من المختارات لكم (66): محطات منحطات ... يا حاتم العوني
بسم الله
الرحمن الرحيم
(محطات منحطات ... يا دكتور
حاتم)
أئمة الدعوة
السلفية
كانوا
على الجادة القويمة، والمحجة المستقيمة
في
باب التكفير بين غلو الخوارج وانحراف المرجئة
قرأت ما كتبه الدكتور حاتم
العوني في ملحق الرسالة تحت عنوان (محطات الخداع والمكابرة) في عددها
الصادر يوم الجمعة 24 ذو القعدة 1435هـ ورأيتُ أنه في هذا المقال، وفي مقالات
سابقات، ومشاركات إعلامية قد جانب الصواب، وسلك جادة غير الجادة، وطرق باباً غير
الباب! واتهم دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى بالغلو في
التكفير، وأنها -ممثلة في كتاب "الدرر السنية"- هي منشأ الإرهاب، ومرجع
ما يراه اليوم من حركات تكفيرية خارجية كداعش وأشباهها.
وحاول حاتم العوني في
مقاله أن يُلصق التهمة بالتكفير إلى "الدرر السنية" باعتراف أنصار
الدعوة السلفية بذلك! وبيانهم أن الخلل لم يكن فيها وإنما في فهوم من نظر فيها ممن
قصر بهم العلم، وزعم أن هذا الاعتراف إنما كان بعد بيانه! بينما هو حقيقة في آخر
الركب! فأئمة الدعوة السلفية بينوا مسائل التكفير أتم البيان في "الدرر
السنية" وفي غيرها، وكانوا على الجادة
القويمة، والمحجة المستقيمة في باب التكفير بين غلو الخوارج وانحراف المرجئة،
وتهمة التكفير الملصقة بـ"الدرر السنية" والتي أكثر حاتم العوني من
(تكرار) الكلام عليها بلا فائدة ولا تحقيق لم يكن هو حامل لوائِها، بل هي فريةٌ
قديمة المدى من عصر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، فقد تكالب عليه خصومه، ووصفوه
بتكفير الناس، والخروج على جماعة المسلمين، واستباحة الدماء، وكلها أكاذيب لا
حقيقة لها في الواقع، فأذاب الله ذكر خصومه، وغابوا في غياهب التاريخ، وأعز الله
دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وأقام دولتها التي لا تزال ولله الحمد والمنة
مصانة مرفوعة الراية.
ولا يزال العوني يتكلم
بنقضِ وفتلِ الحبال، ونسج أحلام الخيال! بدعاوى لا صحة لها ولا برهان، ولم يسلك
المسلك العلمي في البحث والمقارنة، المبني على:
[1] تصوّر المسألة.
[2] ودقة النقل.
[3] ودقة الفهم للكلام.
[4] وسلامة العرض على
الكتاب والسنة وكلام العلماء.
ثم يخرج بنتيجة مؤهلة
للنظر والقبول!
ومن تتبع جميع انتقادات
العوني يجده مصاباً بخللٍ في إحدى تلك الأمور مما يسبب دائماً سوء النتيجة
والتحليل.
ومن ذلك
مسألة إعانة الكفار! فتكلم بكلامٍ عام لا برهان
له ولا دليل، ولا تحرير ولا تفصيل، وكلام أهل العلم في المسألة معلوم ومشهور في
مؤلفات العقيدة والأحكام، ويكفي إبطالاً لدعواه ما أفتى بها هيئة كبار العلماء في
المملكة أيام حرب الخليج والضربة العسكرية لدولة العراق، وما كتبوا في ذلك
اختصاراً ونشرا، وهم أبناء هذه الدعوة المباركة، والملازمون لـ"الدرر السنية" وما فيها، وما
خالفوها في حرف واحد.
ومثل ذلك
مسألة من شك في كفر الكافر! ينسج كلاماً لا دليل له
ولا برهان، ويهوّل به على الحق، والمسألة تكلم بها القاضي عياض وجماعة من قبل،
والكلام فيها ليس على إطلاقه لا عند أئمة الدعوة، ولا غيرهم من العلماء المحققين،
فالأمر موقوف على نوع الكفر، ففرق بين الكافر الأصلي، والكافر المرتد، والمرتد فرق
بين ما ردته محل اجماع واتفاق، وما هي محل خلاف ونظر، وكذلك الشاك فبين أحوال
الناس في الشك كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، فلماذا يتجه العوني
دائماً إلى العمومات والإطلاقات والتهم الملقاة من غير بينة ولا دليل ولا تفصيل؟
ومثل ذلك
مسألة العذر بالجهل، كرَّرها كثيراً في مقالات
متعددة في ملحق الرسالة وفي مواطن أخرى! والكلام فيها منشور ومعلوم، وأول من تكلم
فيها أبو حنيفة النعمان، والشافعي في الرسالة، وتبعه الخطيب البغدادي وابن جرير
الطبري وخلق كثير، وفصلوا القول فيما يعذر فيه بالجهل وما لا يعذر فيه بالجهل،
فلماذا يعود العوني كعادته إلى الإطلاقات الجائرة، ويحجب الحقائق، ففي الدرر
السنية كلام فيه تقرير العذر بالجهل في فروع مسائل التوحيد، وفيها عدم العذر
بالجهل في أصل التوحيد، فالجهل تارة يكون عذراً وتارة لا يكون عذرا، في شرح وتفصيل
يطول.
أما القول
بأن هناك من اعترف بأننا أخطأنا في التكفير! ومحله محل
اجتهاد، فهذا تزييف ومبالغة، وكتب العلماء ومقالاتهم مدونة وموجودة، ولا يوجد من
قال بهذا القول، ولا اتهم أحداً من أئمة الدعوة النجدية في الدرر السنية ولا في
غيرها بالخطأ في التكفير، فالتكفير أصل من أصول الإسلام، وشطر لا إله إلا الله،
وهو الكفر بالطاغوت والبراءة من أهله، وتحقيق العلم به من أصول العلم، وهم جلة
العلماء، وكبراؤهم، ومثلهم أبعد عن الزلل في مثل هذا الأصل المهم.
ويعود حاتم العوني إلى
الدندنة كعادته على اعتماد من نراهم اليوم من الخوارج على "الدرر السنية" وهذا اعتراض
هزيل لا تقوم به حجة من وجهين، سبق الجواب بهما أكثر من مرة، وهما:
الوجه
الأول: أن "الدرر السنية" لم تكن هي
المرجعية الأساسية عند القوم اليوم! بل مرجعيتهم الكتب المعروفة بتكفير الشعوب،
والحكومات والعلماء، ككتب سيد قطب وأمثاله، وتقريرات ابن لادن والظواهري والمقدسي
ومن على شاكلتهم، فبأي ديانة وأمانة جعلت مصدرهم في الفهم والنقل هو كتاب الدرر
السنية من بين مكتبة تضم مئات الكتب والعناوين؟
فإن كان بمجرد نقلهم،
فينقضه:
الوجه
الثاني: إن خرج هؤلاء بـ"الدرر السنية" فبماذا خرج
الخوارج الذين كانوا على عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم،
وحجتهم الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحب الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم!
إن الخلل ليس في "الدرر السنية" يا حاتم
العوني فلا تُتعب نفسك، وأجيبك بمقولتك في لقائك في برنامج المديفر في قناة "خليجية" حينما
قلت: (القضية مو قضية وجود التكفير، التكفير موجود
في كل المذاهب .. لكن الأهم من الذي طبق نتائج التكفير وسفك الدماء).
فالقضية يا دكتور حاتم،
ليست قضية وجود تكفير، القضية قضية قصور علم وفقه وفهم لما حرره العلماء، وإلا فـ"الدرر السنية" قرأها وأقرها،
علماء أكابر، وأهل غيرة على دين الله تعالى، وما خرجوا بمثل ما خرج به الخوارج
اليوم، وقد مات شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى ونحن نقرأ عليه الدرر السنية قبل
موته بأيام، فاتئد، وتكلم بعلم، وإلا فمن عبادات اللسان الشيء الكثير من التسبيح
والتحميد وتمجيد الله تعالى، والله يعينك على ما سيأتي من تعقبات! والله أعلم وصلى
الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
بدر بن علي بن
طامي العتيبي
الجمعة 24 ذو
القعدة 1435هـ
تعليقات
إرسال تعليق