من المختارات لكم (129): الثبات على الدين بين مشايخ الإسلام ومسوخ الإعلام


الثبات على الدين
بين مشايخ الإسلام و مسوخ الإعلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله                                  أما بعد:
فقد كثر عبر عددٍ من وسائل الإعلام: قلب الحقائق، ونسج الأكاذيب: واتهام الدعوة السلفية بالكثير من الانحرافات الفكرية!
فإن كانت عاقبتُهم (غلواً وإفراطا) قالوا: هي ثمرة السلفية!
وإن كانت (انحلالاً وتفريطا) قالوا: هي ردة فعل السلفية وتشددها!!
والسلفية منهم جميعاً بَراء، وما هي إلا جبلٌ يسقط من فوقه المتهوكون المتنطعون المتقلِّبون المغلُوبون المتهافتون، لم يَحتملوا ثباته، لما تحت أقدامهم من زَلَق الأهواء، ولم يقبلوا شموخه لمَّا تركوا النظر إلى وحي السماء، واتجهوا إلى ضلالات الأذلين، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 176 - 178]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»، فلا يغترّ المسلم العاقل بتهافت أولئك الأقماع عن الصراط المستقيم، ولا يصدقهم في زعمهم، فوالله ما ضلوا إلا بما كسبت أيديهم، ولا انحرفوا إلا بغلبة شقوتهم، ولا تناقضوا إلا بكبر في صدورهم وما هم ببالغيه، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146] وإلا فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى المبين، والحق المتين، وقال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
لقد تكرر النيل من الدعوة السلفية، وما ادخره علماؤها من المؤلفات العلمية، وحمَّلوها تبعات المنحرفين! وقد كتبت ولله الحمد- كثيراً في ذلك، فليراجع؛ ثم ليتأمل ها هنا طالب الحق المنصف أننا لو حصرنا أسماء أولئك المبطلين البطالين الذين عبثوا في طول إعلام العالم الإسلام وعرضه، سهّل لهم أعداء الإسلام الخروج في كلّ قناة، وكلّ حين، ليشككوا في ثوابت الدين، ويشوهوا محاسن الشريعة، ويسوقوا سبل الانحراف، ويزينوا ملل الضلالة والكفر، لكانوا كلّهم "قـــلـــةً" يستهجن مقالاتهم وعقائدهم العامة قبل الخاصة.
ولكن يبقى السؤال:
لماذا لم نجد من بين أسماء أولئك المبدلين:
محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبدالملك بن إبراهيم وعبدالله بن حميد، وعبدالرحمن بن قاسم، وعبداللطيف بن إبراهيم، وعبدالله بن حسن، وعمر بن حسن، وعبدالعزيز الشثري، ومحمد بن مانع، وعبدالعزيز بن مرشد، وحمود التويجري، وعبدالعزيز بن باز، وصالح بن غصون، ومحمد بن سبيل، وعبدالعزيز بن صالح، وعبدالله الخليفي، وعبدالله البسام، ومحمد بن عثيمين، وحماد الأنصاري، وإسماعيل الأنصاري، وعبدالرزاق عفيفي، وصالح البليهي، وعبدالله القرعاوي، وحافظ الحكمي، وعبدالله بن عقيل، وزيد المدخلي، وأحمد النجمي، وصالح الأطرم، وفهد الحمين، وصالح الخريصي،  ومحمد الصالح المطوع، وعبدالعزيز اليحيى، وصالح اللحيدان، وعبدالعزيز آل الشيخ، وصالح الفوزان، والخلق الكثير من علماء الدعوة السلفية، وهم زهاء ألف عالمٍ من علماء الحرمين ونجد والقصيم والجنوب والأحساء والديار الشمالية، وهم الذين تربوا على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى، ولم يُعرف عن واحدٍ منهم: أنه رأى الخروج على ولاة الأمور، أو نزع اليد من الطاعة، أو جنح إلى الغلو والتطرف، وإنما كانوا: أساطين العلم، وقدوة العالم، وهداة الأمة، وبطانة الأئمة، فكيف يُشَكَّكُ في دينٍ نشأ عليه أولئك الأئمة الأعلام وماتوا عليه، وبه وبهم تأسست هذه البلاد المباركة؟ حتى يأتي أولئك الأغمار الأصاغر بتزييفهم وافتراءاتهم ويلحقوا المسبة بدين الله الحق!
إن أولئك المنحرفين: إنما استزلهم الشيطان ببعض ذنوبهم، وأهلكم الهوى لضعف دينهم، لما ابتعدوا عن مسلك أولئك الأئمة، وجنحوا إلى القراءة في كتب المنحرفين عن السبيل، ولو كان وردهم ورد الأئمة قبلهم لنجوا، ولكنهم تعدد مشاربُهم، فاختلفت مذاهبُهم، وجاءوا للإسلام والمسلمين بكل بلاء، والله المستعان.
والناظر إلى أصولِ مذاهب أولئك المنحرفين عن السبيل: يجدهم قد تقلبوا من مقالة إلى مقالة، ومن مذهب إلى مذهب، و {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] وهذه علامة الخذلان والله المستعان، قال حذيفة رضي الله عنه: «الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف , وإياك والتلون في الدين»، وقال إبراهيم النخعي: «كانوا يرون التلون في الدين من شك القلوب في الله»، وقال الإمام مالك:  «الداء العضال التنقل في الدين».
ومن محّص أخبارَهم وكشف أسرارَهم: يجدهم أهل جدال وخصومة، وتيه بالنفس، وإعجاب بالرأي، وقد قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: «من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل».
ويجدهم: قد فُتنوا بكتب أهل الكلام، ومصنفات الحركيين الحزبيين من فرقة الإخوان المفلسين، أو مؤلفات أهل التطرف والغلو، وقد قال سفيان الثوري ومحمد بن النضر الحارثي: «من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة , ووكل إلى نفسه».
فالثبات الثبات على دين الله تعالى، وعدم الاغترار بأولئك القوم؛ فإنما هم من سقط المتاع، وأما الأئمة الأعلام، ومشايخ الإسلام؛ فهم كانوا ولا يزالون- على فقه وسنة وثبات وعقل وأدب وسمعٍ وطاعة، {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
تنبيه:
ومما يجدر التنبيه عليه: أن عامة من يخرج في تلك البرامج يحاول جاهداً إلصاق معرّة انحرافه بالسلفية كمنهج، وبأئمة أهل السنة والجماعة كأفراد، فيوهم الناظر بأن منشأ الخلل إنما هو من ذلك المنهج، ومن أولئك الأفراد، بل ربما صرّح منهم مصرّح بأنّ سبب غيِّ اللاحقين: التشدد في دين السالفين!
ومن تأمل يجدّ أن عامة الغالين في الانحراف بشتى صنوفهم وتوجهاتهم من الليبراليين والتكفيريين والإخوانيين! بل حتى من تجاوز إلى ملة الإلحاد: يُقحم السلفية والسلفيين في تاريخ تقلباته! إيهاماً بأنها وأنهم السبب فيما تمخض به قلبُه من دينٍ بعد ذلك!
ولم يكن ثمّ تشدد إلا عند أئمة الضلالة، ورؤوس الحزبيين، ورموز التكفيريين، الذين ربوا الشباب على مناكفة الحكَّام، ونشر معايبهم، والفرح بمثالبِهم، ودعم الثورات، وتأييد المظاهرات، وإهمالِ العلم الشرعي، والغلو في الحاكمية والخوض في السياسة، وتقريب أهل البدع، ودعم الفرق الضالة، والتهاون بالعلم والسنن، وكل ذلك لم يكن ولا يكون في المنهج السلفي، ولا في أئمة أهله كالشيخ عبدالعزيز بن باز والعثيمين والفوزان وغيرهم.
ولا يبعد أن يقال: أن هذا شيءٌ يُراد، ومكرٌ كبّار، من أقوامٍ يريدون صرف المذمّة عن الفرق المنحرفة، وإلصاق التهمة بالحق وأهله، وما علموا بأن {اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38] ، وأن الزبد عاقبته الزوال، والثبات لا يكون إلا للحق، وهذه سنة الله في خلقه، كما {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17] وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
ليلة 21 رمضان 1440هـ

تعليقات

  1. ليت المقال ينشر في جريدة ياشيخ حتى تكون الإستفادة أعم

    ردحذف
  2. نفع الله بك الإسلام والمسلمين ووفقكم لما فيه خير البلاد والعباد ورد الله كيد الخائنين والخوارج وأذناب الماسونية في نحورهم وكفى الله أهل السنة والجماعة شرورهم غي كل زمان ومكان.

    ردحذف
  3. جزاك الله خيراً شيخنا دكتور بدر العتيبي نفع الله بكم الإسلام والمسلمين

    ردحذف
  4. لا ادري ما دخل من سماهم الحركيبن..بالموضوع.. ومعروف من تكلم في السلفية وطعن فيها ام انه العزف على الوتر الذي يرضى الحاكم.. ثم ماحكم التنابز بالالقاب يامن تدعي السلفية وانت تخالف نصوص الكتاب الصريحة.. وتستبيح عرض فئة من المسلمين ظلما وعدوانا. .عليك وعلى كل طاغية وباغ ستدور الدوائر..

    ردحذف
  5. ‏ألقِ نظرة على تغريدة ‎@DrDimashqiah: https://twitter.com/DrDimashqiah/status/1133165550388076544?s=09

    ردحذف
  6. جزاك الله كل خير ووفقك الله لطاعته ونفع الله بك الإسلام والمسلمين

    ردحذف
  7. الحركيين مثل عائض القرني بخروجه في برنامج وتبرئه من الصحوة بأسلوب يشوش على العامة وكأنه تبرئ من كل التمسك بالدين وليس من منهجه السروري المنحرف

    ردحذف
  8. جزاك الله خير يابو عبدالرحمن دائما وانت تنافح عن السنة فسأل الله ان يحرم وجهك ووالديك عن النار

    ردحذف
  9. جزاك الله خيرا شيخ بدر وبيض الله وجهك يا ابو عبدالرحمن والله يرفع قدرك لقد أتعبت كثيرا من أدعياء السلفية وذبحت أهل البدع والضلال

    ردحذف
  10. شيخ بدر أشهد الله وجميع خلقه على حبك في الله وحبي هذا ليس من اجلك شخصيا بل لما معك من الحق الذي اسال الله ان يثبتك عليه الا وهو منهج السلفية الحقة نحسبك كذلك والله حسابك ربي يحفظك ويسعدك يارب العالمين

    ردحذف
  11. لافض فوك وبارك الله فيك وسددك وثبتك

    ردحذف
  12. جزاك الله خير يا شيخ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني