من المختارات لكم (87): السلفية الصادقة تعمر المساجد ولا تفجِّرها... يا حمزة

السلفية الصادقة تَعمُر المساجد ولا تفجّرها
السلفية دينٌ حق بين الجمود .... والانفلات ... يا حمزة
سلفية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى
لم تكن "جمودية" ولا "انفلاتية"
وإنما هي تُمضي بدليل وسلف، وتمنع بدليل وسلف.
فاحبُسوا مجانينكم حتى لا تؤذيكم مجانين خلق الله يا حمزة!!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، فقد قرأتُ ما كتبه الكاتب الصحفي حمزة السالم في جريدة الجزيرة بتاريخ 23 شوال 1436هـ وعددها (15654) في مقالٍ تحت عنوان: (سلفية تفجير المساجد) ولا تعجل به أخي القارئ فليس للسلفية في المقال ولا في التفجير ولا في الموضوع مجال! ولكن هو هكذا حسّاس من السلفية لغايتين:
أولاهما:
محبة الظهور على مطية ذمّ السلفية لإحداث ضجة إعلامية كسابقتها منه، وقد رددت عليه في مقال: (http://badralitammi.blogspot.com/2013/09/53.html) وهذا المسلك له فيه "أسلاف" ويلحقه "خلوف!" بين يومٍ وآخر يظهر على الساحة الإعلامية من يريد أن يصل إلى "ترند" الإعلامية عن طريق الشغب على ثابتة من الثوابت، أو إنكار مجمعٍ عليه، أو الطعن في السلفية، أو النيل من عَلَمٍ من أعلام المسلمين، وكما يقال: (خالف وشاغب- تُعرف!)
والثانية:
شيءٌ في نفسه على دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى و"سلفية الدرعية!!" كما سمَّاها في مقاله الأخير، وجرأةٌ على منهج السلف الصالح، كما ستراه في ردّي الآنف الذكر.
وإلا فأصل الموضوع بسيطٌ لا علاقة للسلفيةِ ولا لمحمد بن إبراهيم ولا لشيخِ الإسلام ابن تيمية بل ولا للإرهابين فيه ناقةٌ ولا جمل!
وأصل الموضوع كما صاغه في ثنايا مقاله: (اختلاف أحكام الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقع، واختلاف فتاوى الخلفاء الراشدين) وهو ما يُعبَّر عنه بـ: (تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان) فضرَبَ حمزة السالم جوانب الموضوع بغير استقراريةِ ذهن، ولا ثباتِ قلم! فانتقل من مسألة إلى مسألة، وتجرأ على شيخ مشايخنا الإمام محمد بن إبراهيم ووصفه بـ(الخضوع لغلبية التبعية!!) كشيخ الإسلام ابن تيمية! ثم قفز إلى أمِّ رأس القرضاوي، وشتمه وهو ليس من السلفية في شيء!
وصنيعه كما قلتً من قبل واليوم- صنيعُ العيِّ الذي يريد أن يوصل معلومة ولا يدري كيف يقول! ومن سمعه في لقائه بعبدالعزيز قاسم سيعلم ذلك يقيناً، ولسانه أعيا من قلمه، والله المستعان.
وخلاصة القول أجملها في ثلاثة أصول:
أولها: أن دينَ الله تعالى صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان.
وصلاحيتُه لا تعني مخالفته أو الإحداثَ فيه بما لم يأذن الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا تعني صلاحيتُه أن تدغدغ مشاعر أعداء الإسلام بهدم ثوابته.
ولا تعني أن نعطَّل النص من مدلوله والعمل به بالكلية.
ولا تعني أن ننقض إجماعاً انعقد بالجبال الرواسي من الصحابة والتابعين وأئمة الدين.
ولا تعني تنقص العلماء السالفين ووصفهم بالسذاجة وعدم سعة المعرفة.
ولا تعني أن نتنصَّل من هويتنا الإسلامية، وثوابتنا الدينية، إرضاء للغرب ورغباته.
دينُ الله تعالى باقٍ، وصراطٌ مستقيم، وحقٌ قويم، وفيه الحياة الطيبة، والهدى والنور، وعندما نرى تعدد الفتوى، وتغير الحكم، فإنّ ذلك لم يكن مجرداً من "العلة" و"الحكمة" متبعاً للهوى ورغبات الآخرين، بل كان ذلك التغير بدين وشرع ودليل، فالحكم يتغير بتعدِّدِ علِلِه، وتنوُّعِ صورِهِ، كما هو معلومٍ عند الفقهاء، وهو ما يسمى بـ: مقاصد الشريعة، وقواعد الفتوى، كما بينه الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" والشاطبي في "مقاصد الشريعة".
فنعم يا حمزة: الفتوى تتغير، ولكن تغيرها من حكم إلى حكم بشرع ودليلٍ وسلفٍ أيضاً، وليس ذلك بالهوى واسترضاء الغرب!
فلا تقل يا حمزة: (نحن لا نتطور، ولا نصنع، ولا نستطيع حلا لأي إشكالية طارئة، ولا نستطيع الاستقلال عمن يزودنا بالتطبيقات. فالعقلية الفقهية المقلدة الحافظة للتطبيقات - وهي الفتاوى والآراء- دون فهم أصولها من الوحي، غطت على الفكر العربي، عموماً وعندنا خصوصاً).
بل طوّرْ، واصنعْ، وحلَّ المُشكلات، وصارعْ المُعْضِلات، ولا تجعل الشريعة ذريعة لفشلك! فالشرعُ يناديك للتطوير والصناعة، والابداع والتقدم، وإعداد القوة، ومواكبة المتغيرات، ولكن مع حفظ الثوابت، والحفاظ على الهوية الإسلامية.
الأصل الثاني: أن السلفيةَ صراطٌ مستقيمٌ بين "الجمود" المذهبي و"الانحلال" عن الاتباع، فهي تجمع بين الأصالة والتجديد، فليس الجمود المذهبي داؤها، بل المذاهب الفقهية المشهورة فيها من الجمود ما فيها، ولو ناقش المسألة من هذا الجانب لكان له وجهة من النظر والصواب، فيما هو معلوم من "التقليد" المذموم، و"الجمود" على أقوال أئمة المذاهب، والسلفية ضدّ هذا الجمود، مع اعترافها بفضل فقهاء الإسلام، وأئمة المذاهب المتبوعة وغير المتبوعة.
وأقرب مثالٍ على مرونة السلفية المعاصرة؛ ما نحن فيه في هذه البلاد المباركة من أولِّ تأسيسها إلى اليوم، والسلفية منهج حكامها وعلمائها، وقد رسَمَت خيرَ مِثالٍ، في الثبات على منهج السالفين، مع التطوير والتجديد والتقدم، وأعظم ما تشرف به النفوس في "السلفية الصادقة" في هذه البلاد المباركة، أنها إن وجدتَ مسلكاً شرعياً للمواكبة والتجديد فيما هو خير، أو تغير الفتوى: انتهجته بدليل وأصل شرعيٍ.
وإن لم تجد إلى ذلك سبيلاً، فإنها "تثبت" ومن رَضِي فَلَهُ الرِّضا، ومن سَخِطَ فعليه السُّخْط، وهذا معلوم ومشهور في مواقف المملكة الثابتة من كثير من القضايا.
وخلاصة القول: أن سلفيةَ الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى لم تكن "جمودية" ولا "انفلاتية" وإنما هي تَقْبَلُ بدليلٍ وسلف، وتمنعُ بدليل وسلف.
وليست كتابات الشيخ محمد بن إبراهيم وفتاويه مرجعاً للمتطرفين يا حمزة، فلم يكن ما يُفتي به ويقول من: رغبته وهواه، وإنما هو من الوحيين وكلام السالفين، واعتبار مقاصد الشريعة، ومن عرف فقه الشيخ محمد وفتاويه، وقوة ثباته، وبعد نظره، ودقة فقهه، يرى فيه قوة الاتباع بين حافتي "الجمود" و"الانفلات" الفقهي.
والشيخُ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى من أبعد الناس عن التطرف والخروج على السلاطين، واستباحة دماء المسلمين، وكلامه ومواقفه من الخارجين على ولاة الأمر في زمانه أشهر من أن يُذكر.
ومن تزعم بأنهم اتخذوه مرجعاً لهم، إنما هم اتخذوا بعض كلامه مَرْجعاً فيما يوافق أهواءهم وتركوا البعض الآخر، كما هي حال أهل الأهواء، في اتباع المتشابه وترك المحكم في كلام الله تعالى الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران: 7].
وهذا حالُ كثيرٍ من الكُتَّاب العصرانيين اليوم!! فهم والإرهابيون المتطرفون وجهان لعملة واحدة، وكلٌّ منهم يأخذ من نصوص الشريعة وأقوال الفقهاء وقضايا التاريخ ما يوافق هواه، ويترك ما يخالفه.
الأصل الثالث: وَصَف حمزة السالم منهج الخوارج المفجِّرين للمساجد بـ: (الفكر السلفي المتطرِّف)، وليس في السلفية تطرّف! فمن تطرَّف فقد خرج عن السلفية، فالسلفية هي الاتباع، وهم خوارج عن السلفية، مارقة عن أهل السنة وجماعتهم، بنص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتطرف لا دين له كما يقال! وإن كان هو دينٌ منشقٌ بذاته، ولكنّه انتكاس عقدي سلوكي يصابُ به خلقٌ كثيرٌ من المسلمين وغير المسلمين، فحشره في السلفية بعيد عن نزاهة الحكم، ودقة التحرير، وإنما هو مسلك من في نفسه شيء على جهة أو طائفة معينة، فيلحق بها كلّ شرٍّ يراه بعينه، بدون بينة ولا برهان، ومن أساء فهم كلام السلف، فالعيب في فهمه لا في منهج السلف، كما هو حال الخوارج الأوائل الذين أساءوا فهم كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فالعيب في فهومهم، لا في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يا حــمـــزة:
سلفيتُنا الصادقة تَعْمُر المساجد في بلدٍ فيه أكثر مساجد الدنيا.
يا حـمــــزة:
سلفيةُ محمد بن إبراهيم التي تعيبها بالجمودية والخضوع لغلبة التبعية! هي التي عمرت مساجد الله تعالى، ورَفعت فيها اسمه، وأقامت فيها الجمع والجماعات، وحلق تحفيظ القرآن الكريم، والدروس والمحاضرات والخطب.
فاعرف من الذين هدموا المساجد، واعرف ما الذي جعلهم يتهورون في تطبيق بعض الأحكام، من كلام بعض أهل الضلال وجرأتهم على دين الله تعالى، ولكلّ قومٍ جاهل، والمجانين تثور إن رأت المجانين أمثالها، ولو عقل هؤلاء لعقل أولئك، فاحبُسوا مجانينكم حتى لا تؤذيكم مجانين خلق الله يا حمزة!!
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
عصر السبت 23 شوال 1436هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني