من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

الرد على دعدوش

وكلامه عن صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد وقفتُ على مادةٍ مرئيةٍ للمدعو أحمد دعدوش بعنوان «صراع نجد والحجاز؛ من يحق له امتلاك الحرمين الشريفين» وقد احتوى مضمون كلامه على مغالطات عديدة، تكشف الخلفيات الخفية في جوف الرجل، وشدة ميله ضد الدعوة السلفية أولاً، والدولة السعودية ثانيا، وما وراء ذلك من انحرافات أخرى على عدد من الدول!

واللقاء مدته ساعة كاملة، وفيه العديد من المغالطات، ولكن أكتفي بالإشارة إلى بعض هذه المغالطات معلقاً عليها بإيجاز، إذ المراد هو مجرد الإشارة إلى موطن الخلل، وأما تفصيل الرد على كلِّ مغالطاته، فلن يعدم الوصول إليها من كان الحق طلبه وغايته في أشهر ما كتب عن الدولة السعودية، والدعوة السلفية في الجزيرة العربية، وعليه فأقول:

[1] جاء في أول كلامه أن اسم الخلافة لا يطلق إلا على الخلافة الراشدة، وما عداه فمُلْكٌ، وهذا حصرٌ غير شرعي، فكل من تولى على المسلمين بولاية شرعية صحيحة يجتمع عليها الناس سواء كانت باستخلافٍ أو بالشورى أو بالغلبة فهي خلافةٌ إسلامية، وكل حاكم مسلمٍ يلي أمر المسلمين في بلد من بلدانهم فهو الخليفة عليهم.

[2] مع اعترافه بتفكك الدولة العثمانية وضعف آخرها، بل وانحراف أديان قادتها المتأخرين وأماناتهم، وأنهم صاروا مجرد أدوات للماسونية، إلا أنه يبالغ في تعظيم أصل الدولة، وأنها حامية بيضة الإسلام، ومن سبر التاريخ، وجمع ما تفرق في شعابه سيعلم مبلغ الضرر الذي حصل للمسلمين من الدولة العثمانية، وكلما تأخر بها الزمان زاد شرها وانحرافها عن السبيل.

[3] تكلم عن حياة البادية في نجد، وأنها قائمة على المغالبة! وأن ما ينهبونه يرونه من المباحات، وهذا كلام لا نظام له، فليس هذا الأمر خاصاً بجنس من البشر دون غيرهم، وإنما هو وصف لحال كل البشر عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم، باديتهم وحاضرتهم حينما ينعدم الأمن، وتسقط السلطة، وبلد المتكلم وأظنها سوريا- أوضح مثال على انعدام الأمن، وكيف صار الضعيف والقليل مستباح الدم والمال للقوي والكثير.

[4] زعم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرى أن دعوته تفتقر للسلطة! ولذلك تعاهد مع محمد بن سعود، ثم استغل البادية التي نشأت على المغالبة كي تقوم بالقتال تحت غطاء الدين، وهذا كله كذب، والشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يطلب النصرة من إمام، بل هو يقوم بالدعوة إلى دين الله تعالى، ونشر الخير، وإنكار الشرك والبدع، قبل أن يناصره أحد من الولاة، ولما رغب ابن معمر حاكم العيينة من الإمام الخروج منها خرج، وذهب إلى الدرعية عند محمد بن سعود، ولم يقصده أو يطلب منه النصرة ابتداءً حتى جاءه الإمام محمد بن سعود بنفسه إليه، وحصل ما حصل بينهما من اتفاق على نصرة دين الله تعالى.

[5] زعم كما زعم كل قليلي الديانة والأمانة- أن دعوة الإمام وجيوش الدولة السعودية قائمة على تكفير أهل الأرض كافة! وأنه لا مسلم في الأرض إلا هم! وهذه كذبة يشهد بإسقاطها الواقع مع صريح كلام الإمام محمد وأئمة الدعوة أنها فرية صلعاء لا يصدقها إلا قليل الديانة والأمانة.

[6] كما زعم أن الإمام محمد بن عبدالوهاب فيما نقله من رسالة سليمان بن عبدالوهاب التي رجع عنها- أن الإمام محمد وأنصاره يوجبون الهجرة إليهم، وهذا مما صرح الإمام بتكذيبه في مواطن عديدة، يضيق المقام عن نقله هنا، وقد ذكرت أكثر هذه الفرى في مواطن عديدة.

[7] نقل دعدوش كلام ابن عابدين والصاوي في الدعوة الوهابية! وأنهم خوارج، ولا حجة فيما نقل، ولا قيمة له، فهما ممن سلك مسلك الغواة عن السبيل، ولو لم يكن من ذلك إلا الاتهام بالباطل، والحكم بالظنة، وتصديق نقولات الفساق لكان هذا كافيا في عيبهما وذمهما، كيف وهما ممن انحرفا عن السبيل في عقائدهم.

[8] نقل مواطن عدة من كلام صاحب "عنوان المجد" في وصفه للحروب التي وقعت في عهد الإمام محمد بن عبدالوهاب والتنصيص على أن الجيش: جيش المسلمين، فيقال: نعم، هم جيش المسلمين ضد من حاربهم دفاعاً عن الشرك، وحرباً للتوحيد، حيث أنهم لم يقاتلوا كل من سار على أرض الله تعالى، وإنما من استجاب لدعوتهم قبلوه، وعدوه منهم، وهم منه، ومن بغى عليهم، وأراد أن يستحل منهم ما حرم الله تديناً أو حسدا أو ظلما وبغياً دفعوه بالمثل، ومن عارض دعوة التوحيد وناصر الشرك حاربوه، ولم يعاملوا أحداً معاملة المشرك إلا من حمل السلاح دفاعاً عن الشرك وحربا للتوحيد، وأما من لم يحمل السلاح فلم يثبت أنهم استحلوا أموال أحد من الناس، ولا استرقوا امرأة ولا طفلا.

[9] ذكر المحمل المصري في موطنين من كلامه، وزعم أن الوهابيين يرون أن المحمل المصري كفر! وهذا كذب، وغاية حال المحمل المصري في أول الأمر وآخره إنكار ما يصحبه من منكرات وشرور، والكفر ليس في مجرد حمل كسوة الكعبة وتشييعها من مصر إلى البلد الحرام، وإنما هو فيما قد يصحب المحمل من البدع الشركية، وفرق بين الحالين.

[10] انتقل دعدوش في الكلام إلى الدولة السعودية الثالثة، وذكر أن جيش الملك عبدالعزيز يسمون بـ«إخوان من أطاع الله» وذكر بأن المراد بـ«أطاع الله» عبدالعزيز، وهذا تخرص وجهل، وإلا فالمراد بذلك شعار لهم بأنهم في طاعة الله إخوة، واجتماعهم في الله، وأن كل من يطيع الله فهو أخ لهم.

[11] ذكر بأن هؤلاء الإخوان يقدَّمون الطاعة المطلقة للحاكم! وشبههم نابزاً- بالسلفيين اليوم ومن سماهم بـ«الجامية والمدخلية» وكذب في كلّ حال، ولا يقال مسلم ولا من لديه أدنى ديانة بالطاعة المطلقة لأحد من سائر الناس، وإنما الطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

[12] ذكر دعدوش «الهِجَر» في عهد الملك عبدالعزيز، وأن سبب إنشائها مستأنساً بكلام أحمد عسة!- هو الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وكذب هو وذاك، وكل من يقول ذلك، وإنما هي «هِجر» كي تكون مواطن لتوطين البادية الذي لم يكونوا يستوطنون أرضاً دون أرض، وإنما كانوا يتنقلون في ربوع قبائلهم، ومواقع نزول المطر فيغلب عليهم الجهل، وعدم حضور الجمع والجماعات، فاقترح الملك عبدالعزيز أن يوطن أكثر القبائل انتشاراً وبدواً ممن ليس لهم حاضرة يلتحقون بهم في هجر تضم شعثهم حتى يتعلموا الدين.

[13] من لطيف ما ذكره دعدوش في فلتات لسانه -ولعل هذه منه رسالة لكثير من الحمقى- قوله عن الانجليز أنهم لا يصدقون في تحالفاتهم، وأنه لا يحالفهم إلا الخونة.

[14] ذكر الصراع السياسي بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين، وما حصل منهما من مراسلات مع الانجليز، وتكلم بما مضمونه تخوين الملك عبدالعزيز، ونقل بعض ما هو مقروء ومشاهد عن بعض من يكتب الغث والسمين، والصدق والكذب كسيمون روس وغيرهم، وما جرى من لقاءات مع بيرسي كوكس وفيلبي وغيرهم، ولو كان يعلم أن السياسة «خدعة» وأن ما ذكره وما آل إليه الأمر للملك عبدالعزيز يدله على حنكته ودهائه، وبعد نظره، وحسن سياسيته لما قال هذا الكلام، وكيف استطاع الملك عبدالعزيز في زمن تلتهب فيه الكرة الأرضية من الحرب العالمية، وعدم الاستقرار، والتنافس فيما سموه «الاستعمار» يخرج هذه الرجل المحنك بدولةٍ تعادل في مساحتها ثلاثة أضعاف دولة الانجليز! ثم تتقدم عاما بعد عام حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم، أعزها الله وصانها.

[15] ويتبع هذا ما دندن حوله من زعم أن السعودية تابعة بل مستعمرة بل موظفة عند الانجليز وتحقق مطالبها! وما نقله عن الأمير طلال بن عبدالعزيز، وما ذكره صاحب كتاب "الكويت وجاراتها" بأن الملك عبدالعزيز كان يصرف له راتب! والملك عبدالعزيز إنما أخذ ما أخذ من سياسته في التعامل مع الدولة المستبدة في ذلك الحين، والتي لها نفوذ في أكثر العالم، حتى لا يفسد مشروعه الديني السياسي، وإحياء ما اختفت رسومه من ملك آبائه وأجداده، وإلا فالانجليز قبل البترول- لم يكن لهم مطمع في نجد، ولا اهتمام به، وما ضرّ موسى عليه السلام أن صنعه الله على عينه في قصر عدو الله وعدوه فرعون، حتى سلّطه الله تعالى عليه، وأعلى الله موسى وأغرق فرعون.

[16] تضمن كلام دعدوش خلطاً تاريخيا في مسألة بداية القتال بين جيش الملك عبدالعزيز وجيش الشريف، والدافع له، ورفع عقيرته بما نقله بعض المؤرخين في «هجوم الطائف» مائلاً إلى قول من بالغ في وصف الحال، مع أن وقوع الحرب ثابت، ولكن بعض المؤرخين المخالفين بالغ في الوصف إلى أشنع ما يخطر بالبال مما لا يظن بمسلم يشهد بالشهادتين أن يفعله مع كافر بله أن يكون مسلماً من المسلمين.

ولو كان القتل والدمار هو مراد جيش الملك عبدالعزيز لما سلم منه أهل مكة ولا أهل جدة ولا أهل المدينة! كيف وهم قد دخلوا مكة ولم تطلق رصاصة واحدة! بل هدموا شعائر الشرك التي كانت منتشرة فيها وإن سمى دعدوش ذلك «تدميرا» ولا ضير، ثم وراء دخول مكة حصار جدة كان حصار «تسليم وطلب استسلام واحترام شفاعات الدول الإسلامية» لا حصار عجز عن دخولها، ولما ولاهم الله تعالى على الحجاز حفظوا لكل من كان فيها مكانتهم، ومناصبهم الدينية والدنيوية.

[17] نقل دعدوش من بعض البرامج التي نشرتها قناة العربية قول سيمون روس بأنه لولا الانجليز لكانت السعودية والدعوة الوهابية في هامش التاريخ، وفرح بهذا الكلام دعدوش، وقال عنه: «نقطة مهمة!!» وما جاء بشيء، وكلام سيمون لا قيمة له، والدعوة الوهابية ودولتهم في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية وهي الأكبر- لم يكن لهم علاقة بالانجليز، وقد أعلاهم الله على سنام التاريخ حينذاك، فأين كان الانجليز؟ ومجرد شراء السلاح منهم، أو حتى قبوله منهم بغير شراء لمقاصد يريدها الانجليز لأنفسهم، لا لوم فيه ولا تثريب، فالسياسة خدعة، والعبرة بالمنتصر الأخير.

[18] تكلم دعدوش عن الملك عبدالعزيز وشكك في ديانته وأمانته، ووصفه بأنه كان «مصلحياً براقماتيا وربما علمانيا» وكذب، بل كان مسلماً على توحيد وسنة، وكلامه لأعدائه أصرح في ذلك من كلامه لأتباعه وأنصاره، وكما أن دعدوش أطلق نظره في كلام بعض الكتاب الغربيين وما فيه من تزييف ومبالغة، ليته رجع إلى ما هو موثق بالصوت والخط من كلام الملك عبدالعزيز مما يدل على ديانته وأمانته.

[19] ذكر دعدوش أن الملك عبدالعزيز عاهد ونقض عهده في موضوع ولاية الحجاز، وأنها لن تكون له، وكل ذلك على فرض ثبوته- خاضع لمصلحة الحرمين ومن هو أولى بولايتها بشرع الله من بين حكام الدول الإسلامية، ولم يكن هناك من هو أولى بها منه، ولو تولاها غيره لعادت مكة إلى ما كانت عليه قبل حكم الدولة السعودية من انتشار مظاهر الشرك والفسق وغياب الأمن على الحجاج.

[20] ذكر توحيد المملكة العربية السعودية تحت مسماها الحالي، ودندن حول مسألة «النسبة» وكيف أن الشعب ينسبون إلى الأسرة المالكة! وهذا من جهله وجهل كل من قال ذلك، فليست النسبة للأسرة المالكة، ولكن النسبة للبقعة الجغرافية التي صارت تحت حكم آل سعود، سميت باسمهم، فنحن وإياهم «سعوديون» نسبة إلى تلك البقعة الجغرافية كما أن كثيراً من الدول والمدن في العالم سميت بأسماء أشخاص وهم اليوم ينسبون إليها لا إلى الأشخاص، فتنبه.

[21] زعم دعدوش أن الملك عبدالعزيز تبرأ من الإخوان «إخوان من أطاع الله» وهذا غير صحيح، وإنما هم جيشه وإخوانه، ويعرف لهم فضلهم، وإنما قاتل من خرج منهم عن طاعته، وحتى مع خروج من خرج عن طاعته لما مكنه الله منهم، لم ينس فضلهم ومكانتهم بعد أن عاقب من عاقب، وصفح عمن صفح.

[22]  زعم دعدوش أن عقيدة داعش، ومنهج جهيمان هو ما عليه الدعوة الوهابية، وهذه شنشنة تافهة، وإلا فأكابر علماء الدعوة الوهابية في زمن جهيمان، وفي زمن داعش بل وفي زمن من بغى من «إخوان من أطاع الله» كلهم كانوا ضد هذه الطوائف وأعمالهم، ولو كلّف دعدوش نفسه في محركات البحث فلن يجد من مشرق العالم الإسلامي إلى غربه من العلماء من تكلم عن الخوارج و«الإرهاب» وداعش وتنظيم القاعدة أكثر ولا أوضح ولا أقوى من علماء الدعوة الوهابية كما يسمون-.

[23] ختم دعدوش لقائه بأحلام اليقظة! وله أن يحلم فما هي إلا أضغاث أحلام! بحال الجزيرة العربية فيما لو تولى الشريف حسين على نجد والحجاز، وكيف ستكون عقائد الناس، ومذاهبهم الفقهية، وأين سيكون مذهب الحنابلة، ومقالات شيخ الإسلام ابن تيمية، والدعوة الوهابية! وهذا كله من همط الكلام الذي لا قيمة له، والدين دين الله تعالى، ليس مفتقرا للحنابلة ولا لابن تيمية ولا لمحمد بن عبدالوهاب، وهو سيبلغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز وبذل ذليل، ودعوة شيخ الإسلام ابن تيمية منتشرة عزيزة منيعة قبل ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، ويعترف به ويجله وينقل عنه أهل العدل والانصاف من كافة المذاهب، ومذهب الحنابلة كغيره من المذاهب الفقهية المنتشرة في العالم الإسلامي، وفي كلّ قطر لهم من يفتي بمذهبهم، ويقضي بقضائهم، ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب انتشرت في العالم الإسلامي كله بقوة الحق لا بقوة أحدٍ من الناس، ومن تلك البقاع بقاع تحارب دعوة التوحيد من رأس الهرم إلى أدنى منازلهم، ومع ذلك انتشرت الدعوة ولله الحمد والمنة.

وآخراً:

الحَرَمان يُملكان ملك خدمة لهما، لا ملك تسلط وجبروت، ومن فضيلة حكام المملكة العربية السعودية أن اختاروا لأنفسهم وصف خدمة الحرمين، فيوصف الملك بأنه «خادم الحرمين الشريفين» إظهارا لحقيقة الحال والموقف من ذلك وهو خدمة بيت الله ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يرد إليهما من المسلمين.

في الختام:

هذه وقفات سريعة كتبتها حول كلام أحمد دعدوش على شغل في الحال والبال بما هو أهم منه، ولكن لكي لا يظن الجاهل من الناس أن كلامه حق، كتبت هذه الأسطر للتنبيه على ما في كلامه من مخالفات ومغالطات، والله ولي التوفيق.

كتبه

بدر بن علي بن طامي العتيبي

الاثنين 8 رمضان 1445


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني