من المختارات لكم (51): الشيخ الإمام صالح الفوزان بين تهور الجهلاء وحنق أهل الأهواء

الشيخ الإمام صالح الفوزان
بين تهور الجهلاء ... وحنق أهل الأهواء
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من كريم حفظ الله تعالى للدين: بقاء العلماء الراسخين الصادقين، وهم من حجج الله على خلقه، ويستحيل أن يحيلنا الله تعالى إلى معدوم حيث قال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] وأهل الذكر هم أهل العلم الصادقون الربانيون، حملة العلم، ونقلة الشريعة، ونجوم الهدى، ومصابيح الدجى، لا يخلو منهم زمان، وإن غابوا عن مكانٍ ظهروا في مكان، وكلما تباعد الزمان عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم قلوا وزادت حاجة الناس إليهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس - وفي رواية: من العباد - ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما: اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» .
وإن من العلماء الراسخين، والأئمة المهديين، والهداة المجددين في عصرنا: شيخنا الإمام العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى، فمنذ ثلاثين سنة وله موقفٌ ثابتٌ راسخٌ في نصرةِ التوحيد والسنة، وتحقيق حل مشكلات المسائل الفقهية، مع الرباط في ميدان التعليم والدعوة، والموقف المهيب المُصيب ضد المقالات الفاسدة والمذاهب المنحرفة، من كلٍّ نحلةٍ ودين فاسد، فلا غروَ أن يُحدث ذلك له خصوماً من كلّ مذهب، فكان قاسمهم المشترك (إسقاط) هذا الإمام، والإنزال من رتبته، والفرح بكل ما يظنون أنه يشينه ولا يزينه! ثم لا يعودون إلا بخفيِّ الخيبة والندامة، وشيخنا على ما هو عليه من علو الديانة والمكانة، وصواب الرأي، وسلامة الفتوى.
وقد سبق أن كتبت رداً على نكرةٍ من أولئك النكرات الذين تطاولوا على شيخنا (http://badralitammi.blogspot.com/2013/03/44.html) ثم في هذه الأيام اطلعت على مقالة لنكرة لا تعرّف وجاهلٍ لا يُعرف! كتبها في (تويتر) تطاول على مقام شيخنا صالح الفوزان وقد كَشَفت تغريداتُه! عن مبلغ جهالاتِه، وآفة الهوى عندما يُلاقح الجهل مع قلة الأدب! وما ينتج عن ذلك من فساد القول وسقم المعقول!
وكان موجب شغب (ذبابة الوادي!) فتاوى شيخنا الأخيرة في القتال في سوريا! مع أن موقف شيخنا واضح بيّن وإن سماه (فتنة) فهو لا يقرّ النظام الأسدي ولا يرى مشروعيته أصلاً، ويرى وجوب خلعه بالطريقة الشرعية، وإن بلغ الأمر للقتال فبالراية الشرعية لا بالراية العميّة الجاهلية، وهذا ما بينته قبل عامٍ من اليوم في مقالي: (نحو تصحيح الجهاد في سوريا) : (http://badralitammi.blogspot.com/2012_05_01_archive.html).
وهذا الكاتب لا يفقه ما يقول، وارتقى مرتقىً صعباً كان قبله في عافية! حيث صبّ جام غضبه على شخص شيخنا، وعابه وإن أثنى عليه بلسان هزيل! فجرده من وصف المشيخة والعلم وخاطبه بخطاب الدون وهو الدون لا شيخنا، وقال بأن فتاوى شيخنا (تسبب ضياع بلاد المسلمين وتمكين العدو منها) وأنها (شبيهة بالخيانة) وغير ذلك من التهور وسخف العقل!
وشاكله في هذا الطيش نكرات لم تصرح بما صرّح به، ولكن الرجل متهور! وكما سبق أنه هذا الرجل لم يذكر حجة بينة، وإنما احتج بواقع زيّفه وزوّقه والواقع لا يجحد! والتاريخ لا يكذب وإنما يُكذب عليه!
فزعم أن فتاوى شيخنا في الجهاد ووقائعه لا توافق الحق ولا تقبل! وصوّر واقع أفغانستان والعراق بالواقع المجيد ذي العز التليد! بينما أثبتت الوقائع من قبل واليوم بأن كافة فتاوى شيخنا الفوزان -ومن هم مثله من كبار العلماء الراسخين- هي الأعلم والأسلم والأحكم، وأن ما يخشاه على الأمة من تهور المتهورين وقع بأيادي أدعياء الجهاد!
وهذا ظاهر في فتاوى شيخنا في (الجهاد) و(المظاهرات) وما في بابهما.
ولو كان هذا الرجل يتكلم بعلم لقابل العلم بالعلم، ونقض الحجة بالحجة، ولكن كلامه جهل محمول بلسان الهوى! إذ لو كان صادقاً لما خصّ شيخنا الفوزان بهذا الكلام اللاذع البذيئ! فليس هو أول من يمنع الجهاد تحت الراية العمية! فهل نَطَقَتْ (ذُبابة الوادي) ببنتِ شفة! على فتوى العودة في (الجهاد في العراق!) وهي موثقة ومسجلة! وقبلها فتوى سفر الحوالي في (الجهاد مع طالبان) وصراعه المشهور مع الجربوع وناصر الفهد؟! وكذلك فتوى الشيخ عبدالله بن جبرين المشهورة في الجهاد في العراق.
فلماذا الفوزان؟
هذا الاعتراض من هذا النكرة عليه، مقابل سكوته وسكوت بني حزبه عن فتاوى من سميتُ ظاهر التناقض، واضح الانتقائية، ولا تفسير له عند الناظرين إلا: الهوى وحظوظ الحزب والنفس!
وشيخنا لما سمى تلك الرايات والقتال بالفتنة لا يلزم منه غياب الحق واختفاؤه، ولكن دلالته عند كل خبير هو (اشتباهه) وعدم خلوصه من غيره، فهذا يدل على أن ثمتَ حق حوله ما يلبِّس عليه، وهذا من معان الراية العِمِّيَة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من القتال تحتها، ومعناها (العمياء) التي يلتبس فيها الحق، وليس المراد (جيش النظام السوري!) فهو جيش كفرٍ وضلال بيّن يجب قتاله، ويدفع بما يُدفع به كلُّ صائل، ولكن الكلام في (الجيش المقابل له):
[1] ما رايتُه؟
[2] وما غايتُه؟
فالمشاهَدُ أن الرَّايات عدة! وكلٌ يدعي بأن الحق معه! بل ربما يُسمع من بعض التصريحات من (الثوّار) ما فيه البراءة من بعض (الثوار) و(الرايات) فإلى أين تقودون شباب المسلمين، ومع من سيقاتلون؟
ثم الغاية:
ما هي الغاية؟ ولنا في الواقع القريب الحجة والبينة! فهل تراق دماء المسلمين، ويساق الشباب الصالحون إلى ميادين الجهاد لكي يرتقي على جماجمهم طلّاب الدنيا، وأرباب المناصب، بل والأدهى والأمرّ أن يولاَّها من لا يدين بالله رباً ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ولا بالإسلام ديناً من العلمانيين والنصارى ونحوهم! ذلك الحزب الذي يخطب في منابر المحافل، ويتجول من مجالس الأمم إلى المجالس العربية، ويتكلم باسم الشعب السوري هو الموعود بالزعامة! على جماجم الشباب الجهادي!
فأين عقول القوم؟
لا تقلدوا الفوزان ولا تصغوا إلى كلامي ولكن اقرءوا ما رواه ابن وضاح في كتاب "البدع" (2/75) قال: أخبرنا أسد قال: أخبرنا المبارك بن فضالة عن الحسن: " أن رجلاً أتى أبا موسى الأشعري وعنده ابن مسعود, فقال: أرأيت رجلا خرج بسيفه غضبا لله تعالى فقاتل حتى قتل, أين هو؟ قال أبو موسى: في الجنة, فقال ابن مسعود: «إنما المفتي مثل صاحبك, على سنة ضُرِب أم على بدعة؟» قال الحسن: فإذا بالقوم قد ضُربوا بأسيافهم على البدع.
ثم قال: أخبرنا أسد قال: أخبرنا المبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: أخبرني أبو عبيدة بن حذيفة قال: "جاء رجل إلى حذيفة بن اليمان, وأبو موسى الأشعري قاعد , فقال: أرأيت رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل , أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى: في الجنة , قال حذيفة: استفهم الرجل وأفهمه ما تقول , قال أبو موسى: سبحان الله كيف قلت؟ قال: قلت: رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل, أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى: في الجنة , قال حذيفة: استفهم الرجل وأفهمه ما تقول, حتى فعل ذلك ثلاث مرات. فلما كان في الثالثة قال: والله لا تستفهمه, فدعا به حذيفة فقال: " رويدك, إن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه؛ فهو في الجنة , وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق؛ فهو في النار, ثم قال: والذي نفسي بيده , ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا".
فليست كلّ نية حسنة تغني عن صاحبها، وليس كل راية يُزعم من ورائها أنها لنصرة الإسلام يقاتل تحتها، حتى تكون نقية صافية لا كدر فيها ولا عماء، وإلا فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها، فليس مني، ولست منه».
فليست النوايا والشعارات تشفع للمتهورين ليتاجروا بأرواح المسلمين، ويزجوا بالشباب في حروب وكروب.
وأخيراً وليس آخراً:
متى قامت (راية) الجهاد الشرعية، وتحققت (غايته) المرضية فإن شيخنا الفوزان سيحذر من (جرذان الوادي) شجعان الكيبورد! وأبطال الخلوات! الذين طالما سمعنا صراخهم بالجهاد، بل وفرضيته، بل وعينيته! ثم يكونون مع الخوالف! ومنهم هذا المتهور النكرة! فليخرج إن كان معتَبَراً في زمرة الرجال! بل ليستحوا من التاريخ، وعدول الشهود ولا يتنكبوا عن نصرة (الأسرى) من الشباب في سجون (العراق) وغيرها! وهم الذين قد خرجوا بصرخاتهم ونداءاتهم.
فرية لا برهان لها:
أما ما زيفه هذا النكرة من إعراض شيخنا عن الإصغاء للآخرين، وعن استقبالهم، وغير ذلك فهو زورٌ وبهتان، وما من العلماء اليوم أقرب وصولاً، وأسهل لقاءً من شيخنا صالح الفوزان بسبب دروسه المستمرة، وقلة ارتباطه بغير العلم وأهله، وباب مكتبه مفتوح للزائرين، وثباته على الحق لا يعيبه لنعيق ناعق، وشغب مشاغب، ولهذا انقطعت من دونه أطماع الجهال وأهل الأهواء، وظهر رسوخه في العلم، وقوته في الحق، عندما تقلَّبت قلوب كثيرٍ من (رموز) هذا الجاهل الذين (يخنس) أمام ما يصدر منهم من فظائع المعضلات، وقبائح المقالات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الاثنين 17 رجب الحرام 1434هـ


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني