وصايا مع بداية العام الدراسي

وصايا مع بداية العام الدراسي الجديد
للآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والبنين والبنات
الحمد لله الذي علّم بالقلم، وعلم الإنسان ما لم يعلم، وعلّم آدم الأسماء كلها، وفهّم سليمان، وأمر نبيه وصفيه من خلقه بطلب الازدياد من العلم فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114]  وصلى الله وسلم على نبينا محمد إمام المعرفة، وقدوة العلماء، ومن أخرج الله به من هدى الله من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
أما بعد: عباد الله؛ اتقوا الله العظيم الجليل وراقبوه، وما أمركم به فالتزموا به، وما نهاكم عنه فاجتنبوه، واعلموا أن الله تعالى شرَّف من يشاء من عباده بزينة العلم والإيمان، وذمّ أهل الجهل والهوى والهوان، فكان أولَ مأمورٍ به العلم كما قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد: 19] ونفى المقارنة بين سبيل العالمين وسبيل الجاهلين، فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) وكان رُقي الأمم وتميزُها على غيرها إنما بالعلم، وأشرف العلم وأفضله، وأعلاه وأحلاه العلم بدين الله تعالى، من إفراد العبادة له، ومعرفة شرائع دينه، وما يقرّب إلى الله والدار الآخرة، ثم ما يكون به نفع البلاد والعباد من العلوم النافعة، والمعارف الشريفة.
وإننا بعد ساعات وأمدٍ قصير نستقبل إن شاء الله جميعاً- عاماً دراسياً جديداً، يُقبل فيه البنونُ والبناتُ، على ميادينِ العلم، ومعاقل المعرفة، يفارقون مراقد الراحة، إلى مقاعد النصب في الطلب، ويوادعون الدَّعة، إلى سعة العلم والمعرفة.
من لم يذق مرِّ التعلم ساعةً             تجرع كأس الجهل طول حياته
وقد قيل:
العلمُ ينبي بيوتاً لا عماد له         والجهل يهدم بيت العزّ والشرف
فبه تتجلى صفة عباد الله الربانيين، كما قال تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) وبحباله تقوى الخشية من الله تعالى، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) روى أبو داود عن قيس بن كثير رحمه الله - قال: كنتُ جالساً مع أبي الدَّرْدَاء في مسجد دِمَشْقَ، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء، إِني جئْتُكَ من مدينَةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تُحَدِّثُه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ما جئتُ لحاجة، قال: فإِني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن سَلَك طريقاً يطلبُ فيه علماً: سلك الله بِهِ طريقاً من طُرُق الجنَّة، وإن الملائكة لَتَضَعُ أَجْنِحَتها رِضىً لطالب العلم، وإن العالم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَن في السماوات ومَن في الأرض، والحيتَانُ في جَوف الماء، وإن فَضْلَ العالم على العابد كَفضل القمر ليلة البدر على سائرِ الكواكب، وإِن العلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يُوَرِّثُوا دِيناراً ولا دِرْهماً، وَرَّثوا العلم، فمن أَخَذَهُ أخذ بِحظٍّ وَافِر» .
فأي شرفٍ أعظم وأعلى من شرف العلم وأهله؟ وقد قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فيا عباد الله؛ إني أجملها وصايا عابرات مختصرات، عند أول مضمار انطلاق الطلاب والطالبات في تحصيل العلم والمعرفة، وأوّل من هو أحق بالوصية:
الآباء والأمهات؛ فينشأ ناشئ الفتيان فينا على مكان عوّده أبوه، فيا معاشر الآباء: أبناؤكم ثماركم، أبناؤكم أحلامكم، أبناؤكم شعاركم وفخركم وكسبكم بين العالمين، رقيّهم يزيدكم، وعلوّهم يرفعكم، ونجاحهم يسرّكم، وما يُصب عليهم من الله من فضلٍ هو لهم ولكم، ويقال: بيّض الله وجهه ووجه أبيه! فاجتهدوا في أولاً في دعاء الله تعالى بصلاحهم، ونجاحهم، كما هو شأن عباد الله المرسلين، وأوليائه الصالحين، كما قال إبراهيم u: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم: 40] ويقول الله تعالى عن الصالح من عباده: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف: 15] ويقول: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
فلا حول لنا ولا قوة إلا بالله، ولا نملك لهم من دون الله شيئاً، فهو الهادي إلى سواء السبيل، فأكثروا من الدعاء بصلاح الأبناء والبنات، وسؤال الله لهم التوفيق والنجاح.
ثم اجتهدوا يا عباد الله تعالى في متابعة الأبناء والبنات في دراستهم، وحضورهم وانصرافهم، وإنجاز ما أسند إليهم من واجبات، فهذا من تمام المسؤولية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها، والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ».
واعلموا أن الابن يقضي من يومه ست ساعات في ميادين التعليم، أي ربع يومه وهو بعيد عن أنظار الوالدين، فماذا اكتسب؟ وأي شيء تعلّم؟ ومع من يمشي؟ فإن شعر الأبناء بالمتابعة حسنت طباعهم، وكمل سلوكهم، وتم الحفاظ عليهم من مسالك الردى، ورفقاء السوء، فلا تغفلوا عن أبنائكم وبناتكم، فهم من ثمار جهودكم؛ إن أحسنتم كانت العاقبة بصلاحهم، وإن أسأتم وقصرتم فالعاقبة: خيبة الآمال، ودمار الأحلام، نعوذ بالله من سبيل الهالكين.
والوصية الثانية: للمعلمين والمعلمات؛ أعانكم الله على حفظ الودائع، والقيام بالأمانات، وقد تم اختياركم لمهمة الأنبياء، وسبيل المرسلين، بتعليم الناس الخير، فاحتسبوا الأجر عند الله تعالى؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله وملائِكَتَه وأهْلَ السَّمواتِ والأرضِ - حتى النَّملةَ في جُحْرِها، والحيتان في البَحْرِ - لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ» أخرجه الترمذي.
فاجتهدوا يا معاشر المعلمين؛ في النصح لأبناء المسلمين، وعلموهم كلّ خير، وأرشدوهم إلى كلّ فضيلة، واجتهدوا في الصدق في تعليمهم، ومتابعتهم، وإكرام المحسن، وتنبيه الغافل، وتأديب المتواني، ومتابعة ولي الأمر، وأهلِ الاختصاص بأي خللٍ سلوكي، أو قصورٍ معرفي، فإنه أمانة بين أيديكم، والمسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يخذله ولا يُسلمه، فلا تُسلموا أبناء المسلمين إلى الشرّ وأنتم ترون! فمن رأيتموه على مشارف الهاوية، وعلى ضفاف المهالك، في مستواه التعليمي أو الأخلاقي، فإنما هو أمانة بين أيديكم، وابنٌ لأخيك المسلم وكأنه ابنك، فبادر في انقاذه، واجتهد في رعايته وحمايته ووقايته، فهم في الصفّ رعية تحت يديك، والله قد ولاّك عليهم، يتخلقون بأخلاقك، ويتعلمون مما علمك الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ» متفق عليه، وهم ورثتك من غير صلبك، سيعرفون فضلك إن أحسنت، ويدينون لك بالإحسان والإكرام مدة حياتك، وبعد مماتك، ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكمن فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله:
أما بعد فيا عباد الله؛ فاتقوا الله وراقبوه في السرّ والعلانية، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ثم ليعلم الأبناء والبنات؛ أنهم: الحلم الكبير، والأمل المرتقب، فمن حين بُشر الأبوان بولادة الابن والبنت، إلا وتنبع القلوب بأسمى مشاعر الفرح، وأبلغ دلالات السرور، ثم تُبنى من حينذاك الأحلام، وتُنسج خيوط الأمل، فيؤمّل أبوك وأمك فيك أيها الطالب؛ أن تكون عالماً .. طبيباً ... مهندساً ... رجل أمن ... رمزاً من رموز الدولة، وفخراً من مفاخر المجالس، وشرفاً يسمو به الأب والأم بين العالمين، فإياك إياك يا طالب العلم أن تهدم الأحلام، وأن تدمر قواعد الأمل، وأن تعود لهما بالحسرة والندامة، فلهم عليك حق كبير، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، كما تعبوا عليك، وكما سهروا من أجلك، وكما بذلوا المال والراحة والنوم لراحتك وغناك، لكي تعود إليهم بالشهادات العليا، وأفخر مراتب الدين والدنيا، فالوفاء الوفاء يا معاشر الطلاب، اجتهدوا، واصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، والنصر مع الصبر، والظَفر مع الرباط، والعلم لا يؤتاه الكُسالى، ولا يناله البطالون، ولن يناله الطالب؛ إلا ببكور كبكور الغراب، وصبرٍ كصبر الجماد، وهمةٍ تعانق السحاب، وحرصٍ على الحفظ والكتابة والمذاكرة، ولا تنس الصديق الناصح، فهو الذي يناديك إلى المعالي، واحذر من الصديق الذي يدعوك إلى التراخي والهوان، واللعب والطيش، فهذا وإن أضحكك اليوم، وآنسك في الحاضر، فإنه لن يعيد لك الماضي، ولن يرجع لك الأيام، حينما تندم على فوات الأوان، وتصرم الأزمان، وترى أقرانك في الدراسة في معالي الرتب، وأنت في دنايها ودنيّيها، وعليك باللجوء يا طالب العلم إلى الله تعالى بسؤال الفهم والعلم، وقل: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، وقل: ربي زدني علماً، وقل: رب اشرح صدري ويسر أمري، واحرص على تقوم البنان بكثرة الكتابة، وتقويم اللسان بحفظ القرآن وتلاوته، وتنشيط الذهن بالتمارين الرياضية، وحل الألغاز الذهنية.
عباد الله:
هذه وصايا من قليل الكثير، الواجب علينا في ميدان العلم والتعليم، فاعقلوها وتمسكوا بها، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وقال النبي r: (من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا).
اللهم صلّ وسلم وبارك وزد على نبينا محمد r وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين...عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني