من المختارات لكم (92): فتوى في حكم لبس النقاب للمرأة وضوابطه

بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى في حكم لبس النقاب للمرأة وضوابطه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فتوضيحاً لما سبق وأن تكلمتُ عنه بأن عين المرأة ليست من العورة بدلالة ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في لبس النقاب في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم عن المحرمة: (ولا تنتقب) حيث دل ذلك على أن النِّقاب لها جائز في غير الإحرام، والنقاب في لغة العرب من النَّقب، وهو الثُّقْبُ، وهو غطاء على وجه المرأة تظهر منه العينان، واللِّثام صورة من صور النقاب، وتختلف أسماؤه باختلاف القدر البادي من الوجه، قال أبو عبيد في "الغريب" (2/ 414): (قال الفرَّاء: فإذا أدنتِ المرأةُ نِقابها إلى عينيها فتلك الوَصْوَصة، فإنْ أنزلته دُون ذلك إلى المِحْجَرِ فهو النِّقَاب، فإنْ كان على طَرفِ الأنفِ فهو اللِّفام، فإنْ كان على الفم فهو اللِّثام).
فإن دنى طرف النقاب إلى أضيقه فلا يرى منه إلا أشفار العين فهو الوصوصة، أو الترصيص، وفي "تهذيب اللغة" (12/ 79) (عن أبي عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: النِّقابُ على مارِنِ الْأنف. قَالَ: والترصيص: ألاّ يُرَى إلاّ عَيناهَا وتَميمٌ تَقول: هُوَ التَّوْصيص بِالْوَاو وَقد رَصّصَتْ ووَصّصَتْ.
وقال سلَمة عَن الْفراء قَالَ: رَصَّص: إِذا ألحّ فِي السُّؤَال، ورصصَ النِّقابَ أَيْضا.
وقال ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: رَصرَصَ: إِذا ثَبت فِي الْمَكَان.
وقال أَبُو عَمْرو: الرَّصيص: نِقابُ الْمَرْأَة: إِذا أدْنَتْه من عينيْها) انتهى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" (4/ 464): (فإذا كان النقاب لا يبدو منه إلا العينان قط فذلك الوصوصة واسم ذلك الشيء الوصواص وهو الثوب الذي يغطى به الوجه وقال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصا
قال: وإنما قال هذا محمد لأن الوصاوص والبراقع كانت لباس النساء ثم أحدثن النقاب بعد ذلك) انتهى.
فإذا زاد النَّقب إلى ظهور محجر العين، فهو النقاب، قال الخليل في "العين" (5/ 180): (والنِّقابُ: ما انتقبت به المرأة على محجرها) فلا يبدو منه إلا المحجر.
وفي "العين" أيضاً (3/ 74): (قال النابغة:
وتَخالُها في البَيتِ إذْ فاجَأتَها      وكأنَّ مَحْجِرَها سِراجُ الموقِدِ
وما بَدَا من النِقاب فهو مَحْجِر).
والبُرقع –وزان قُنفذ- من جِنْس النقاب، وفي "العين" (2/ 298): (البُرْقُع: تلبسه الدواب ونساء الأعراب، فيه خرقان للعينين، قال:
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت     فقد رابني منها الغداة سفورها).
(والبُخْنُق: البُرْقُع الصغير) كما في "الغريب" لأبي عبيد (2/ 413).
ونقل إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (1/ 237) (عن الأصمعي: المحجر: فجوة العين, وما بدا من النقاب وقال ابن الأعرابي: المحجر: ما دار بالعين من أسفلها من العظم).
وفي "جمهرة اللغة" (1/ 437): (محجر الْعين: مَعْرُوف وَهُوَ مَا يظْهر من النقاب).
وفي "تاج العروس" (10/ 544): (المَحْجِرُ (مِن العَيْن: مَا دارَ بهَا وبَدَ مِن البُرْقُعِ) مِن جَمِيع العَيْن، (أَو) هُوَ (مَا يَظْهَرُ مِن نِقابها) ، أَي المرأَة، قَالَه الجوهريُّ. وَقَالَ الأَزهريُّ: المَحْجِرُ: العَيْنُ، ومَحْجِرُ الْعين: مَا يَبْدُو مِن النِّقاب، وَقَالَ مرَّةً: المَحْجرُ مِن الوَجْه: حيثُ يَقَعُ عَلَيْهِ النِّقَابُ، قَالَ: وَمَا بدَا لكَ من النِّقاب مَحْجِرٌ، وأَنشدَ:
وكأَنَّ مَحْجِرَهَا سِراجٌ مُوقَدُ
وَقيل: هُوَ مَا دَار بالعَيْن مِن العَظْم الَّذِي فِي أَسْفَلِ الجَفْنِ، كلُّ ذالك بفَتْح الميمِ، وكسرِ الجيمِ وَفَتْحِها).
إذا تبين ما تقدم؛ فإنه لا حرج على المرأة أن تلبس النقاب، وهو من الزينة الظاهرة، بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم النقاب لنسائه ونساء الصحابة، وفي صحيح البخاري أن سمرة بن جندب قبل شهادة امرأةٍ منتقبة، دلالة على الاكتفاء بمعرفتها بعينيها.
ومع القول بجواز النقاب، تجتنب المرأة للكحل –احتياطاً- لأنه مدعاة للفتنة، ولا يجوز لها أن تزيد عن إظهار العين فتظهر الحاجبين والوجنتين والخدين، وقد سُئل شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى عن لبس البرقع والنقاب والاكتحال للتجمل فأجاب في "مجموع فتاويه" (10/ 58): (يجوز تجمل المرأة بالكحل في عينيها بين النساء، وعند الزوج والمحارم، أما عند الأجنبي فلا يجوز كشفها لوجهها ولا عينيها المكحلتين؛ لقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ولا بأس باستعمال البرقع الذي تظهر فيه العينان أو إحداهما، لكن من دون تكحل عند الأجنبي. والمراد بالأجنبي: من ليس محرما للمرأة؛ كأخي زوجها، وعم زوجها، وابن عمها، وابن خالها، ونحوهم. سواء كانوا مسلمين أو كفارا).
أما ما رواه عبدالملك بن حبيب في "أدب النساء" (ص: 286) عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأةٍ اكتحلت بين يدي رجلٍ ليس لها بمحرمٍ أمر الله الملائكة أن يلعنوها ولا يقبل الله منها صرفاً، ولا عدلاً ما دام ذلك الكحل في عينها!).
فهو حديثٌ باطلٌ لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم حديثاً يمنع من الكحل، وقد روي عن جماعة من السلف أن الكحل من الزينة الظاهرة المأذون بها، ولكن تركه عند غير المحارم أحوط لأنه مما يجمل العين، فتكون مظنة للفت الأنظار والفتنة، خاصة وقد توسّع الكثير من النساء في الكحل، وتكثيف سواد العين، ولبس العدسات مما يفتن ويجلب الأنظار.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/ 168) السؤال الثالث من الفتوى رقم (3618): ما حكم الإسلام في حجاب المرأة، وما الفرق بين الحجاب والنقاب، وما هو لباس الشهرة في الحجاب؟
فأجاب السادة العلماء: (ستر المرأة عورتها حتى الوجه عن الأجانب من الرجال واجب، وكشفها حرام، ويسمى ستر ذلك حجابا، وضده يسمى سفورا، والنقاب: ما تستر به المرأة وجهها وتجعل فيه فتحة أمام عينيها لترى الطريق في سيرها، ولباس الشهرة ما يلفت النظر ويثير العجب والضحك، وليس منه ما يستر العورة، فإنه لا يثير العجب ولا الضحك إلا من ضعفاء الدين وسفهاء الأحلام. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).
ومتى زاد النقاب عن حدّه فأخرج الحاجبين والوجنتين أو الخدين فإنّه يكون سفوراً، وتأثم المرأة به، وتسمى سافراً!
ومع القول بجواز إظهار المرأة لعينيها فالواجب على الرجل غض البصر، امتثالاً لأمر الله تعالى، ولو كانت المرأة محجبة حجاباً كاملاً فإنَّ هذا لا يبيح له أن يديم النظر إليها، أو إلى ما ظهر من زينتها المباحة.
وكذلك من شأن من نشأت على الحياء والعفاف؛ أن لا تبرز للرجال، وتحضر مواطن اجتماعاتهم، وتطلق النظر إليهم، وهم كذلك يمعنون النظر فيها، وفي زينتها الظاهرة، وكل ذلك اتقاءً للفتنة، ودواعي الشر.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بدر بن علي بن طامي العتيبي.

ضحى الاثنين 5 محرم 1437هـ - الطائف

تعليقات

  1. تخبيص جمهور السلف على جواز كشف الوجه كاملا
    بل وعلى جواز النظر الى وجه المرأة بدون شهوة
    ولكن الظاهر ان الشيخ العتيبي يقدم كلام شيخه ابن باز على أقوال السلف
    وبعدها يتحدث عن التعصب الطائفي!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني