من المختارات لكم (112): حقيقة قول شيخنا ابن باز

حقيقة
 قول شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى
في كـــفـــر تارك العمل
وأن من لم يكفره مــــرجئ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمذهب شيخنا رحمه الله تعالى في أن الإيمان قولٌ وعملٌ، على ما عليه أهل السنة والجماعة قاطبة مشهور عنه ومستفيض في رسائله ومؤلفاته، وما حُفظ عنه من صوتيات، وأن إرجاء العمل عن الإيمان من شأن المرجئة، وليس هذا محل كلامي لشهرته واستفاضته، ولكنَّ المراد أن من أهل الجهل والغواية ممن جاء حاسراً عن رأس الجهل، مشمِّرا عن سواعدِ العصبية والحزبية: يريد أن يُدافع عن القائلين بأن (تارك العمل ليس كافراً) وأن (من لم يكفره لا يُعد من أهل الإرجاء!).
وذلك لأن من أقبح الإرجاء القول بأن تارك العمل ليس بكافر! والمراد (جنس العمل وعمومه) لا (أفراده وبعض أجزائه) لما هو معلوم من الخلاف في تارك الصيام والزكاة والحج، وما أثير من شبهٍ في مسألة تارك الصلاة، فقد تظافرت نصوص السلف على أنه لا إيمان إلا بالعمل، روى اللالكائي عن الوليد بن مسلم القرشي قال: سمعت الأوزاعي، ومالك بن أنس، وسعيد بن عبد العزيز؛ ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون: «لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان».
وروى اللالكائي عن الإمام الأوزاعي رحمه الله: «لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة؛ فكان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها وتصديقه العمل؛ فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فذلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين».
وقال الإمام الشافعي في "الأم": «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان: قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر».
وفي الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 814): سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: «هو قول ونية وعمل وسنة , لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر , وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق , وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة».
ونقل ابن رجب في "فتح الباري" (1/ 23) عن سفيان بن عيينة أنه قال: «المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر: هو كفر».
ونقل حرب عن إسحاق قال: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم - يعني في أنهم مرجئة».
قال ابن رجب: «وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض».
 وقال الإمام الحميدي في "السنة": «الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص، لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل ولا قول إلا بنية، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة».
وقال الإمام الآجري في "الأربعين" (ص113): «فالأعمال بالجوارح تصديق على الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمانَ بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه، ومن رضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمنًا، ولم تنفعه المعرفة والقول وكان للعمل تكذيبًا منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرنا تصديقًا منه لإيمانه، فاعلم ذلك.
هذا مذهب علماء المسلمين قديمًا وحديثًا، فمن قال فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث، احذره على دينك، والدليل على هذا قول الله عز وجل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5] ».
وقال الإمام الآجري رحمه الله أيضاً في "الشريعة" : «اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق؛ وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ثم اعلموا: أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق؛ إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزئ معرفة بالقلب، ونطق باللسان؛ حتى يكون عمل بالجوارح؛ فإذا كملت فيه هذه الثلاث خصال: كان مؤمناً. دل على ذلك القرآن والسنة، وقول علماء المسلمين».
وقال: «فالأعمال - رحمكم الله - بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمل جوارحه؛ مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وأشباه لهذه، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه، وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه، وبالله التوفيق».
وقال الإمام ابن بطة رحمه الله: «واعلموا - رحمكم الله - أن الله - عز وجل - لم يثن على المؤمنين، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل، والنية بالإخلاص؛ حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة، لا ينفصل بعضها من بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض؛ حتى صار الإيمان قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح، ومعرفة بالقلب؛ خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين بعقولهم».
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: «أن الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح؛ يزيد ذلك بالطاعة، وينقص بالمعصية نقصاً عن حقائق الكمال لا محبط للإيمان، ولا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وإن كان كبيراً، ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله تعالى».
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة- كتاب الصلاة" (ص: 86): «وأيضاً فإن حقيقة الدين هو: الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ومن لا دين له فهو كافر».
وكلامه في هذا الأصل كثير نقلة جملةً منه في كتابي "القول المناهض".
ويقول الإمام محمد بن عبدالوهاب في خاتمة "كشف الشبهات" : «ولنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألة عظيمة مهمة تفهم مما تقدم، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس».
وشيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول ما يقولون، ودينه دينهم، وقد سئل في "فتاوى نور على الدرب" (1/ 59): هل «لا إله إلا الله» قول باللسان أم قول يحتاج إلى عمل؟ .
فقال: «هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس، وأفضل الكلام وهي قول وعمل، ولا يكفي مجرد القول، ولو كان مجرد القول يكفي لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها وهم مع ذلك كفار، بل في الدرك الأسفل من النار - نعوذ بالله من ذلك - لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب، وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله، ولا بد أيضا من أداء حقها بأداء الفرائض وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» .. إلى أن قال: «فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل لا مجرد القول باللسان، فاليهود يقولونها والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم لما لم يأتوا بالعمل والعقيدة».
وسُئل في "مجموع فتاويه" (28/ 149) عن أعمال الجوارح هل تعتبر كمالا للإيمان أو تعتبر كصحة للإيمان؟ فأجاب: «أعمال الجوارح فيها ما هو كمال للإيمان، وفيها ما تركه مناف للإيمان، والصواب أن الصوم يكمل الإيمان، الصدقة من كمال الإيمان، وتركها نقص في الإيمان وضعف في الإيمان، ومعصية، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر أكبر، نسأل الله العافية، وهكذا كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحات، هذا من كمال الإيمان، وكونه يكثر من الصلاة ومن صوم التطوع، ومن الصدقات، هذا من كمال الإيمان، مما يقوى به إيمانه».
وسُئل أثناء تعليقه على كتاب فتح المجيد: من شهد أن لا إله إلا الله، واعتقد بقلبه، ولكن ترك جميع الأعمال، هل يكون مسلماً؟
فقال شيخنا رحمه الله: «لا؛ ما يكون مسلماً حتى يوحد الله بعمله، يوحد الله بخوفه ورجائه، ومحبته، والصلاة، ويؤمن أن الله أوجب كذا، وحرّم كذا، ولا يُتصور أن الإنسان المسلم يؤمن بالله؛ يترك الأعمال، هذا التقدير لا أساس له، لا يمكن يُتصور أن يقع من أحد، نعم؛ لأن الإيمان يحفزه إلى العمل، الإيمان الصادق».
فهاتان مقدمتان:
أولاهما: أن شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول بقول أهل السنة بأن الإيمان قول وعمل، هذا من حيث المسمى والتعريف.
والثانية: أن شيخنا يرى أن تارك العمل ليس مسلماً، وأن من الأعمال ما تركه كفر منافٍ للإيمان، فمن قال بترك جنس العمل هو بالكفر أولى عنده.
ويبقى ثالثة وهي محل الكلام:
إذا كان مذهب شيخنا أن «تارك العمل» كافرٌ، فهل يرى الشيخ أن من خالف ذلك مرجئاً؟
الجواب: نعم؛ وهذا هو الذي أعرفه عن شيخنا رحمه الله تعالى من دروسه وتقريراته، وقال في بعض تقريراته وهي مسجلة بصوته- (1): «أما المرجئة الذين يسمون المرجئة، هم المرجئة الذين لم يُدخلوا العمل في الإيمان، هو الواجب، يجب على العبد أن يعمل ما أوجب الله، ويدع ما حرم الله، لكن ما سموها إيمانا، سموه إذا قال وصدّق بقلبه، لكن لم يعمل: مؤمن ناقص الإيمان، لا يكون كافراً، لا ينفعهم! نسأل الله العافية».
هذا كلام شيخنا رحمه الله تعالى بصوته، وهو أقوى حجة وبينة من نقل مجلةٍ من المجلّات له، وفيه التصريح بأن المرجئة هم الذي لا يكفرون من قال بلسانه وصدق بقلبه ولم يعمل.
وفي سؤال آخر أوضح من ذلك، وهو مسجل بصوته (2) سُئل شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: ما هي عقيدة المرجئة، وما هو أثرها على المجتمع، فقال شيخنا: «تقدم لنا أن المرجئة أقسام، منهم من يرى أن الإيمان قولٌ فقط كالكرامية، ومنهم من يرى أنه مجرد معرفة كالجهمية، ومنهم من يرى أنه قولٌ وتصديق كمرجئة الفقهاء، كما ذكر الطحاوي في العقيدة، وكلها خطأ، كلها غلط، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، كما تقدم، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وهو الذي دل عليه كتاب الله، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ... ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة».
وهذا نصُ صريح بصوت الشيخ بأن من يرى بأن الإيمان قول بلا عمل أنه خطأ وغلط، وأنه من قول المرجئة، وأن مذهب أهل السنة والجماعة على خلافه، ومن لم يكفر تارك العمل مطلقاً يرى بأن الإيمان يصح بالقول بدون عمل، فهو مرجئ عند شيخنا كما هو ظاهر، إذ كيف يكون ترك العمل عنده كفراً باتفاق أهل السنة، ثم يرى بأن من لم يقل بكفر التارك من أهل السنة أيضاً؟ هذا لا يستقيم في الفهم.
وأصرح من هذين النقلين ما قاله شيخنا في مادة صوتية مسجلة عنه رحمه الله (3): «أما المرجئة الذين يسمون مرجئة، هم المرجئة الذين لم يدخلوا العمل في الإيمان، وهو الواجب، يجب على العبد أن يعمل ما أوجب الله، ويدع ما حرم الله، لكن ما سموها إيماناً، سموه إذا قال وصدق بقلبه لكن لم يعمل: مؤمن ناقص الإيمان، لا يكون كافر، لا ينفعهم، نسأل الله العافية».
وهذا فيه التصريح من الشيخ بالإنكار على من يسمى تارك العمل مؤمنا ناقص الإيمان، ولا يسمونه كافراً، وجعل ذلك في أول كلامه من كلام المرجئة!
وجعل من الإرجاء:
[1] إخراج العمل من مسمى الإيمان وحقيقته.
[2] والقول بأن تاركه ناقص الإيمانِ وليس كافراً!
ولا تخفى الفتوى المشهورة للجنة الدائمة برئاسة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن كتاب "أحكام التقرير في أحكام التكفير" لمراد شكري، وأنا ممن تكلم مع شيخنا عن هذا الكتاب، وطلب مني رحمه الله نسخةً مِنه وأحضرتُها له، وفيه صدرت الفتوى التي جاء فيها (2/ 134): «وُجد أنه متضمن لما ذكر من تقرير مذهب المرجئة ونشره، من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب ..... وقد هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الحق والمذهب الصدق والاعتقاد الوسط بين الإفراط والتفريط من حرمة عرض المسلم وحرمة دينه، وأنه لا يجوز تكفيره إلا بحق قام الدليل عليه، وأن الكفر يكون بالقول والفعل والترك والاعتقاد والشك».
وهذا صريح في اعتبار «الترك» من المكفرات، والمرجئة لا يرون الكفر بالترك إلا بالجحود والتكذيب كما هو مذهب صاحب ذلك الكتاب.
وقد استدل بعض أهل الهوى والجهل بما جاء في أسئلة مجلة الفرقان! وهي ضمن مجموع فتاوى شيخنا ابن باز (28/ 144) جاء في السؤال: هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح، مع تلفظه بالشهادتين، ووجود أصل الإيمان القلبي هل هم من المرجئة؟
فأجاب شيخنا رحمه الله: «هذا من أهل السنة والجماعة، من قال بعدم كفر من ترك الصيام، أو الزكاة، أو الحج، هذا ليس بكافر، لكنه أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن على الصواب لا يكفر كفرا أكبر، أما تارك الصلاة فالأرجح فيه أنه كفر أكبر، إذا تعمد تركها، وأما ترك الزكاة، والصيام، والحج، فهو كفر دون كفر، معصية وكبيرة من الكبائر .. » إلى آخر الفتوى.
والمعتبر هو جواب شيخنا؛ مـع ما سبق مما هو معلوم من مذهبه الذي سبق نشره بصوته آنفاً، وليس في جواب شيخنا أن من لم يكفر تارك العمل ليس بمرجئ، ولكن فتواه عمن ترك بعض أفراد العمل، ومثّل الشيخ بترك الصوم والزكاة والحج، وميز بأن تارك هذه الأمور لا يعد كافراً، ثم استثنى الصلاة كما هو مذهب أهل السنة، وقال بأنه كافر، فتبقى مسألة:
هل من لم يكفر تارك الصلاة يعد مرجئا أم لا؟
الجواب: لا يكون كذلك، إذا كان حامله على عدم التكفير ما تأولوه من نصوص، أما إن كان دافع القول به أن جنس الأعمال كمال لا أصل، فهو قول باطل، وهو قول المرجئة، فليس كل من لم يكفر تارك الصلاة مرجئ، ولكن كلّ مرجئ لا يكفر تارك الصلاة!
وشيخنا إنما يتكلم هنا عن ترك أفراد الأعمال، ولذا سمّاها، ولم يتكلم عن كلّ العمل، وهذا هو الموافق لكلامه السابق نقله بصوته، ومن الهوى أخذ بعض كلامه وترك الآخر، وعدم جمع بعض كلامه إلى بعض.
ومثل الكلام السابق ما جاء في تعليقات شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى على شرح العقيدة الطحاوية (ص752) لما سئل: من آمن بقلبه ولسانه ولم يعمل بجوارحه؟ فقال شيخنا: «هذا محل خلاف بين العلماء، فمن قال: إن ترك الصلاة كفر، يقول: هو مخلد في النار، ومن قال: إنه كفر أصغر، يكون حكمه حكم سائر الكبائر، تحت المشيئة».
ومراد شيخنا كما هو ظاهر في الجواب: أفراد الأعمال، ومثل بالصلاة، ولو أراد كل العمل، لأطلق الكلام في تارك العمل، ولم يخصه بالصلاة، ولذلك لما جاء شيخنا عند سائر العمل وجنسه كما تقدم نقله من تقريراته على فتح المجيد- قال: «بأنه غير مسلم» بل قال بأن هذا «لا يُتصور من مسلم!» فكيف يقول هذا هناك، وهنا يقول بأنه محل خلاف؟ شيخنا أرفع منزلةً، وأرسخ علماً أن يناقض قوله في مثل هذه المسألة العظيمة، وإنما الكلام السابق كان عن «ترك العمل كلّه» وهذا الكلام الأخير الذي يحتج به المخالف إنما هو عن «أفراد العمل» لا جنسه وكامله.
والعجب من المشاغب بهذه الفتوى كيف أخذ بها، وترك قول شيخنا بعد ذلك بصفحات (ص765) عن المرجئة: «سواء قالوا: إن الإيمان تصديق القلب فقط، أو بالقلب واللسان، وأخرجوا العمل أو أخرجوا القول؛ كله باطل، كله غلط، مخالف للأحاديث الصحيحة، ومخالف للآيات القرآنية، ومخالف لإجماع سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم، وليس بخلاف لفظي، بل خلاف جذري حقيقي، لأن معناه: أن من قال باللسان وصدق القلب فإيمانه كامل! فإذا كان الإيمان كاملاً كيف عذّب بالمعاصي؟ لا يستقيم ذلك».
فتأمل كيف كلام الشيخ، وأن بعضه يفسّر بعضاً، وأن القول بترك العمل مخالف للكتاب وصحيح السنة وإجماع السلف، وأن خلافنا مع من قال بإيمان تارك العمل خلافٌ جذري لا أصلي، هذا هو قول شيخنا، وقول عامة أهل السنة في زماننا وقبل زماننا، ومن ثافن العلماء، وداوم على مجالسهم عرف كلامهم ومذاهبهم، وأما الجاهل البليد فلا عجب حين يتخبط في فهم كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم كلام العلماء، ويعظم زللهم بمتشابه كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بله كلام متشابه كلام العلماء الذين لا يسلمون من الخطأ والتقصير، وسوء التعبير، ويأخذون ما يريدون ويتركون ما لا يريدون، ويلبسون على الناس أمر دينهم، كما صنعوا في ذلك مع الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وها هم نابتة اليوم تريد أن تعبث بكلام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، وهو صريح واضحٌ على جادة السلف، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
ضحى الاثنين 28 صفر 1438
ـــــــــــــــــــ





تعليقات

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      شرح حديث البطاقة وحديث الشفاعة ومعنى حديث (لم يعملوا خيرا قط)
      - فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
      - فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله
      - فضيلة العلامــة المحدث عبد المحسن بن حمد العباد حفظـه الله

      https://www.dropbox.com/sh/aa7ht7r1i81ef3d/AABzLpbGkkEOH1-o0-7K_fNZa?

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  5. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  7. حكم تارك العمل بالكلية - فتاوى صوتية لمجموعة من العلماء: https://www.dropbox.com/sh/vqrqqm9j9z85ukv/AAAWvFiGu59y0f70zhuZ-AdCa?dl=0

    ردحذف
  8. الردود
    1. الله يصلحك ويهديك ، وهل الشيخ الفوزان حفظه الله- حدادي؟
      http://www.alfawzan.af.org.sa/node/9525
      http://www.alfawzan.af.org.sa/node/9554
      http://bit.ly/2ha7Yak
      https://safeshare.tv/x/SA3XZ3o5A-g

      فتاوى العقيدة - أركان الإيمان - مسائل الإيمان في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة لفضيلة الشيخ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ
      http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1165

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني