من المختارات لكم (33) : ما هكذا يا سعود تورد الإبل

ما هكذا يا سعود تورد الإبل!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
اطلعت على كلام للشيخ سعود الفنيسان في حسابه من تويتر يقرر في كلاماً فارغاً من الحجة، عرياً من المصداقية، بل تضمن زيفاً وافتراء على أهل العلم والفضل كما سيأتي، ويتكلم فيه عن (نصيحة السر للسلطان) وقرر فيه أمرين:
أولهما: تفريقه بين السلطان ونوّابه!
والثاني: زعمه بأن نصيحة السر ليست بشرط وأنه يجوز الانتقال إلى نصيحة العلانية عند الحاجة!
وافترى في كلامه على المشايخ العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين والفوزان تزييفاً وتمويهاً منه!
فأقول:
إن غابت عنك يا شيخ الحجة فلم تغب عن أهل العلم والسنة، فالأصل الشرعي في عموم المسلمين أن نصيحتهم في السر أفضل كما قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) وقد قيل:
تعمدني النصيحة في انفراد            وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بالإعلان نوعٌ         من التوبيخ لا أرضى استماعه
والسلطان أولى الناس بهذا الأصل دوماً لمصلحة اجتماع الناس عليه، وبذلك جاء التخصيص في السنة النبوية، عياض بن غنم - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن ليأخذه بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، وإلاّ كان قد أدّى الذي عليه له ) ، أي من النصيحة ، وهذا حديث صحيح سألت شيخنا ابن باز - قدّس الله روحه - عن صحته ؟ فقال : إسناده جيد .
وعند أحمد - رحمه الله - في " المسند " (4/383) : أن سعيد بن  جمهان تلكم في السلطان فغمزه عبدالله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ثم قال : ( ويحك يابن جمهان !! ، عليك بالسواد الأعظم ، إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم ، فإن قبل منك وإلاّ فدعه ، فإنك لست بأعلم منه )  .
ورواه الطبراني أيضاً ، قال الهيثمي في المجمع : ( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات ) .
وفي الصحيحين أن أناساً انتقدوا على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وقالوا له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟! ، فقال : ( أترون أنّي لا أكلمه إلاّ أسمعكم !! ، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحبّ أن أكون أول من فتحه ) .
وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : ( أيّها الرعية لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير ) .
وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن كيفية أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر ؟ ، فقال : (إن كنت فاعلاً ولا بُدّ ففيما بينك وبينه) ، ذكر ذلك ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ، ثم قال: كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرّاً .
والنصيحة بالمجاهرة أمام الناس فسادها عظيم وخطرها وخيم ، قال شيخنا ابن باز - رحمه الله وجعل الجنة مثواه - : ( .. ولمّا فتحوا الشر في زمن عثمان - رضي الله عنه - ، وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وقتل عثمان بأسباب ذلك ، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وقتلوه نسأل الله العافية ) .
ويشهد لمقال شيخنا - يرحمه الله - ما ذكره ابن سعد في " الطبقات الكبرى "  (6/170) عن عبدالله بن عكيم - رحمه الله - أنه قال : لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان - رضي الله عنه - !! ، فقالوا له : يا أبا معبد أوَ أعنت على دمه ؟! ، فقال : إنّي أعدّ مساويه عوناً على دمه .
وروى البخاري في التاريخ الكبير (4/2/104) عن أبي جمرة قال: لما بلغني تحريق البيت خرجت إلى مكة، واختلفت إلى ابن عباس حتى عرفني واستأنس بي فسببت الحجاج عند ابن عباس فقال لا تكن عونا للشيطان.
فهذه الحجج والنصوص الواضحة البينة في الباب، فليأتِ الفنيسان بحجة وبرهانه إن كان من الصادقين.
أما زعمه بأن السمع والطاعة ونصيحة السر وعدم الخروج خاص بالسلطان (والرئيس!) دون غيره! من النواب فهذا جهل ومغالطة لأبرز وأشهر وقائع التاريخ من عدم خروج السلف على (الحجاج بن يوسف) والصلاة خلفه، والسمع والطاعة له في المعروف، ولم يكن سلطاناً أكبر، وإنما هو نائب من النواب، والنائب والعامل للسلطان على بلد هو بمثابته ومكانته، ومتى حصل منه ظلم وجور إنما يرفع ظلمه لمن ولاه وأنابه، ولا يشهر به كما تقدم قريباً من قول ابن عباس رضي الله عنهما عن العباس.
وكان على الربذة نائباً لعثمان رضي الله عنه اسمه (مجاشع) وكان من رقيق الصدقة، وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: اسمع وأطع وإن كان عليك حبشي مجدع، فنزلت هذا الماء وعليه رقيق من رقيق مال الله، وعليهم حبشي- وليس بأجدع، وهو ما علمت، وأثنى عليه. من تاريخ الطبري (4 / 285).
ولما حضرت الصلاة أذَّن وأقام ثم قال: تقدم يا أبا ذر. قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً أسود. فتقدَّم فصلَّى خلفه.
أما زعمه بأن مقتل عثمان لم يكن بسبب الإنكار العلني فسبق كلام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، وقد نص على ذلك، وقبله كلام عبدالله بن عكيم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله وفعله يصدق هذا الأصل ولا يكذبه، وسماعه لنائب السلطان في دمشق، وعدم خروجه عليه، ولا نصيحته علانية، وصبره واحتسابه على السجن والأذية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الطائف 26 محرم 1434

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني