من المختارات لكم (91): كشف الجهل والتخريف فيمت قاله لؤي الشريف

كشف الجهل التخريف
فيما قاله لؤي الشريف
وزعمه أنّ القرآن الكريم نزل باللغة الآرامية السريانية!
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد اطلعت على كثير من المشاهد المرئية للمدعو: (لؤي الشريف) تكلَّم فيها بعجائبِ القولِ وسخافاتِ العُقولِ، والجرأةِ على دين الله تعالى وكتابِهِ وسنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتاريخِ الإسلامي بل والعربي بما لا يتكلم به إلا جاهلٌ ما شمّ للعلم رائحة، يطير خلف كلّ مقالةٍ غادية ورائحة! والرَّجلُ على منهجٍ غيرِ سويٍّ بِصريحِ قوْلِه حيثُ يرى ما يراه الزنادقةُ بأنّ إسلام المرء لا يكون إلا بعد الشك! والحيرة والنظر، ويقول بنص كلامه: (أنا مسلم لأني بحثت واطلعت وشكيت، وليس لأني ولدت مسلماً) وهذا عينُ كلامِ كثير من زنادقة العصر الحاضر، ومن يروِّجُ لهم من أهل الضَّلال كما في كتابات عدنان إبراهيم وحسن المالكي [وينظر كتابي: حسن المالكي من الإلحاد إلى الإلحاد].
ويزعمون بأنّ الدِّين لا يتمُ في قَلبِ المرءِ حتَّى يخوض في بحورِ الضَّلالِ والحّيرةِ، والشَّك والسُّؤالاتِ المتناقضة، وهذه والله ليست سنة الأنبياء وأتباعهم، وإنما هي سنة إبليس الذي ما نفعته الحيرة والشكوك ولم يعرف فضل الطين على النار! وأما أنبياء الله فـ(هداهم الله) و(اجتباهم) و(اصطفاهم) وأرسلهم (رحمة للعالمين) وكذلك من سار على نهجهم، وما في الوجود أصدق إسلاماً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما مرّ بذرةٍ من شك، ولا عتبةٍ من عتبات الانحراف، وما صادم بين الأدلة الكونية والعقلية، فكيف بأبسط العامة فهماً من قبل البعثة النبوية، وهو يتأمل في الكون وعظمة خلق الله تعالى فيه وإبداع صنعه، ثم يقول: «نجوم تزهر، وبحار تزخر، أحياء وأموات، وعظامٌ ورفات، والبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، والله إنّ لهذا الكون خالقٌ يعبد»؟!
ففرق بين سبيل المهتدين وسبيل الحائرين، والحيرة والشك لا تولّد إلا حيرةً وشكاً على الإنسان؛ ما لم تسعفه رحمة الله تعالى وهداية واصطفاؤه.
وما ضلّ أعداء الرُّسل عليهم الصلاة والسلام إلا بسبب الشك والهوى! كما قال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) [إبراهيم:9- 10].
وهل أضلّ قوم صالح وحملهم على عدائه وحربه إلا الشك، كما قال تعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [هود: 62]؟
وهل استخف قوم موسى عليهم السلام بنبيّهم وأعرضوا عنه إلا بسبب شكوكهم وضلالهم: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [هود: 110]؟
وماذا نفع الشك المشركين حتى حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرضوا عن دينه، قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 104]؟ ولم يقل لهم شكوا في ديني حتى أخبركم بالصواب!
والحيرة سبيل إبليس الرجيم وجنوده، كما قال تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 71].
والشك داءٌ طبّه عند الذين يقرءون الكتاب ويعلمون، وعافاهم الله من داء الشك وآفاته كما قال تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس: 94].
وتأمل قول الله تعالى: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ * وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) [سبأ:49-54].
وتأمل قوله تعالى: (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) فالهداية إنما هي بالوحي المبين والهدى والنور، والشفاء لما في الصدور، ولم تكن لمن كان في شكٍّ مريب.
فهذا الرجل بهذه القاعدة الشيطانية الإلحادية المنحرفة على ضلال مبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعم؛ قد يرد على قلب المؤمن من الشكوك والوساوس ما يرد؛ ومن حقه أن يسأل، وأن يطالب بطبٍّ قلبه، ولكنّ هذه الشكوك إنما ترد على قلوب الذين لا يعلمون، وأما من وفّقه الله تعالى لقواعد العلوم، ودلّه إلى سليم الفهوم، وأمعن النظر في الكتاب والسنة، وحقق معنى الإسلام الدال على الاستسلام والانقياد لله تعالى، وعلم أنّ العلم المطلق لله، وأن للعقل البشري حدوداً يقف عندها لا يستطيع أن يعلمها بما في ذلك الأنبياء، ويكلون علمه إلى الله تعالى، كما خفي عليهم علم الساعة وما استأثر الله بعلمه، وأمر الروح وكيفيتها، وما أوتوا من العلم إلا قليلاً من علم الله تعالى، من كذلك فلن يسري الشك إلى قلبه، ولن تلج الحيرة إلى عقله، وإنما يسلّم الأمر لله تعالى، ويعلم أن الله بكلّ شيءٍ عليم.
فليس من الواجب أن يُجيب العالم عن كلّ شكوك وسؤالات! إما لقصور علمه، أو لغياب العلم عن الناس أجمعين، وهذه حيدةٌ مشروعة، وامتناع مقبول، من الأنبياء والمرسلين، ومن سائر العالِمين، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح لم يجب، فأنزل الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] ولم سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن كيفية استواء الله على العرش في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] غضب، وقال: الكيف مجهول.
فنعم؛ في كتاب الله تعالى، ما لا نعلمه من بعض الوجوه لا من كلّ وجه، كالاستواء لا يعلمه أحدٌ من جهة الكيفية، وإن كنا نعلمه من جهة الدلالة والمعنى، وندرك الثمرة من الإيمان بذلك من إثبات علو الله تعالى، وقيوميته على الخلق أجمعين.
وما خفي علينا من القرآن الكريم هو من المتشابه الذي أمرنا الله تعالى بالإيمان به والتصديق، وعدم ردّه والشك فيه، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7].
وقد نسج لؤي الشريف جهالات وخيالات بل مغالطات للواقع زعم فيها أن المعلمين يعرضون عن جواب سؤالات الطلاب ويكشفون شكوكهم! وأورد عدة أمثلة زعم أن المعلمين في المدارس لا يجيبون عنها بوضوح! وكأنها من أغاليط المسائل وأغاليظها! وأنه لا يوجد من تكلم عنها، وهي مسائل معروفة مكشوفة، وقد تكلم عنها العلماء من قبل مئات السنين وبينوها، وأوضحوا الجواب الشافي، والحل الكافي لها.
ثم نصب الشريف نفسه مجيباً عن هذه الأسئلة بأسلوب مختصر رصين! وهو ما بين الصواب والخطأ، فيها كما سيأتي.
وسريرة الرجل أمرها إلى الله تعالى، ولكن من يتابعه اليوم! ليذكر فيما بعد هذه الانحرافات: (الإلحاد) و(العقلانية) و(الرفض والتشيع) ولكلّ والشرارة تعقب ناراً ودخاناً، والله المستعان.
ومن تلك التضاربات والشكوك التي توهمها الشريف، وأجاب عنها بغير هدى ونور، وخلط فيها ما خلط:
أولهــــا: توهم تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» والحديث في صحيح مسلم وغيره، وزعم أنه يعارض قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [الممتحنة: 8].
وأجاب بجوابين أحدهما محله محلّ قبول؛ وهو تنزيل الحديث على المحاربين من اليهود والنصارى، وهذا قول في الجمع بين الآية والحديث.
والثاني: رد الحديث وإبطاله! لأنه بزعمه يناقض القرآن، ولا شك أن من دلائل ضعف الحديث "مناقضته" للقرآن أو متواتر السنة أو صريح العقل، وهذا لا إشكال فيه، ولكن الإشكال هو "إثبات هذا التناقض" أولاً، فليس كل ما تعارض علينا فهمه وأشكل يكون متناقضاً، فلا يُقبل الحكم بالتناقض والتعارض إلا من أهل العلم وهو ما يسمى عندهم بـ: المشكل ومختلف الحديث، وهذا قليل بالنسبة إلى كثير النصوص النبوية، وإن ثبت التناقض المتني للحديث فلابد وأن فيه علة إسنادية ظاهرة أو خفية، ويستحيل أن يوجد حديث صحيح الإسناد من كل وجه، ثم يكون باطل المعنى، مناقضاً للقرآن والسنة والعقل، هذا ما لم يوجد بحال والحمد لله.
فالقاعدة التي أطلقها الشريف بقوله: «أن أي حديث يناقض القرآن لا يقبل!» صحيحة بشرط إثبات التناقض أولاً في مفهوم العلماء الراسخين لا في مفهوم أهل الريب والشكوك.
والثــــاني: ذكر حديث: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي» وزعم أن المدارس "يكذبون" على الناس، وعلموهم أن الحديث في "صحيح مسلم" و(أن الأمانة العلمية في ضياع!!) وزعم الشريف أن هذا كذب، وأن الحديث بهذا اللفظ في موطأ مالك وقال: «بلغني!» وأنه للظروف السياسية! ونصب العداء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غُيّر لفظه، وأن الصواب أنه بلفظ: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي» وزعم أن هذا اللفظ في "صحيح مسلم" !!
وهذا كذب، ولفظ مسلم (4/ 1873): «وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
وأما لفظ: «يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» وهو عند الترمذي ولم يروه مسلم.
والحديث صحيح باللفظين، في ذكر السنة وذكر العترة، وما رواه مالك في "الموطأ" من بلاغاته الصحيحة، وهو موصول عند الحاكم في المستدرك والبزار وغيرهما.
والثــــالث: قتال علي ومعاوية رضي الله عنهما، ومن المصيب ومن المخطئ، وكيف يُترضى عن الجميع؟ وزعم أن الجواب عند الكثير عن ذلك فيه هروب وحيدة! ثم قال: «كان فتنة والمصيب في كل الحروب في النهروان وصفين والجمل هو علي، وغيرهم كانوا مخطئين!» وإنما يكف عنهم لأنهم أموات! وساوى بين معاوية وأهل النهروان!
وهذا زيفٌ وتخريف، فمما اتفق عليه السلف أن الصحابة رضي الله عنهم قريبون من كلّ خير، وأنهم أحرص الناس على الحق وطلبه، وربما بعضهم يتأول في طلب الحق ويخطئ، ومن أخطأ فهو مجتهد مأجور غير مأزور، وأن ما حصل بين علي ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم من ذلك، وأن الإشكال ليس في التصويب والتخطئة، ولكن الإشكال في التعامل مع المصيب والمخطئ، فأهل السنة يقولون: رضي الله عن الجميع وأرضاهم، وغفر لهم، وجمعهم في جنات النعيم، ولا منافاة بين التخطئة والترضي، فلو قيل بأن المخطئ هو معاوية رضي الله عنه، فإنه لا يفسد شرف الصحبة، ولا فضل الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، والجهاد معه، واستئمان النبي صلى الله عليه وسلم له في كتابة الوحي الذي يقرأه الناس إلى اليوم.
وأما من يستغل هذه الفتنة للنيل من معاوية رضي الله عنه ولعنه بل ربما تكفيره فإنَّ هذا من دين الظالمين الرافضين الزنادقة، ولا يُنظر فيه، ولا يهتم به، وهم أبعد الناس عن الصدق والعدل وحبّ الصحابة بما فيهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الرافضون لسبيلهم.
والرابــــع: قول الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة: 30] وزعم هذا الجاهل أن اليهود لا يقولون ذلك كلهم، وإنما بعضهم! مستنداً إلى ما في بعض موسوعاتهم!
وأقول: صَدَق الله وكذب لؤي الشريف ومن رجع إليهم، والله تعالى يعني ما يقول، وكلامه حجة بمنطوقه ومفهومه، وما ربنا بظلام للعبيد، ولو أراد الله تعالى (بعض) اليهود لذكر ذلك، كما قال تعالى فيهم وفي النصارى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 75] والله حكم عدلٌ أخبرنا بأن اليهود يقولون: عزير ابن الله، فنؤمن ونصدق، ولو قال: بأن هذا قول اليهود الأوائل والآخرون تركوا هذا القول كان أعدل، ويكون الوصف لأصولهم لا إلى هؤلاء، ومن رضي بقول الأوائل فهو تبع لهم وإن لم يقل بقولهم، كما رضي اليهود المتأخرون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم بصنيع أسلافهم في قتل الأنبياء وقال الله عنهم: (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران: 112] وقال: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة: 91] ونسب قتل الأنبياء إليهم، مع أنه لا نبي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المراد صنيع أسلافهم، فنسبه للخلف لرضاهم بما فعل أسلافهم وعدم براءتهم منهم، وكذلك هؤلاء الراضون بقول أسلافهم بأنَّ عزيراً ابن الله.
فهذه خمسة مواطن أوردها الشريف في كلامه على هذا الرابط: (https://www.youtube.com/watch?v=wIAaWW2c2wA) وتكشف مبلغ تيهه وضلاله.
فصل
وأما ما يتعلق بأصول القرآن العظيم، وزعمه: أن اللغة العربية أصولها آرامية سريانية، فهو دجال كذاب في ذلك، بل ومتناقض لمن نظر في كلامه وسمعه، فتارة المفارقة بين اللغة العربية والعبرية السريانية، وتارة يزعم أن العربية هي لهجة من العبرية السريانية، وهذا تناقض ظاهر، وقد قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) [النحل: 103] ففرق الله تعالى بين لسان ذلك الأعجمي ولسان النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء عليه القرآن، والسريانية لغة أعجمية ليست عربية،  ثم أورد عدداً من الكلمات وجاء بمعناها السرياني، وزعم أنها هي الصواب في التفسير، من ذلك تفسير اسم (الصمد) لله تعالى، وزعم أن المفسرين تاهوا في تفسيره، وما جاءوا بشيء! وأن الصواب أنه من (السمد) بالآرامي وهو الطريق، فالله هو الطريق! الذي أقصده في طلب الحاجات!
والذي فسّر الصمد هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نزل القرآن الكريم بلسانهم، وشهد النبي صلى الله عليه وسلم بفضلهم وعلمهم بالتأويل كابن عباس وابن مسعود، قال عكرمة، عن ابن عباس: «يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم».
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار».
وقال الأعمش، عن شقيق عن أبي وائل: «»(الصمد) السيد الذي قد انتهى سؤدده» ورواه عاصم، بن أبي وائل، عن ابن مسعود، مثله.
وقال مالك، عن زيد بن أسلم: «(الصمد) السيد».
وقال الحسن، وقتادة: «هو الباقي بعد خلقه».
وقال الحسن أيضا: «(الصمد) الحي القيوم الذي لا زوال له».
وقال عكرمة: «(الصمد) الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم» [تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 528)].
وتفسير الصمد بالطريق تفسير قاصر من حيث الدلالة، فالآيات تدل على الأحدية لله تعالى، فهو الأحد، وهو الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فكذلك الصمد لابد وأن يكون معناها ما يتضمن معنى الأحدية، وعلى ذلك كان تفسير أئمة التفسير فيمن تقدم، أما الطريق فلا دلالة على الأحدية بالمطابقة، فالطرق كثيرة!
ومجرد التوافق أو القرب من التوافق بين الكلمات العربية وغير العربية لا يبيح لنا تفسير القرآن الكريم بدلالة أي لغة من اللغات سوى المفهوم العربي، لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم لا بلغة غيرهم.
وزعم الشريف أن القرآن «متخمهكذا قال- بالكلمات والجمل السريانية، وأن أكثره سرياني! وزعم أنه لن يُستطاع فهم القرآن إلا بإتقان اللغة السريانية وقال: «الكتاب عربي لكن يستحيل فهمه 100% إلا إذا كان عند المفسر والقارئ معرفة باللغة السريانية».
بل زعم أن حروفه التي كتب بها القرآن كانت سريانية في الخط القديم!
وهذا جهل بالتاريخ واللغة والشرع، بل كانت كتابة يهود غير كتابة العرب، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت: «يا زيد تعلم لي كتابة يهود فإني ما آمنهم على كتابي، فقال زيد: فحذقته في نصف شهر».
 فدلّ على الفرق بين رسم اللغة العبرية ورسم اللغة العربية، ويكشفها ما قام هو بكتابته من حروف سريانية آرامية وهي لا تشابه شيئاً من حروف العربية.
ومن سخيف قوله أن حروف اللغة العربية اثنان وعشرون! وأن الـ (س) و(ش) و(ص) و(ض) و(ط) و(ظ) و(ع) و(غ) و(ف) و(ق) ونحوه ما فرق بينها إلا النقط وأنها حرف واحد! فرق بينها النقط، كذب، وقد فرق بينها لسان العرب، وعدوا استخدام حرف مكان حرف منها في مواطن من قبيح اللحن، وإن جاز استخدام الحرف وقرينه في مواطن لاتساع الدلالة اللغوية، واستخدام العرب، كما في (س) و(ص) في مواطن معلومة مسموعة، ونحو ذلك.
ثم أورد الشريف الكلام عن (جهنم) و(عدن) و(ربانيين) و(عليين) و(أبّى) و(نجم) و(فراغ) و(ربّ) و(تبارك) و(الكفار) و(اجتبينا) بتفسيرات عجيبة، يوهم في كلامه أن المفسرين ما جاءوا لها بتفسير يوضح معناها!
وخاض الشريف في موطن آخر في الحروف المقطعة، وفسر (ألم) بـ: صمتاً، و(الر) بـ(تأمل وتبصر) و(طه) بـ: يا رجل، و(كهيعص) بـ: هكذا يعظ.
وهذا في مجمله من قبيل التحكم والجهل من المذكور، ومنها ما قد يكون صواباً لما كان أصله في كلام الله تعالى من السريانية، فالقرآن العظيم وإن كان عربيّ اللفظ، إلا أن من ألفاظه ما ليس عربياً، لأن العرب كانوا يستخدمون تلك الألفاظ في مكة، وليس في القرآن العظيم من اللغات الأخرى ما لم يكن يفهمه عرب مكة الذين هم أفصح الناس لساناً، وأعربهم فيما ينطقون، وهي قليلة بالنسبة لعموم كلام الله تعالى.
وأما الحروف المقطعة، فللعلماء في الكلام عنها الشيء الكثير من التأويل ما بين مسلّمٌ مثبت، ومقتصد معتدل، ومتكلّف في بعض التأويلات التي ما جاء به دليلٌ يقبل، مع الإقرار أن الله تعالى يستحيل أن يخاطبنا بما لا معنى له، والقرآن موصوف بأنه هدى ونور وبيان وتبيان، ولكن قد يكون من "حقائق" و"دقائق" المعاني والكيفيات ما يخفى علينا، فنعلم منه وجه، ويخفى علينا وجه آخر، والراسخون في العلم يعلمون منه ما لا يعلمه من دونهم، والحروف المقطعة ليست مجهولة المعنى من كلّ وجه، وأعدل الأقوال وأصحها أنه تقرأ مقطعة لا موصولة، دلالة على أن ما يأتيكم من كلامٍ يُتلى هو كلام مركبٌ من حروفٍ أنتم تنطقونها، ولهذا يأتي ذكر القرآن الكريم بعدها مباشرة في غالب الآيات كـ: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 1، 2] وقوله: (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ) [الرعد: 1] وقوله: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [غافر: 1، 2] وقوله: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) [يونس: 1] وقوله: (حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [الشورى: 1 - 3] وقوله: (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) [الشعراء: 1، 2] وقوله: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) [طه: 1، 2] وقوله: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق: 1] ونحو ذلك، وفي ذلك إفحام للكفار والمعاندين أن هذا القرآن الذي كفرتم به مركب من حروفٍ كحروف لسانكم، ومع ذلك لن تستطيعوا أن تأتوا بمثله.
وما علينا إلا القبول والتسليم بها من غير حاجة إلى التكلف في تتبع ألفاظ اليهود، وليّ الفاظ القرآن العربي المبين على لسان يهود حتى نفهم كلام الله تعالى، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه من كانوا يهوداً يقرءون التوراة ويفهمونها، ومع ذلك ما روي عنهم من تلك التفسيرات التي جاء به لؤي الشريف، وهم أهل تلك اللغة وأعرف بها من يهود اليوم وموسوعاتهم التي تعلم منها لؤي الشريف، فيا ليته كفّ كما كفّ أولئك الأفاضل الأبرار، ولزم جادة المفسرين الأولين، وكف عن سبيل الفارغين المتهوكين، والله المستعان.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
ضحى الاثنين 28 ذو الحجة 1436هـ


تعليقات

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. مسكين يا اخي بدر
    كيف تكفر الناس
    اجتهد بنفسك وتحقق وانقد المعلومات ولا تكن مثل الببغاء تكرر ما قاله الأولون

    ردحذف
  4. مسكين يا اخي بدر
    كيف تكفر الناس
    اجتهد بنفسك وتحقق وانقد المعلومات ولا تكن مثل الببغاء تكرر ما قاله الأولون

    ردحذف
  5. الله يحزاك خير ... يجب الرد والتوضيح على متل هذة الاداعئات
    جوابك كان واضح وشافي

    ردحذف
  6. رحم الله والديك. .جزاك الله خير..إنما نحن بشر..تبارك الله عما يصفون..اللهم آرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه

    ردحذف
  7. لم اكمل قراءة المقال وذلك للخطأ الفادح الذي وقع فيه كاتبه
    كيف للانسان الا يشك
    وكأن الشك والدراسة والبحث عن الحق ثم الهداية عيب
    انا لست من معجبي لؤي الشريف ولدي الكثير من التحفظات عنه
    ولكن ليس اكثر من تحفظاتي عن بداية هذا المقال فقط

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني