من المختارات لكم (25): الخلط في المقالات ناتج عن الخلط في المفاهيم

الخلط في المقالات ناتج عن الخلط في المفاهيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قرأت تعقيب الكاتب محمد آل الشيخ على شيخنا الفوزان حول فتواه في المسعى، وما كتبه فضيلة الدكتور فهد بن سليمان الفهيد من تعقيب، ومن ثمّ تعقيب الكاتب محمد آل الشيخ على مقاله، ومحبة منّي للمشاركة في الموضوع أقول:
خلاصة القول أن الكاتب تعقب شيخي العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى فيما ينشر من فتاويه حول المسعى الجديد، وحاول الكاتب أن يلزم الشيخ أن هذا الصنيع يعد اختراقاً لأدب النصيحة مع السلطان، وأن هذا يناقض ما يقرره شيخنا من قبل، وما قرره العلماء قبله من وجوب نصيحة السلطان بالسر لا بالعلانية.
وبغض النظر عن بعض شوارد اللسان، وما لا يليق أن يقابل به شيخنا الفوزان على لسان الكاتب وفقه الله أقول لي عدة وقفات:
الوقفة الأولى: إذا كان الكاتب يعتقد أن مناصحة ولي الأمر يجب أن تكون سرية فالشيخ الفوزان عند العلماء هو من ولاة الأمر، لقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }(النساء:59)، وقد قال أهل العلم بالتفسير أن ولاة الأمر في الآية هم السلاطين والعلماء، يرجع الناس إليهم في شؤون دينه ودنياه، وكما أنه محتاج إلى طبيب يعالج بدنه إذا مرض، فكذلك هو بحاجة إلى العلماء في القضاء والإفتاء، فالأدب معهم أولى، فيا ليته التزم بهذا الأصل.
الوقفة الثانية: أن الكاتب خلط بين ما يتحتم فيه السرية وما لا يتحتم، فشيخنا الفوزان أعلن الكلام عن أمرٍ يرى أنه منكر، وخطابه كان متجهاً للنصوص الشرعية نظراً واستدلالاً ونقضاً لحجج المخالف، ولم يكن نظره للسلطان أمراً وقضاءً، ومثل هذا لا يتطلب من السرية شيئاً، كما كان العلماء يتكلمون في كثير من المنكرات، والمعاملات المخالفة الواقعة تحت سقف الدولة من حيث النظر والاستدلال، وأما من حيث إقرار السلطان وأمره، فمناصحتهم له سرية لا علنية، وهذا سبيل أهل السنة.
والكاتب خالف هذا الأصل، فلو ناقش مسألة توسعة المسعى نظراً واستدلالاً لكانت حجته تقابل بحجة، والجدال سجال!، ولكنه خاطب شيخنا الفوزان بما لا يليق وألزمه بما ليس هو بلازم له من أنه خرج عن أدب النصيحة، وخالف أصلاً من أصول اعتقاد أهل السنة من عدم التحريض على السلطان، وهذا مخالف للواقع.
الوقفة الثالثة: أن ما أنكره العلماء من "مذكرة النصيحة" مباين تماماً لما يقرره شيخنا الفوزان في فتاويه، فما أنكره العلماء من "مذكرة النصيحة" إنما هو من أربع جهات:
الأولى: أنها خطاب للسلطان وليست لعموم الناس، ولو كانت لعموم الناس لأُقرّت كما تقر مؤلفات العلماء القاضية بتحريم الربا والغناء والزنى وأكل أموال الناس بالباطل.
الثانية: أنها متضمنة ما ليس بمنكر أصلاً.
الثالثة: أن فيها بعض الأكاذيب المفتراة على العلماء والدولة.
الرابعة: أنها نشرت و وزعت بقصد التحريض على الدولة والعلماء.
فلهذين السببين أنكرها العلماء والعقلاء، ولو كانت مذكرتهم لتحذير الناس من المحرمات ولو كانت مشاعة مذاعة وتتبناها مؤسسات حكومية لما كان فيها غضاضة.
الوقفة الرابعة: نعلم أن الشيخ الفوزان موظف، والقاضي موظف، بل والحاكم موظف يرعى مصالح المسلمين، وكلهم يأخذ مقابل عمله أجراً أحله الله تعالى له، ولكن الشيخ الفوزان وظيفته لا كوظيفة غيره من الناس، وهو بمقام ولاة الأمر منزلة ومكانة، وفي قربه منهم، حاجتهم له منفعة عظيمة لا يستغنى عنها، وإن رعى الله تعالى بالسلطان حاجة الدنيا، فإن الله تعالى يرعى بالشيخ الفوزان وإخوانه العلماء حاجة الدين، وبهما الغنية والكفاية، وما سواهما فضل!، وعليه فالعلماء لهم منزلة عظيمة إذ رفعهم الله تعالى، ولئن كان الصحفي يتكلم بلسان الأدب والاحترام مع روّاد الصحافة، وكتّاب المقالات، فالعلماء أولى وأولى بكثير.
الوقفة الخامسة: فرق الأخ الكاتب بين علاقة الشيخ الفوزان بالدولة، وعلاقة الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية بالدولة، وقال بنص كلامه: (ابن حنبل وابن تيمية لا يرتبطان بأي شكل من الأشكال بالسلطان)، وهذا غير صحيح، بل ارتباطهم بولاة الأمر في وقتهم عظيم، ولو لم يكن إلا  السمع والطاعة في المعروف، والنصح لهم لكان فيه أكبر ارتباط، كيف وإليهم المرجع في القضاء والإفتاء تحت ولايتهم، وكذلك شيخنا الفوزان، وقول الكاتب عن العلماء في هيئة كبار العلماء بأنهم (موظفون عند ولي الأمر، يأتمرون بأمره، ويستمدون (صلاحياتهم) منه في ممارسة وظائفهم، ويتقاضون رواتبهم) وفيه ما فيه!، ومع ذلك فهذا لا ينقص قدرهم، و وظيفتهم عند ولي الأمر لحاجته لهم لا لحاجتهم إليه كسائر الموظفين!، لأن الدولة لما قامت في أول قيامها ما قامت إلا بتسخير الله تعالى لها قوة السلطان وبيان العالم، وانضمام هؤلاء العلماء لنظام الدولة لا يعني أنهم يتكلمون بغير الحق أو تردهم (الصلاحيات) عن قوله، كما أن عدم انضمام الإمام أحمد وابن تيمية إلى وظيفة الوالي لا يعني أنهم يتلمظون على السلطان ويخرجون عن أمره، وهذا أمرٌ لا يعرفه إلا من عرف سير الأئمة وديانتهم.
 الوقفة السادسة: للكاتب حق الرد على من شاء، فكل الناس رادٌ ومردود عليه، ولكن في باب الحلال والحرام، والمشروع والممنوع لا يكون إلا بالرد العلمي المبني على نصوص الشريعة، وقواعد الاستدلال، وهذا لا يكون إلا ممن قامت به الأهلية، وكان من أهل الفقه والاستنباط، وكلٌ يتكلم في فنّه، ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!، فمرحبا بالكاتب في ميدان نظار العلم ولكن بشرطه عند أهل العلم، وإلا فليشتغل بوظيفته الصحفية، ويناقش القضايا العادية المناسبة له، فلعل الله أن ينفع به، والله ولي التوفيق.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية
عضو الجمعية العلمية لخدمة السنة وعلومها

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني