من المختارات لكم (٣٢) مهلا يا عائض القرني

مهلاً فضيلة الشيخ عائض فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) لقد تابعت على مدار عدة أعداد مضت مقالات متتابعة لفضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني سدده الله، وعادتي الحرص على كافة مقالاته في ملحق الرسالة، ورأيت أن القاسم المشترك في تلك المقالات (تعظيم الغرب) واستهجان (الشرق) وأخص الشرق (العرب) وأخص العرب (أبناء السعودية) الذين يقولون: يا وطنا يا وطنا عمى عين الحسود كما جاء في مقال من مقالات الشيخ. وكان تعظيم الشيخ عائض للغرب في كلّ شيء! بدء من (التراب ونظافته) إلى (الفكر وإبداعاته) ونسف ما عند المسلمين (المعاصرين) ولا أقول (السالفين) من (رتبة رفيعة) و(منزلة عالية). ولو أن تعظيم الشيخ القرني صدر من مستغرب عامي مفتون لكان له العذر، ولكن للأسف أنه خرج من شيخ بمكانة الشيخ عائض القرني وعلمه. وهو في بداية أمره كان من (حفّاظ المتون) و(أليف الكتب الصفراء-كما وصفها-) وخرِّيج (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) وممن بحث في (دقائق المسائل) حتى (بحث في باب حيض النساء) في رسالة مفردة مطبوعة. ثم جاء مؤخراً ليعيب ترتيب مواطنينا، ونظافتهم، بل حتى الإهمال في (الاستراحات على الطرق السريعة) مقابل ما رآه خلال جولته الأوروبية المشهورة برفقة بعض الوجهاء. فأقول يا فضيلة الشيخ: أهذا هو الميزان في نظرك؟ في المقارنة بين الأمم؟ لقد حفظتُ –والله- من فيك لا من فيّ غيرك نقلك المتكرر، ما قاله المجاهد الصالح ربعي بن عامر لرستم، لما قال له رستم: أتيتم لفتح البلاد بهذا السيف المثلم، والثياب البالية، والخيل الهزيلة، فقال: (نعم؛ الله ابتعثنا، واللهُ جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام). فلن يعيبنا يا فضيلة الشيخ (تخلفنا في بعض أمور الدنيا) عندما نتقدم في (طلب الآخرة) مع أن (ديننا) تكفل بالحث على (ما نحتاجه من دنيانا) لا أن (نشتغل بها) و(نصرف فيها جهودنا). فتحقيقنا لسلامة حالٍ راوٍ من الرواة من ضعفه، ومعرفتنا لجهود ابن تيمية في تقرير علم الأصول، وتحقيق قبول زيادة الثقة، وصنع مجلدة ضخمة في حكم التأجير الموعود بالتمليك، ألذ وأطيب على قلب المؤمن من (تخصيب المفاعل النووي) و(اكتشاف كوكب يسبح في السماء) لأن تلك العلوم تخدم الدين والدنيا، وهذه الأخيرة لا تخدم الدين خدمة مباشرة، ولن تفيد الدنيا على الإطلاق، بل ربما ألحقت الضرر بالبلاد والعباد. لا أقول هذا استهجاناً للعلوم الطبيعة، والمسلمون لهم القدم السابقة في هذا الباب، ولكن أقول: لا ينبغي أن نغلو في تعظيم الغرب على حساب استهجان المسلمين وأخلاقهم وطبائعهم، وما عندهم من تقصير، بل الواجب أن يوجه الخطاب للفريقين إن كنا من العادلين: ونقول لأولئك-وهم أبناء الدنيا- إن نظامكم وترتيبكم وميلكم للرقي في مصالح الدنيا هو من أصل ديننا، وعليه حث شرعنا، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. ونقول للمسلمين –وهم أبناء الآخرة- إن نبيكم وقدوتكم حث على النظام، والترتيب، والنظافة، ومجالدة المخالفين باليد واللسان والسنان، واستفاد من خبرات الآخرين التي لا تعارض شرعنا في الحساب والقتال وغير ذلك. هذا هو الواجب لا أن تلحق المذمة والشتيمة بالمسلمين ومنزلتهم وكأنهم في الحضيض الداني. وأختم بهذا الحديث لعله يحرك في قلب فضيلة الشيخ جلالة الإسلام، ورفعته عن التعمق في طلب الدنيا ومتعتها والترفه فيها، وذلك فيما رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قرظا مصبوبا، وعند رأسه أُهُب معلَّقة، قال: فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما يبكيك؟) فقال: يا رسول الله؛ إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله؟ فقال: ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ). فأقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما ترضى –يا فضيلة الشيخ- أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟). كتبه بدر بن علي بن طامي العتيبي مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني