من المختارات لكم (74): الخلوة الإلكترونية في الأجهزة الذكية ... غير زكية!
الخلوة الالكترونية
في الأجهزة الذكية ... غير زكيَّة!
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن من عظيم
مقاصد الشريعة، ومحاسن الملَّة، درءُ المفاسد وتقليلها، وجلبُ المصالح وتحصيلها،
ومن درءِ المفاسد: حسمُ أسبابِ الفتنةِ، وقطعُ سبلِ الحرام، ومنه إغلاقُ بابِ
الفتنةِ بين الجنسين الرجال والنساء، وذلك لما خلق الله تعالى فيهما من ميلِ كلٍّ
منهما إلى الآخر، سنةُ الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وما نهى الله المرأة عن ضربها برجلِهِا فيسمع الرجال خلخالها، وتتجه إليها أبصارهم إلا لهذا؟
وما هدد النبي
صلى الله عليه وسلم المرأة بالوعيد الشديد حينما تخرج متعطرة تريد الفتنة إلا لما
في ذلك من تحريك الأنوف ثم الأبصار ثم القلوب إليها.
وناهيك عن ذات
الصوت الرقيق، وكيف نهاها الله تعالى عن الخضوع فيه كي لا يطمع الذي في قلبه
مرض! فتحصل الكارثة!!
وهل
بعد قلوب الصحابة من قلوب؟
ووراء
شيمتهم من شيمة ورجولة؟
وقد قال لهم
النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على
النساء».
وقال لهم وهم
المعنيون بخطابِهِ ابتداءً، وبقية الأمة لهم تبع في ذلك: «فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء» زاد في رواية: «فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» أخرجه
مسلم، وعند النسائي: «فما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال
من النساء».
فكلّ هذه
الأمور، تحملُ البصيرَ بنفسه، المراقبَ لربِه، المتمسكَ بشيمتِه، أن يتجنب مواطن
الرِّيَب، وأسبابَ الزلل، ودواعي الفتنة، فلا أمان لهذا من هذه، ولا لهذه من ذا!
فالنفس أمارة بالسوء، والله المستعان.
لقد ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاختلاط بالنساء، وحذَّر من عواقبه، كما
بينته في كتابي "الإحباط لمكائد من أراد
إباحة الاختلاط" (www.saaid.net/female/0174.htm).
وكذلك حذَّر
التحذير البالغ من الخلوة بالنساء، وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟
قال: الحمو: الموت» متفق عليه.
وفي الصحيح
قال عليه الصلاة والسلام: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» وعند الترمذي
قال عليه الصلاة والسلام: «ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان».
وكانت هذه الخلوة الذاتية! وربما
تنقطع من دونها مكائد الشيطان كثيراً، وتهاب الرجالُ أسودَ الرجالِ فتعجز أن تخترق
حرمات البيوت، وتصل إلى ربّات الخدور!
فكيف وقد بُليت
الأمة اليوم بالأجهزة الذكية
وإن كانت غير زكية! وبرامج التواصل الاجتماعي، حتى ابتُلي الكثير من
الرجال والنساء بـ: الخلوة الالكترونية! فزلّت بسببها الخُطَى! وانتشر فيها الخَطَأ، وكُسر
العفاف، وانسلخ الحياء، فكم من عاضٍ على أصابع الندم، وهو يلتفت إلى زمن الحياء من
ورائه وقد أدبر وفات؟
وكم من أسيرةٍ
كسيرةٍ قادتها دهاليز الخلوات الالكترونية إلى ظلمات تحتها ظلمات؟!
فهل للكسر من
جابر؟! وهل للعفاف والحياء من معيد؟ حينما تأتي ساعات حسابات النفس، وطلب الكمال!
فإذا في حياتهم من صفحات الظلمة، وليالي الفُحش، ما تحترق عند ذكرها أكباد
التائبين، وتلتهب لها جفون النادمين.
ليس كلامي عمَّن
طبع الله قلبه، وأعمى بصيرته، وجعل على بصره غشاوة؛ من أهل الفسق والخنا، ولكن
الكلامَ الكلامَ! واللَّومَ اللَّومَ، على (الصالحين والصالحات!) حينما وقعوا في
(قبضة الشيطان!) في خلواتهم الالكترونية! حتى صدّق عليهم إبليس ظنّه، فجرهم من
المكشوف إلى الملفوف! ومن المرئي إلى المخفي! (إِذْ
يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
[النساء: 108].
نعم؛ إن من
عظيم الغش والخيانة، السكوتُ عمّا بُلي به بعض الصالحين والصالحات بل وخاصتهم من طلاب
العلم وطالباته من التهاون في ذلك عبر ما يسمى بـ(القروبات
العلمية) و(الحسابات المختلطة)بـ(استضافة بعض طلاب
العلم في المجموعات النسائية) أو (المعلم
مع طالباته في الجامعة!) وما يحصل فيها من ترقيق الكلام، واستعطاف القلوب، حتى ينتقل بهم إلى الانفراد
بالمراد، متبعين في ذلك خطوات الشيطان! وهم في غفلة غافلون!
حتى صار هذا
منهم –وهم القدوة والأسوة- فتنةً لسخفاء العقول، وقليلي العلم، وضعفاء الدين
والحياء! فتوافدوا على ما يسمى بـ: (القروبات
العامة) يطقطقُ(1) بعضهم
على بعضٍ كما يقولون!
فإلى متى
السكوتُ عن هذا البلاء العظيم؟
وأنشدوا ما
أنشده الحكم بن عبدل الأسدي الغاضري، في قوله:
ذهــــبَ الرِّجالُ المُقْتَدَى بِفِعَــالهِم والمُنْكِرِونَ لكـــــــــلِّ أمرٍ مُنْــكَــرِ
وبَقِيتُ في خُلْفٍ يُزِيَّن بَعْضَـهِم بَعْضاً
ليَدْفَع مِعْورٍ عَن مِـعْوَرِ
سلـكـوا بُنَيَّات الطَّرِيقِ فأصْبَحُوا مُتَنَكِّبِين
عَنِ الطَّريق الأكْـبَـرِ
لولا أمانات
المجالس، وعهود الوفاء، ووجوب الستر! لعرّضت بذكر أخبارٍ تتفطر لها قلوب الغيورين،
وتذوب منها أكباد الشِّدَاد!
أيا عباد
الله؛ الغيرةُ روح، والروح تضعف، وتمرض، ثم تموت! ومن ماتت غيرتُه على عمومِ بنات
المسلمين، ماتت غيرتُه على نسائِهِ وأهلِهِ!
حتى صار من
الرجال، من كان في قديم الزمان الدَّفين! وأيام (الطيبين!) من تتفجر في وجهه دماءُ
الغيرة، وتثور في رأسهِ براكينُ الشِّيمة والشرف، حين يلتفت رجلٌ إلى أهله أدنى
التفاته، أو يتصل بهاتفهم غريب! أو رأى في غرفة أخته وبنته صورة من الصور!
واليوم!
و آهٍ ثم آهٍ مما نراه اليوم:
تُضيفُ
المرأةُ الرجالَ ويُضيفونها! وتحمل لهم في هاتفها الصور والفيديوهات! والطُّرفَ
والـمُلَحَ والأشعارَ والأغاني! وترحِّبُ بهم في (تويتر) ويرحبون بها!
ويتبادلون صنوفَ الكلام الرقيق، وإهداء رسومات الزهور! إن لم يكن ما وراء ذلك من
شعارات الحبِّ والغراِم من صورِ القلوب، وأنواع الابتسامات! فلا يغار منه –اليوم-
الرجال، ولا تستحي منه النساء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ألا فاتقوا
الله يا عباد الله؛ وعودوا إلى حوزةِ الحياءِ والحشمةِ، وانظروا إلى نصوص الوحيين،
ومقاصد دينكم، وكيف حسمَ مادة الشرِّ، وقطعَ أسبابَ الفتنةِ.
وأختم
بوصيتين أراهما من الأهمية بمكان:
أولاهما: لطالبات العلم:
ثغر الدعوة
النسائية عظيم، ونساء المسلمين: في زمن الفتن، وضعْفِ الذِّمَم، وغَلَبَةِ الجهلِ،
بحاجةٍ شديدةٍ إلى العالمةِ الفقيهةِ المربيةِ النَّاصحةِ الصادقةِ.
فاجتهدنَ في
طلب العلم وتحصيله، وبابُه لكنّ باب جهادٍ عظيمٍ لا قتالَ فيه، بالتعليم والدعوة
والتربية.
انظرنَّ في
سيرِ السالفاتِ من نساء الصحابة والتابعين وأتباعهم، وما هنّ فيه من الرُّتَبِ
العليِّة في الفقهِ والحديثِ والتفسيرِ واللغةِ، مع الزُّهْدِ والعِبَادةِ والورع.
فامنحوا جيلنا
(جذوة) من تلك (الأنوارِ السلفية) بعلمٍ يرجع إليكنّ فيه عمومُ النساء، وتترك
المعضلات الثقيلات من المسائل إلى كبار العلماء.
فمن المؤسف أن
ترى فتاةً يثقلُ عليها معرفةُ مبادئ التوحيد، ويُشكلُ عليها تعلّمُ أحكامِ الطهارةِ،
وحقوقِ الزَّوجِ، وأصولِ التربيةِ، وكل ذلك من أبجديات المعلومات، ثم لا يكون في
بنات جنسها من تفيدها بذلك، وتتجه إلى من تسميه في جوالها (مفتي!) أو (مفسر
أحلام) وهي لا تعرف دينَه ولا أمانتَه ولا مبلغَ عِلْمِهِ.
العلم أمانة،
وغداً السؤال عنه بين يدي الله، والله المستعان.
والثانية: لطلاب العلم:
أنتم ملح
البلد؛ فمن يُصلح الزاد إذا الملح فسد؟ فاقطعوا أسباب الفتنة، واحجبوا مداخل
الهوى، فكما أن النساء فتنة لكم، فأنتم كذلك فتنة لهنّ من حيث لا تشعرون! كما بينته في مقالي: (ليس النساء هنّ الفتنة فقط) (badralitammi.blogspot.com/2015/03/73.html).
فكونوا سبَّاقين
إلى كلّ فضيلة، وعلِّموا النّاس وخصوص النساء الأدبَ والحياءَ، واحجزوا السائلين
عن داعي الفتنة، و(إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29] فمهما كانت الرخصة في محادثة
النساء، وتعليمهن، فلكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، وقد حذركم
من فتنة النساء، ونهاكم عن الخلوة بهن، والدخول عليهن، وما كان يُعلِّم نساءَ
الصحابة –وهو رسول الله لهنّ ولنا- إلا في كل يوم خميس، وفي جمعٍ من النساء! فكيف
بمن يختلي الكترونياً بهنّ -جماعات وأفرادا- في كلّ يومٍ وليلة؟
أأمنتم
الفتنة؟
كنتُ مع بعض
مشايخي المعمّرين رحمهم الله قبل موته بسنوات! ونحن وقوف عند باب بيته، فجاءته
امرأةٌ، واقتربت منّا بحياء وحجاب كامل! وقالت: يا شيخ، عندي سؤال! فقال شيخُنا
مباشرةً –وعينُه في جهةٍ غير جهتها-: (ادخلي عند الحريم، وأخبريهم بالسؤال، وهم
يقولون لي، ويصلك الجواب).
الله أكبر؛
شيخٌ مسنّ قاربَ الثمانين من عمره حِينَها، وامرأةٌ لا أرى فيها شيئاً من دواعي
الفتنة، ويقول لها هذا القول؟
يا
طلاب العلم:
تجنبوا
التصاوير، واتقوا ما يحصل بسببها من فتنة وبلاء، وتجنبوا ترقيق الكلام، إلى حدٍ
وصل إليه بعضهم يحاكي رقة النساء! وتزيد طينته بِلّةً حين يقول: (اتصلت بي إحدى
الأخوات!) و(أرسلت لي بعض البنات) عبارات يأنف من ذكرها شُـمَّخ
الرجال! وكأن لسان حاله ينادي إلى تواصل السامعات به لاحقاً!!
الخضوع بالقول
وإن كان أصل الخطاب في النهي عنه للنساء، فكذلك هو للرجال، وما هو إلا من التَّأنُثِ
والتَّخَنُثِ الممقوتِ، وكنتُ عند شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى
ذات مرة، فتكلم بعض من حوله لشيخنا بكلام رقيق يحاكي همس النساء! فقال شيخُنا بصوتٍ
ضَخْمٍ فَخِيمٍ: (ارفع صوتك) وكأنَّه يستنكر ترقيقه للكلام.
وقارنوا بين
جدِّ شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في حديثه فيما ترونه مسجلاً، وما فيه من النَّفَسِ
الرُّجُولي، وبين كثيرٍ من ميوعةِ بعضِ من يدَّعِي الدَّعوةَ والعلمَ، وترقيقِهِ
للكلام، لتعرفوا أين كانت البركة؟ وأين حُجبت؟!
وخـــــــتــــــــــــــــــــــــــــــامـــــــــــــــاً:
لا أدري عن
سابق كلامي: أقويٌّ يُحدث الآلام، أم سهلٌ تدركه الأفهام، ولكنْ أحسبُ أنني أريد
الإصلاح ما استطعت، فقد طفح كيل الشكاوي! وفاحت روائح البلاوي، ولا حول ولا قوة
إلا بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين.
وكتبه
بدر
بن علي بن طامي العتيبي
صبيحة
الثلاثاء 19 جمادى الأولى 1436هـ ، الطائف.
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
ردحذفكتب الله أجرك شيخنا وجعلك نوراً يُهتدى به.
ردحذفجزاكم الله خير الجزاء يا شيخ
ردحذفجزاكم الله خيرا،وكتب اجرك شيخنا
ردحذف