيى ويحك كيف سقطت الدجاجة إلى البئر قالت لم تكن البئر مغطاة فقال يحيى ألا غطيتها حتى لا يقع فيها شيء قال الأبهري فقلت: يا هذه إن كان الماء تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر.
واليوم والرئاسة المصرية على أبواب إعلان قرينها، وعامة الأنظار تؤيد محمد مرسي للولاية المصرية، فلو تولى! فلا تجوز بيعته حتى يتعهد بتحكيم شرع الله تعالى فيهم، وعليه يُنادى ببيعته، ثم إن رضي به الشعب المصري، فالشأن معه كالشأن مع سائر من تولى أمر المسلمين من المسلمين! فيسمع له ويطاع في المعروف.
فإن تخلف عن تحكيم شرع الله تعالى، وأقر ما يحقق الكفر، فلا ولاية له على المسلمين، ويجب خلعه مع القدرة وتولية من هو أولى منه.
والكلام عنه كحاكم لا عن (عموم الإخوان المسلمين) فلا تعني ولايته التعامل مع الإخوان المسلمين كالتعامل معه كحاكم وسلطان! كما يقوله إبراهيم السكران! حيث ذكر  في بعض تغريداته في تويتر متهكماً أن تولى محمد مرسي يوجب على (غلاة الطاعة!) ولا يريد بهم إلا (السلفيين) أن لا يتكلموا في (الإخوان المسلمين) إلا (سراً) وهذا لا يليق بلسان عاقل!
بل يجب التحذير من عقيدة الإخوان المفلسين، وكشف مخططاتهم المنحرفة، وأساليبهم الملتوية، وكشف رموزهم وضلالاتهم.
فهذا مسلك أهل السنة لا يتغير ولا يتقلب بحسب الهوى ورغبات النفس!
لكن المجزوم به أن مسلك (الإخوان المسلمين) المزدوج سيتغير في التعامل مع (محمد مرسي) على فرض ولايته، فكل ما يرونه من عيوب بعض حكام المسلمين سيكون عندهم من (عظيم محاسن محمد مرسي!) وإذا عظمت المصيبة (تغاظوا عنها أو تأولوا له التأويلات المتعسفة!).
ومن كان يلعن حكام المسلمين بسبب توانيهم فيما يرى مع (المسلمين في سوريا) سوف يلتمس لمحمد مرسي كلّ عذر!
ومن كان يسفه أحلام حكام الخليج لما يزعم من تخاذلهم وعدم نصرة الشعب الفلسطيني: سوف يصرف الأنظار عن محمد مرسي وهو يمتلك أكبر شريطٍ حدودي مع فلسطين، ولن يستطيع أن يفك الحصار عن أهل غزة ورفح فضلاً على أن يحرر فلسطين وهم أدعياء الجهاد وحمل رايته!
ومن صاح بحاكم قرّب نصرانياً، أو حضر حفلة لزعيم كافر، أو بنى كنيسة في بلده، سوف يتغاظى في كل ذلك عن محمد مرسي!
ومن غمز في دولة تحكم شرع الله، وأنشأت هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سوف (يعض على بصلة) ولا يطلب من محمد مرسي أن (يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر) لأنه يقول بالأمس سأقف عن كل مصري بنفس المسافة!
فقرب المصلي الحاج التقي منه كقرب الراقصة في شارع الهرم، والقداس الصليبي، والحاخام اليهودي، والمعمم الرافضي، والخرافي الصوفي!
هذا كله فيما لو تولى محمد مرسي!
واللهَ المسؤول أن يهيئ لمصر الحاكم المسلم الذي يرفع راية الإسلام، ويعز شريعة الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الطائف
الأحد 27 رجب الحرام 1433هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني