من المختارات لكم (73): ليس النساء هنّ الفتنة فقط ... بل الفتنة قد تكون بالرجال .. فليتقوا الله في نساء المسلمين
ليس النساء هُنَّ الفتنة فقط!
بل الفتنة قد تكون بالرجال .... فليتقوا
الله في نساء المسلمين
الحمد لله رب العالمين،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنّ من مستفيض السنة
النبوية أن النساء فتنة، وأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، ولا شك في ذلك،
ولكنّ هذا لا يعني براءة الرجال من الفتنة! فالرجال كذلك فتنة للنساء وهذا من قضاء
الله الكوني، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في "شفاء
العليل" (ص244): (كم لله سبحانه من حكمةٍ وحمدٍ وأمرٍ ونهيٍ وقضاءٍ وقدرٍ في
جعل بعض عباده فتنة لبعض كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ) وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ) فهو سبحانه جعل أوليائه فتنة لأعدائه، وأعداءه فتنته لأوليائه،
والملوك فتنة للرعية، والرعية فتنة لهم، والرجال فتنة للنساء، وهُنّ فتنة لهم،
والأغنياء فتنة للفقراء، والفقراء فتنة لهم).
فما على النساء فتنة أضرّ
من الرجال! كما أنه ما على الرجال فتنة أضرّ من النساء، وإذا كان النبي صلى الله
عليه وسلم منع أنجشة من الإنشاد بصوت رقيق تلين له قلوب النساء، فقال عليه الصلاة
والسلام: (رفقاً بالقوارير).
قال الحاكم: كره رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تسمع النساء صوته.
قال المازري في
"المعلم بفوائد مسلم" (3/ 221): شَبّهَهنّ بها لضعف عزائمهن والقوارير
يسرِع إليها الكَسر، وكان أنجَشَة يحَدو بِهِنّ وينشد من القريض والرّجز ما فيه
تَشبيب فلم يأمن أن يَفتِنَهَنَّ أو يقعَ بِقلوبِهِنّ حدَاؤه فَأمَرَه بالكَف عن
ذلك.
فكيف بما هو أشد فتنة على
النساء من حسن الوجه والمظهر؟ بل كيف إذا اجتمع الغناء تحت مسمى (الشيلات!
والأناشيد) وما في ذلك من (التشبيب على الحب والغرام) مع (حسن المظهر) فيجمع لهم
نساء المسلمين في الحفلات الإنشادية، والملتقيات، وبعض القنوات التي تصنّف بأنها
إسلامية؟
نقل ابن مفلح "الآداب
الشرعية والمنح المرعية" (2/ 322) عن أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي قوله: (كل مهيِّج مِنْ هؤلاء الوعاظ المنشدين من غزل الأشعار وذكر العشاق فهم كالمغني والنائح، فيجب تعزيرهم؛ لأنهم يهيجون الطباع، والعقل
سلطان هذه الطباع فإذا هيجها صار إهاجة الرعايا على السلطان أما سمعت: (يا أنجشة)
رويدك سوقا بالقوارير وما العلم إلا الحكمة المتلقاة مع السكون والدعة واعتدال
الأمزجة، أما رأيته عزل القاضي حين غضبه، وكذلك يعزل حال طربه أما سمعت: (فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا) [الأحقاف: 29] فأين الطرب من الأدب؟ والله ما
رقص قط عاقل، ولا تعرض للطرب فاضل، ولا صغى إلى تلحين الشعر إلا بطر، أليس بيننا
القرآن؟..) انتهى.
هذا يوسف عليه السلام وهو
من أنبياء الله الذين قال الله تعالى عنهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90] لما أمرته امرأة العزيز أن يخرج
للنساء وقالت: (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا
إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف:31] فمن النساء –اليوم- من يحصل
لهن من الفتنة مثل ما حصل لتلك النسوة مع بعض من يتساهل في هذا الباب ويحاضرهن!
ويخرج لهن عبر وسائل الإعلام، وينشر صوره في كلّ مكان! فقال يوسف عليه السلام: (رَبِّ
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي
كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].
نعم؛ السجن أحبّ إليه من
أن يَفتن وأن يُفتن به، فهل يعقل هذا المتهورون المغرورون؟
لقد كان السلف يُحَذِّرون
ويَحْذَرُون من فتنة النساء بالرجال، ومن حباه الله حسناً وجمالاً توخى مواطن
النساء، وإن خرج تلثم وغطى وجه، أو غير من صورته ما لا يفتن به النساء!
فهذا دحية الكلبي الذي كان
ينزل جبريل عليه السلام على صورته، كان من أحسن الناس صورة، وقيل: (إنه من حسن صورته كان يمشي متلثماً حتى لا يُفتتن به
النساء!) ذكر ذلك العيني في "عمدة القاري" (1/ 40) وغيره.
وقصة نصر بن حجاج في عهد
عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشهورة، عندما نفاه عنها لما كان فيه من جمال صورة
يخشى أن يفتتن النساء بها.
وحصل للعالم الزاهد علي بن
محمد أبي الحسن المصري (ت: 338هـ) أنه كان يعظ الرجال والنساء، قالوا: (فكان يجعل على وجهه برقعا تخوَّفا أن يفتتن به النساء من
حسن وجهه) ذكر ذلك الخطيب البغدادي في "تاريخه" (12/ 75)
وابن الجوزي في "المنتظم" (14/77).
وفي "طبقات
الحنابلة" (1/ 246): (قال أَبُو حفص العكبري بلغني أن عصمة –ابن أبي عصمة العكبري-
رأي ابنا له وقد خرج من الحمام وكان وضيء الوجه
فحبسه فِي منزله حتى خرج الشيب فِي لحيته وقال هذا إذا كان صبيا فتن الرجال وإذا
كان له لحية فتن النساء ولم يكن يتركه يخرج إلا إلى الجمعة والجماعات).
ويُروى أن أهل مكة كانوا إذا
رأوا من حجاج بيت الله من هو بالغ الجمال أن يحلق شعره حتى لا يفتن قلوب نسائهم.
ومن عجيب ما يستأنس به من
أخبار بني إسرائيل ما نقله المقدسي في كتاب "البدء والتاريخ" (3/ 97): (يقال
أن كالب –ابن يوفنّا-
كان نظير يوسف في الحُسْنِ والجَمَال، فَكَان النِّسَاء يفتتن به، فدعا ربه أن
يغير خلقه، قال وهب: ضرَبه اللهُ بالجدري، وبثرت عيناه، ومعطت لحيته، وخرم أنفه،
وانثنى أسفل وجهه الذقن والفم حتى صار له خرطوم كخرطوم السبع، فَقَذَره النَّاسُ
ولم يقدر أحد النظر إليه، وقام بالعدل في بني إسرائيل أربعين سنة وتوفّى).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
في "الاستقامة" (1/ 362): (فَإِذا كَانَ فِي الرِّجَال من قد صَار
فتْنَة للنِّسَاء أَمر أَيْضا بمباعدة سَبَب الْفِتْنَة إِمَّا بتغيير هَيئته وَإِمَّا بالانتقال عَن الْمَكَان
الَّذِي تحصل بِهِ الْفِتْنَة فِيهِ لِأَنَّهُ بِهَذَا يحصن دينه ويحصن النِّسَاء
دينهن).
وقال رحمه الله تعالى في
"مجموع الفتاوى" (15/ 313): (فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها
وتعطيل المفاسد وتقليلها فالقليل من الخير خير من تركه ودفع بعض الشر خير من تركه
كله وكذلك المرأة المتشبهة بالرجال تحبس شبيها بحالها إذا زنت سواء كانت بكرا أو
ثيبا فإن جنس الحبس مما شرع في جنس الفاحشة، ومما
يدخل في هذا أن عمر بن الخطاب نفى نصر بن حجاج من المدينة ومن وطنه إلى البصرة لما
سمع تشبيب النساء به وتشبهه بهن وكان أولا قد أمر بأخذ شعره؛ ليزيل جماله الذي كان
يفتن به النساء فلما رآه بعد ذلك من أحسن الناس وجنتين غمه ذلك فنفاه إلى البصرة
فهذا لم يصدر منه ذنب ولا فاحشة يعاقب عليها؛ لكن كان في النساء من يفتتن به فأمر
بإزالة جماله الفاتن فإن انتقاله عن وطنه مما يضعف همته وبدنه ويعلم أنه معاقب
وهذا من باب التفريق بين الذين يخاف عليهم الفاحشة والعشق قبل وقوعه وليس من باب
المعاقبة).
وليس غض البصر من خصائص
الرجال عن محاسن النساء، فكذلك هو من شأن النساء عن محاسن الرجال، كما قال تعالى: (وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
[النور: 31].
وكذلك ليس إخفاء الزينة من
خصائص النساء، بل الرجال كذلك، فلباس التقوى ذلك خير، فالله تعالى لما أباح اللباس
ذكر ما هو أهم من كلّ زينة يتسابق إليها الناس وهو لباس التقوى، فقال تعالى: (يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26]
فكيف واليوم في زمان الفتن
والشرور، ما يرى من بعض الخاصة بله العامة والهمج الرعاع من يبالغ في نشر صوره،
ويظهر بكامل زينته أكمل من حاله ليلة عُرسهِ! بل ربما منهم من استعان بمساحيق
التجميل! ومحسنات الصور! ليوزع ابتساماته كل يومٍ بصورٍ متنوعة! فلمن هي هذه
الصور؟
لقد كان أهل العلم والفضل من
أسلافنا في قديم الزمان وقريبه: يغلب عليهم ترك الترفه في اللباس، والمبالغة في
ذلك، زهداً في الدنيا، وإقبالاً على الآخرة، ومن ترخص بما أباح الله من الثوب
الحسن، والنعال الحسن، والادهان والاكتحال، وترجيل الرأس، لم يكن همّه عرض صورته
في مجامع الناس، والأسواق، فكيف بمواطن الفتن، وحضور النساء، مع قلة العلم، وضعف
المراقبة والخشية؟!
اللهم إنا نسألك أن لا
تفتنا في ديننا ولا تفتن بنا، واهدنا واهدِ بنا واهدِ لنا يا رب العالمين، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بدر
بن علي بن طامي العتيبي
صبيحة يوم
الثلاثاء 12 جمادى الاولى 1436هـ
مدينة الرياض
تعليقات
إرسال تعليق