من المختارات لكم (49): حث الطالب الرشيد إلى الاهتمام بكتاب التوحيد

حث الطالب الرشيد
إلى الاهتمام بكتاب التوحيد
لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي طالب العلم؛ حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة داره ومثواه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
اعلم أرشدك الله لطاعته أن أول ما يجب على المكلف هو معرفة الله تعالى بالتوحيد، والكفر بالطاغوت، قال الله تعالى في أول أمرٍ في القرآن الكريم: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {البقرة:21} ، وقال تعالى: [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ] {البيِّنة:5} ، ولئن بين الله تعالى في كتابه الكريم دقائق الأحكام، ومحاسن الأخلاق، فإن التوحيد هو العلامة الكاشفة، والغاية المطردة في القرآن الكريم من أوله إلى آخره، فما أُنزل القرآن إلا من أجل تحقيقه ورعايته، كما قال تعالى: [الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ] {هود:1-2} ، وذلك لأنه غاية خلق الخلق كما قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] {الذاريات:56} ، وغاية بعثة الرسل كما قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] {الأنبياء:25}.
لهذه الدلائل على الأهمية كان الجدير بك تعلّمه ورعايته في كلّ حين، وقد قال تعالى لنبيه محمدٍ r [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ] {محمد:19} وهذا بعد بعثته r ببضع عشرة سنة، وبيّن r أنه رأس الأمر، فقال r: «رأس الأمر الإسلام» ومراده التوحيد.
فنحن بحاجة إلى لا إله إلا الله أكثر من حاجتنا للطعام والشراب والهواء، كما روى أبو نعيم في "الحلية" (7 / 272) عن سفيان بن عيينة أنه قال: «لا إله إلا الله في الآخرة بمنزلة الماء في الدنيا لا يحيي شيء في الدنيا إلا على الماء قال الله تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ] {الأنبياء:30}  فلا إله إلا الله بمنزلة الماء في الدنيا، من لم تكن معه لا إله إلا الله فهو ميت، ومن كانت معه لا إله إلا الله فهو حي».
وقال: «ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله فان لا إله إلا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا».
وربنا عز وجلّ أعلى كما قال تعالى: [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى] {الأعلى:1} ، وكذلك العلم المتعلق به سبحانه وتعالى هو أعلى العلوم، وهو علم التوحيد، فلا يُقدم عليه غيرُه.
وكيف لا نحرص عليه وهو أكبر مبتغى إبليس منا ليصرفنا عنه؟! فهو صراط الله المستقيم، وقد قال إبليس اللعين: [قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ] {الأعراف:16} ، والخلل فيه سبب كلِّ شرٍّ، ومنتهى كلِّ بلية، وغاية ذلك الكفر بالله تعالى، ولا يخفى على كريم علمك أن الشرك بالله تعالى أبشع الظلم وأقبحه، كما قال تعالى على لسان لقمان: [وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] {لقمان:13} ، ولهذا كان ذنباً لا يغفره الله تعالى من بين سائر الذنوب كما قال تعالى: [إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا] {النساء:48} ، وأوجب لمن وقع فيه النارَ وحرّم عليه دخول الجنة، كما قال تعالى: [إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ] {المائدة:72} وأحبط عمل صاحبه كما قال تعالى: [وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {المائدة:5} .
فكلّ هذا يحملك على الخوف من الشرك باجتنابه ورعاية جناب التوحيد، كما قال إبراهيم عليه السلام: [وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ] {إبراهيم:35-36} وكان نبينا r يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ، وحكى الله تعالى في دعاء الصديقين: [رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ] {آل عمران:8} .
وروى أبو نعيم في أخبار أصبهان (9/443) عن مجيب بن موسى الأصبهاني ، قال: كنت عديل سفيان الثوري إلى مكة، فكان يكثر البكاء، فقلت له: يا أبا عبد الله؛ بكاؤك هذا خوفاً من الذنوب؟ قال: فأخذ عودا من المحمل فرمى به وقال : «لذنوبي أهون علي من هذا ، ولكني أخاف أن أسلب التوحيد».
وأنشد ابن القيم في "النونية":
واللهِ مَا أخْشَى الذُّنُوبَ فإنِّهَا 
لَكنَّمَا أخْشَى انْسِـلاخَ القَــــــلْبِ مِنْ

لَعَلَى طَرِيقِ العَفْوِ والغُفْرَانِ
تَحْكِيمِ هَــذا الشَّـــرْعِ والـقُـــــــرآنِ
فكل هذا يزيد من اهتمامك أخي طالب العلم بالتوحيد تعلماً ورعاية، وإن من أجلِّ الكتب المصنفة في بيان ما أوجب الله تعالى على العبيد من التوحيد "كتاب التوحيد" تصنيف الإمام شيخ الإسلام وخاتمة الأعلام محمد بن عبدالوهاب (1115-1206) رحمه الله تعالى، فقد أجاد في تصنيفه وترتيبه وتهذيبه، وأحكم سبك أدلته، وترتيب أبوابه واستخراج مسائل كلّ باب، حتى أشاد بمكانته وجلالته جلة العلماء والفضلاء.
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين: «وكتاب التوحيد الذي لم يسبق إلى مثله أحد، فلو أن بعض العلماء الراسخين رام أن يجمع ما أودعه شيخنا في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار والصحاح والسنن و المسانيد وغيرها لأعجزه مع حسن الاستدلال والتراجم» (الدرر السنية: 9/347 ).
وقال الشيخ المؤرخ ابن غنام: «ما وضع المصنفون في فنه أحسن منه ، فإنه أحسن فيه وأجاد ، وبلغ الغاية والمراد» (تاريخ عنوان المجد: 2/92).
وقال شيخ مشايخنا الشيخ سليمان بن حمدان في شرحه الفريد " الدر النضيد ": «كتاب بديع الوضع، عظيم النفع لم أر من سبقه إلى أمثاله أو نسج في تأليفه على منواله، فكل باب منه قاعدة من القواعد ينبني عليها كثير من الفوائد، وأكثر أهل زمانه قد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر، واعتقدوه دينا فلا يتاب منه ولا يستغفر، فألفه عن خبرة ومشاهدة للواقع، فكان لذاك الداء كالدواء النافع» (الدر النضيد : 5).
وقال رحمه الله أيضاً عن مسائل كتاب التوحيد: «تتضمن علوماً جمة ، وفوائد مهمة».
وقال شيخ مشايخنا العلامة الفقيه عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله في "حاشية كتاب التوحيد" : «فإن "كتاب التوحيد" الذي ألفه شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب أجزل الله الأجر والثواب ليس له نظير في الوجود».
وسمعتُ شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول غيرة مرة «هذا الكتاب لم يؤلف في بابه مثله أو على منواله منذ قرون».
ولهذه المكانة اهتم به المحققون شرحاً وتدريساً، ومن أجلّ شروحاته شرح حفيده سليمان بن عبدالله وعبدالرحمن بن حسن وهما "تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" ومختصره "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" وتتابع العلماء بعد ذلك على الاهتمام به أبلغ الاهتمام، وتلقينه الطلاب، ومذاكرته مع الأصحاب، وما هو إلا آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وآثار سلفية، وتلك مصادر العلم لا غير، وأنشدوا:
العلم قال الله قـــــال رســــــوله           قال الصحابة هم أولوا العرفان
 فهنيئا لمن أدمن النظر فيه، وتأمل في معانيه، وحفظه وتعلَّمه وعلّمه، هدانا الله وإياكم سبيل الرشاد، وألهمنا رشدنا، ووقانا شرور أنفسنا، وثبتنا على التوحيد والسنة.
كتبه أخوكم المحب
بدر بن علي بن طامي العتيبي
مدير الدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف
*******

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني