عشر وقفات مع أهل الهوى والجهالات

عشر وقفات مع أهل الأهواء والجهالات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد شاهدت كما شاهد غيري اللقاء التلفازي مع بعض الموقوفين بسبب قضايا (التكفير) و(التفجير) وكنت خلال اللقاء أقيّد في ذهني بعض دلائل الهوى والجهل عندهم، وأعارضه بِعِقْدِ أهل السنة والجماعة، ودلِّ العلماء وسمتِهم، وأعرضه على ما سبق وأن كتبته قبل سنوات عن صفات الخوارج المتجلية في المخربين في بلاد الحرمين:
ومن خلال المتابعة لقنوات التواصل الاجتماعي رأيتُ من الخلط عقب تلك اللقاءات الشيءَ الكثير، بل ربما كانت تلك اللقاءات من الله الحكيم موضحةً كاشفةً عن دغائل بعض القلوب المريضة، وميول بعض النفوس الماكرة! وتلبية لطلب بعض الفضلاء في الكتابة حول تلك اللقاءات، وتمحيصاً للحق من زغب الباطل وشغبه، وما حصل من زلل بعض أهل الغي والضلال في تزيينهم للبوائق، وتغييرهم للحقائق، أحببت أن أكتب هذه الوقفات العشر مع اللقاء، التي من خلالها يتبين للناظر -البصير بنفسه، الحريص على سلامة دينه- ضلال القوم وفساد طريقتهم وطويتهم، وقبل أن أقدم على رقم تلك الوقفات أنبه عن ضرب الصفح عن الكلام في القناة ومذيعها وموجب تلك اللقاءات وأسبابها فكل ذلك لا يهم وليس هو عندي المراد، فالقناة محل الذم عندي من قبل ومن بعد، وإنما غايتي مضمون تلك اللقاءات وماذا يجب علينا أن نتفطن له بعد مشاهدتها؛ فأقول:
الوقفة الأولى: (الجهل) و(الهوى) هما آفتا الآفات، ورأس البليات، بل هما أصل ضلال بني آدم، فما ضل أحدٌ قط إلا بأحدهما أو بكليهما، كما قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72] والظلم وضع الشيء في غير محله وهذا لا يكون إلا بالهوى، والجهل غياب العلم، وهما أصل ضلال بني آدم.
وبـ(الإسلام) يسلم المرء من (الظلم) فينبذ الهوى ويستسلم لأمر الله تعالى والحق.
وبـ(الإيمان) يسلم المرء من (الجهل) لأن الإيمان رأس العلم.
قال الإمام ابن القيم:
وتعر من ثوبين من يلبسهما        يلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه       ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة      زينت بها الأعطاف والكتفان
ومن تأمل المناظرات الثلاث يجد القاسم المشترك بين الجميع هو (الهوى) و(الجهل) ويتحقق معنى الهوى: في إعراضهم عن أهل العلم، وإقبالهم على أهوائهم؛ وما تشتهيه أنفسهم! وانصرافهم عن نصوص الوحيين، بل يتجلى الهوى في (الموقوف الأول: السناني) فهو صاحب هوىً يتهرَّب من حججِ المحاور مع جهله وقصور علمه! ويأتي بمتشابهات مشرقيَّات ومغربيَّات! ولا يمحِّصها بتمحيص أهل العلم، وطرائقهم في تقرير المسائل، بل يتكلم بعموماتِ الخوارج الذين كفروا الصحابة، واستحلوا دماء المسلمين بمثلها، في قولهم: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [الأنعام: 57] وبذلك هلكوا، ومثلهم هذا الرجل فيطلق العمومات في مسائل عدة في التكفير والتضليل والتقرير والتقعيد، كـ:
[1] الاستعانة بالأمريكان.
[2] ولبس الصليب.
[3] والوطنية.
[4] والخروج على الحاكم الكافر.
[5] وأمر الإسلام بالإرهاب و: (العنف!)
[6] وما قعده كقاعدة كلية من أن: رجال الطواغيت منهم، والحكم فيهم واحد!
وغفل أو تغافل عن كلام أهل العلم وتفصيلاتهم! وهذا منه محض الهوى!
قال ابن القيم:
فعليك بالتفصيل والتمييز فالا        طلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ       ـأذهان والآراء كل زمان
ومن دلائل الهوى: تعظيمه لدولة طالبان! وتقديمه لها على دولة آل سعود الإسلامية، وطالبان دولة قامت على ضلالة، فهم على طرائق الصوفية، وتنهج في الصفات منهج عقائد المعطلة! بل وتستنصر بالأمريكان والرافضة في الخفاء وإن زعمت في الظاهر محاربة الجميع!
ومن دلائل الهوى: تعظيمه لحماس الإخوانية، وزعيمها وإمامها حسن البنا هو نصير اليهود والنصارى! المقرّب لهم، المستنصر بهم، فها هو يقول: (فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية لأن القران حض على مصافاتهم ومصادقتهم ، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية) من كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" ( 1/ 409 ).
ويقول أيضاً: (إن الإسلام الحنيف لا يخاصم ديناً ولا يهضم عقيدة ، ولا يظلم غير المؤمنين به مثقال ذرة) ، من كتاب " حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية " ( ص 163 ).
وضمَّ حزب الإخوان المفلسين بادئ الأمر ثلاثة من نصارى الأقباط، وهم وهيب دوس وثابت كريم ولويس أخنوخ!
هذا هو حزب الإخوان المفلسين الذين تتبعه حماس ومن أجلها كفّر السناني حكام السعودية لأنها ضدهم فيما يزعم ويظن، وهو من الكذب الصراح! إذ مناصرة الدولة السعودية حكومة وشعباً للقضية الفلسطينية واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار لا يجحدها إلا مكابر مفتون.
ومن دلائل الهوى: الساري في قلبه نبذه للتعليم السعودي ويقول وجدت فيه ملاحظات! فأين رأي هذا المفتون والمفتونين به في كتب (سيئ قطب!) وما فيها من المصائب العظام، والانحرافات الجسام عن سبيل المسلمين بله أهل السنة والجماعة؟
عند ذكر هذا (الوثن!) تُحجم جميع الغيرات المزيفة، وتنكسر جميع الرايات الكاذبة، ويكشف الله كذب القوم وما تخفيه الصدور، وأن الغيرة على التوحيد، وحرب اليهود والنصارى، وذم الرافضة، والعلمانية، كلها شعارات زائفة يستخفون بها عقول الحمقى! ليصطادوهم ويحشدوا بهم حزبهم الضال.
ومن دلائل الهوى: أن المحاور عاتبه على إخراج التلفاز! وأنه من الإعلام السعودي (قناة القرآن الكريم) وليس فيها إلا قرآن وصورة الحرم! فقال: (ما تجوز كلها تصاوير!) ثم يعترف بأنه يتابع (قناة الجزيرة) بشكل دائم! وفيها ما فيها من المنكرات من الصور والنساء! ويزكيها بأنها (ما تضرس! على أهل الإسلام ولا تعاديهم) و(عندهم تعاطف مع الحركات) ولا يريد بذلك إلا الإخوان المفلسين! وقناة الجزيرة شيطانة فتّانة، وجذورها يهودية رافضية كما هو معلوم عند كلِّ خبير.
ومن دلائل الهوى: تكفيره واستباحته لدماء رجال الأمن بدعوى أنهم أعوان الطواغيت فيما يزعم، ثم لم يكفِّر إخوانه! وهم من رجال الأمن! بل اقتصر على مناصحتهم! فلما سأله المحاور: كفرتهم؟ راغ روغان الثعلب ولم يجب!
فقاتل الله الهوى، دماء تستباح وذممٌ تختَفر! ودماءٌ تقرَّب وتناصح؟! والحال واحد!
وقد اعترف (الموقوف الثاني: الفراج) في لقائه بالقصور العلمي، وأن الجهل كان آفته، وهذا هو أصل داء القوم، وعامة من يقع في حبائل هذا التنظيم الضال.
ومثله (الموقوف الثالث: العبسي) في حواره، وذكر أن العلم أفاده في التراجع عن هذه العقيدة الفاسدة، ولم يحجبه من قبل عن الاندفاع فيه لأنه كان علماً مزيفاً مغشوشاً بتزييف أهل البدع والأهواء.
ومن دلائل الجهل: ما ذكره الفرَّاج بأنهم كانوا يجمعون الصلوات! وهم في حضرٍ وليسوا في سفر! ومن تأول ذلك بالرخصة النبوية المذكورة في حديث ابن عباس رضي الله عنهم في جمعه صلى الله عليه وسلم في المدينة فهذا جهل فتلك الرخصة إنما كانت على خلاف الغالب مع كلام طويل في تأويل الحديث.
الوقفة الثانية: مغالطة الواقع، وتزييف الوقائع، وتحريف الأخبار، وتشويه الحسن، وتحسين القبيح، من أعظم مخازي هذا التنظيم! وبهم يغتر الكثير من الأتباع الهمج الرعاع، ومن ذلك:
اعتراف الفرَّاج بأن قتلى التفجيرات لم يكونوا كلهم كفاراً، وأنهم أملوا عليه بأنهم جميعهم كفار، وقتلهم حلال! ولما استقصى هو الأمر بنفسه وجد من بينهم مسلمين! واعترض عليهم فلم يقبلوا اعتراضه بل طلبوا إعراضه!
ومثل هذه المغالطات وقعت من الأول! حيث غالط وحرّف وزيف في أكثر من موطن! ومن ذلك:
[1] زعمه بأن الدولة السعودية اُحتُلّت احتلالاً يعتبر وصمة عار في جبين الجزيرة العربية إلى يوم القيامة! ولم يحصل قبله ولا بعده مثله!
وهذه مغالطة وزيف وزور، وقد ردّ عليه المحاور بأن الأمريكان خرجوا ولم يبق منهم أحدٌ، فحار المفتون ودار ولم يبدِ جواباً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[2] زعمه بأن المناهج السعودية تركز على الوطنية! وهذا كذب وزيف، بل هي تخصصات وعلوم ومفاهيم، ولكل فنٍّ منها وجهته وطريقته في الطرح، وليست الوطنية إلا في بعض مواضيعها، وبعض موادها، فلماذا هذا التهويل والتفخيم الزائف! أقول هذا: بغض النظر عن حكم (ترسيخ الوطنية) لاحتماله ما هو حق وما هو باطل، فالقصد هنا بيان زيف قوله وتهويله ومغالطتهم في الواقع.
[3] قال عن سكان (المحيّا) بأنهم كلهم كفار! وعورض بأن أكثرهم مسلمون دماؤهم معصومة! فنفى بلا حجة ولا دليل!
[4] يرى السناني أن للتنظيم دولةٌ قائمة تجب الهجرة إليها، وتقع تحت سيطرة المجاهدين في أفغانستان والعراق والشام، وكذب! ومن لديه أدنى نظر للواقع يجد أن (التنظيم يقاتل بلا دولة!) بل هو يسعى لهدم كلّ دولة في ديار المسلمين:
فكان الحكم الطالباني قائماً وبلاد الحرمين من أول الدول التي اعترفت بها، ثم جاء تنظيمهم فتسبب في سقوطها.
وأفسدوا العراق، وعبثوا بليبيا وتونس ومالي.
وسوريا اليوم تخضع لنزاعاتهم وشهواتهم.
واليمن لا تزال في عبثهم وصراعاتهم!
فإلى أي بلدٍ يريد السنانيُّ أن يهاجر إليها المسلمون إذا كانت بلاد الحرمين بلد كفر تجب الهجرة منها؟
[5] نسب إلى شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله تعالى أنه كان ينكر على من لبس الصليب ثم رجع عن إنكاره! وهذا كذب وزيف نفاه شيخنا عن نفسه من قبل ولكنهم قومٌ بهت يكذبون!
[6] زعمه بأن الدولة تتكلم فقط عن الصلاة والصيام ولا تتكلم عن مفاصلة المشركين!
وهذا كذب وزيق وتزوير، وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب يدرس في المرحلة المتوسطة، وكتاب التوحيد لشيخنا صالح الفوزان يدرس في الثانوية! وفي كل هذه الكتب تقرير مفاصلة المشركين، والبراءة منهم، وهذا دين وعقيدة، بل نص الولاة على ذلك، وبرروا ما يحصل منهم بـ(المصالح السياسية) التي تقتضيها السلطة والولاية، جاء هذا في تصريح طويل نشرته مجلة الدعوة للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى.
فتأملوا تلك الأكاذيب والأغاليط، كيف لو سرت إلى قلب جاهل محجوبٍ عن الواقع! مثل صاحبيه الثاني والثالث! حتماً سوف يصدق ما يقول، ويقدم على التكفير والتفجير واستباحة المحرمات؟
الوقفة الثالثة: للعلم سمته، وللدين دلُّ أهله، وخفة العقل تهدم بنيان العلم، ومن شهد لقاء السناني، وتأمل في حركاته وسكناته، ومنطوق عباراته! وشتات ذهنه، وفرط غضبه، عرف أن العقل (حضانة) العلم، وأن التقوى (صيانة) العقل، وأن السنة (ديانة) الغيور صدقاً وعدلاً لا بالهوى والنفسِ والشيطانِ!
الوقفة الرابعة: ذكر السناني الآيات الدالة على ذم الكثرة، وأنها لا تدل لزاماً على الحق، والدليل سليم، ولكن (الاستدلال) بهذا الإطلاق سقيم، فليست الكثرة ولا القلة والشذوذ دليلاً مطرداً على موافقة الحق! فكما أنه ثمّت آيات ونصوص تذم الكثرة، فكذلك هناك آيات وأحاديث تثني على الكثرة وتذم القلة والانفراد والشذوذ، من الحث على لزوم جماعة المسلمين، والاعتصام بحبل الله جميعا، ولزوم السواد الأعظم، واعتبار الإجماع حجة، وتقريب قول الجمهور على قول الأفراد، وأن يد الله مع الجماعة، وغير ذلك من الأخبار الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، فليست العبرة بالقلة ولا بالكثرة، ولكن العبرة بموافقة الحق من مخالفته، فمن وافق الحق فهو كثير عزيز ولو كان فرداً واحداً كما قاله عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (الجماعة من وافق الحق ولو كنت وحدك).
وقد جاء الذم للمفارق للجماعة في نصرة الباطل، وأبيح دمه بذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امريءٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث وذكر منهن- التارك لدينه المفارق للجماعة) فمفارقة الجماعة محل ذم وعلامة شر لمن خالف الحق.
وكذلك الكثرة محلها محل ذم إذا خالفت الحق كما في النصوص التي أشار إليها السناني، وكذلك محلها محل ثناء ومدح إذا وافقت الحق، وهي جماعة المسلمين وإجماعهم والسواد الأعظم، وذم من خالفهم.
وعلى هذا فالميزان هو (موافقة الحق) فمن وافقه فهو الجماعة والسواد الأعظم ولو كان فرداً، ومن خالفه فهو الشذوذ ولو كانوا جماعة.
وجماعة المسلمين، وأكابر العلماء اليوم وقبل اليوم، من علماء العرب والعجم، والداخل والخارج، قبلوا الدولة السعودية الثالثة، ورأوا شريعتها، وصدق ولاية الملك عبدالعزيز ومن بعده أولاده، ثم يأتي السناني ويجزم بأنها ولايةٌ غير شرعية! بنص كلامه الموثق عليه، فشذ بذلك وخالف سبيل المؤمنين.
الوقفة الخامسة: من أكبر الآفات الإعراض عن العلماء، وعن تلقي العلم على أيديهم، فالسناني يصرح بأنه لم يأخذ عن أهل العلم، مع معاصرته لهم، ولقائه بهم، بل يستهجنهم ويطعن في مكاناتهم ونياتهم بل وفي أصول عقائدهم، مع سوء الأدب معهم، ومن هذه دُخل عليه، وفتن ببدعته وضلالته، وظن أنه على هدى وعلى صراط مستقيم!
وكما ذكر العبسي أنهم يصورون العلماء بأنهم علماء سلطان، وعملاء له، وطلاب دنيا! ثم أبدلوهم برموز صنعوهم لأنفسهم كما صرح بذلك الفراج وأنهم (طلاب علم لا يخطئون!) وعكوف العبسي على كتب (أبي محمد المقدسي) و(أبي بصير الطرسوسي) و(سيد فضل) و(الظواهري) وأضرابه!
ومثله السناني الذي يزهد في قراءة كتب السلف والاستكثار منها ثم يتجه إلى ما يكتبه (فارس بن شويل) و(ناصر الفهد) فواعجباه!
وهذه من علامات الضلالة، وقد روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال:  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس - وفي رواية: من العباد - ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما: اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» .
وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قبل الساعة سنون خداعات، يصدق فيهن الكاذب، ويكذب فيهن الصادق، ويخون فيهن الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق فيهن الرويبضه» .
قال أبو عبيد: (هو الرجل التافه الخسيس ينطق في الأمور العامة).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (قد علمت متى يهلك الناس: إذا جاء الفقه من قبل الصغير؛ استعص عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير؛ تابعه الصغير، فاهتديا).
وقال عبد الله بن مسعود: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم؛ هلكوا).
قال عبد الله بن المبارك؛ فقال: (الأصاغر: هم أهل البدع).
وقال أبو بكر بن ثابت الخطيب الحافظ: (إنما أراد به صغير السن، وفي هذا ندب إلى التعليم في الصغر؛ مثل قول عمر أيضا: تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا؛ أي: إن لم تتعلموا تسودوا؛ استحييتم من التعليم، فأخذتم العلم عن صغاركم).
فكيف يترك الأئمةَ الأعلام، والأساطينَ العظام، ويتجه إلى كلام من لم يعرفوا بمثافنة العلماء، ولا بالعكوف على حلق العلم، ولا بالديانة ولا الأمانة؟
إن التزهيد في العلماء هي سنة الخوارج الأوائل، وهم اليوم على خطاهم يسيرون، وقد كان عمرو بن عبيد معتزلياً خارجياً، ولما ناظره الإمام الزهري قال عمرو بن عبيد له: (ما عندك إلاّ الحيض والنفاس) وفي رواية قال : (ما عندك إلاّ ما تحت سراويل امرأتك).
وهذا تزهيد من العلم وأهله! ومشى على هذا كثير، فهذا سلمان العودة يقول في شريط "الشريط الإسلامي ماله وما عليه": (ما هي قيمة العالم إذا لم يبيّن للناس قضاياهم السياسية التي هي أم القضايا التي تتعلق بمصالح الأمة العامة أتريد من العالم أن يكون محصوراً فقط في احكام الصيد والذبائح والحيض والنفاس والوضوء والغسل والمسح على الخفين ).
وقال في شريط "حقيقة التطرف" الوجه الثاني : (إن المناصب الدينية أصبحت وقفاً في أكثر من بلد إسلامي على فئات معلومة !! ممن يجيدون فن المداهنة والتلبيس !! وأصبح هؤلاء في زعم الأنظمة هم الناطقين الرسميين باسم الإسلام والمسلمين مع أنه لا دور لهم إلاّ مسألتان: الأولى: إعلان دخول رمضان وخروجه، والثانية: الهجوم على من تسميهم بالمتطرفين!! ..).
وقال في لقاء أعدته له "مجلة الإصلاح" الإخوانية في العدد رقم 223 وتاريخ 28/1/1413هـ  في كلام حول الأوضاع بعد أزمة الخليج: (وكشفت كذلك عن عدم وجود مرجعية علمية صحيحة وموثوقة للمسلمين ..).
وقال في كتاب "هكذا علّم الأنبياء" (ص:60) طبعة الوطن: (كثير من المنتسبين للعلم والدعوة اليوم يثيرون معارك جانبية !! وطواحين في الهواء !! مع من حولهم وتتوالى الكتب والرسائل والأشرطة المسموعة حول قضايا فرعية سلبت الاهتمام كلّه بل ربما أدى الأمر أحيانا إلى المناظرات وإذا لم تجد المناظرة أحيانا إلى نوع المباهلة!!).
وهذا ناصر العمر يقول في شريطه "فقه الواقع" : إن هناك علماء فطاحلة في العلم الشرعي ولكنهم في العلم السياسي في فقه الواقع عالة ! على غيرهم وكثير منهم رضي بهذا الوضع بل واعتبره وضعاً طبيعياً).
فبعد هذا الكلام: لا يستغرب من عزوف الناشئة الرعاع عن العلماء وإقبالهم على الأصاغر والجهال وأهل البدع والضلالة.
الوقفة السادسة: وهي موجهة لكبار العلماء، فهم مع ما قدموا من خير فالناس لا يزالون بحاجة منهم إلى أمرين مهمين:
أولهما: (المسارعة) بالفصل في القضايا الحاسمة، وإصدار الفتاوى في الأمور المشكلة، حتى لا يلجأ أولئك الحمقى والجهال إلى أهل البدع والغواية.
والثاني: (قليل من التصريح يغني ويريح عن كثير من التلميح!) فكم من داعية ضلالة فتن الناس بمقالاته، وأفسد على الناس دينهم، فلماذا لا يصرح بهم على رؤوس الأشهاد، ويحذر منهم، ومن مؤلفاتهم، وهذا أصل عند أهل السنة والجماعة في التشهير بأهل البدع والأهواء وتحذير الناس منهم، والمقام يضيق عن نقل نصوص السلف في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (28/ 231): (وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة: مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم. ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل). 
الوقفة السابعة: طار كثير من المفتونين بثبات السناني على عقيدته المنحرفة، وصيروه رمزاً للثبات والصمود! والثبات والصمود ليسا مما يحمد عليه إذا كان على الباطل! بل من دين المشركين: العناد، والإصرار على الباطل، والاعراض عن الحق، وكأن في آذانهم وقراً، وعلى أبصارهم غشاوة! فماذا أفادهم هذا الثبات وهذا الصمود؟
ها هم المشركون يتواصون على الثبات والصمود كما قال الله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) [ص: 6، 7] فأي ثبات هذا الثبات أمام حجج الله البينات؟ ومع ذلك بئس الثبات والصمود!
وكم من زنديقٍ كافرٍ فاجرٍ قُدِّمَ إلى ساحة القتل وهو صامد على دينه وعقيدته، والسيف مصلت على رأسه وما يرجع عن عقيدته حتى فارقت روحه بدنه! فماذا كان؟
فالعبرة بالصمود والثبات إنما هو مع موافقة الحق الذي أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وورثه عنه العلماء الربانيون، لا أهل البدع والأهواء.
الوقفة الثامنة: سبق وأن أشرت إلى مقالي عن موافقة طرائق المخربين لما عليه الخوارج في عصر الصحابة رضي الله عنهم، وقد تجلت في اللقاءات الثلاث بعض العلامات، ومنها:
[1] الاستهانة بالعلم والعلماء، ووصفهم بالعملاء، وقلب أسمائهم تهكما وتنقصهم، وسوء الأدب معهم، فها هو السناني لما ذهب إلى شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، قال له المحاور: كنت تسأله، قال: (لا!! وإنما أبيّن له كفر الدولة!) فأي تيه هذا التيه، وأي كبرٍ هذا الكبر؟ ويصفهم بعلماء السلطان، و(هيئة كبار العملاء) ويقول عن سماحة المفتي (المفتري العام) ويقول عن شيخنا الفوزان بلسان الاحتقار (ابن فوزان!).
ومن حُرم الأدب أسرع إليه العطب، وكذلك كان السناني فاعتبروا!!!!
[2] الكلام بالعمومات، وعدم جمع كل ما في المعنى، والنظر في تفصيلات العلماء وتقريراتهم.
[3] نقل الأخبار المكذوبة، وتفخيم الوقائع، وتبديل الحقائق.
[4] استغلال عواطف السذج والبسطاء، باستخدام ما يذاع من جراحات العالم الإسلامي في كسبهم وتجييشهم.
[5] استخدام الأناشيد الجهادية، والأفلام القتالية لتغذية الجهال فكرياً، وتحبيب القتال في قلوبهم لصرفهم إلى ما يشتهون من مخططاتهم!
[6] التنظيم السري الهرمي! بل الخنوع التعبدي! كما جاء في تصريح العبسي، وكما ذكر الفراج من أنهم طلبوا منه التنفيذ بدون سؤال، وأن الأمر خاص باللجنة الشرعية! والقيادة! ومن هؤلاء؟ لا يدري!
ومن عادة (عبيد التنظيمات) لا يدرون من (أسيادهم) فأولئك يملون ويأمرون، وهؤلاء يأتمرون وينفذون!
[7] الاختلاء والسرية، والانفراد عن الناس، واعتقاد أن الأغلبية والكثرة على ضلالة! وهذا من أبرز أسس الضلال والانحراف، وروى الدارمي واللالكائي عن عمر بن عبدالعزيز: (إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة)، وهؤلاء الجهال يتركون الجمع والجماعات، ويعتزلون الناس على البدع والغواية، بل وعلى المكر بالمسلمين.
فهذه بعض علامات القوم فاعرفوها، وحذروا الناس منها، كي لا تزل معهم أقدام يعسر عليكم انقاذها فيما بعد.
الوقفة التاسعة: من أكبر أسباب توارث العقيدة الفاسدة، والطريقة المنحرفة: تطاول الأمد بهم في السجن، واختلاطهم ببعض، حتى صار بعضهم يقوي بعضاً، ويتواصون على الضلالة، بل ربما يدخل معهم من هو قريب الرجوع إلى الحق فيأتون به على أمّ رأسه في قاع الهوى! ولا تنفع حينها لقاءات لجان المناصحة، ولا متابعة أهل الاختصاص، فلابد من تصفية السجون وتنقيتها، وتفيئة ما يجب تفيئته من طبقات الغواية ودركاتها، ولا يخلط بين القريب من الحق مع الغارق في الغواية فيزيد في إفساده!
الوقفة العاشرة والأخيرة: أن تلك اللقاءات كشفت دغائل قلوب بعض الخلق! المنعَّمين في الخارج، الغارقين في (ملذات الدنيا) و(رُتب الشهرة) وهم متكئون على أرائك (الملايين!) في بيوتهم بين ذويهم! فقد كتب هؤلاء العديد من عبارات التمجيد والثناء على موقف السناني، و(مصداقيته!) كما يقوله (محمد الفراج) و(ثباته) كما يقوله (يوسف الأحمد!) وأضرابهم، وهم ربما في المحافل العامة ينشدون (سارعي للمجد والعلياء!) مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وما تخفي صدورهم أكبر!
فأمثال هؤلاء هم العدو الأخطر، والشر الأكبر، لأن أولئك لم يظهروا لنا إلا ساعة من نهار، وعرف الناس ضلال عقائدهم بصريح المقال، ولكن ما الحيلة فيمن هو بيننا يسري بالمجون خارج السجون وفي قلبه الخبث والمكر والتكفير والرغبة في التفجير مكنون!
فاحذروهم... وحذروا منهم ... والسلام.
كتبه
بدر بن علي العتيبي
مع أذان فجر يوم السبت 19 محرم 1435


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني