من المختارات لكم (134): مصطفى العدوي لا يريد أن يفهم ولا أن يكف

الشيخ مصطفى العدوي

لا يريد أن يفهم المسألة ولا يريد أن يكف عن الكلام فيها

ويرغب أن يُدافع عن نفسه ولا يُرضيه أن يدافع أحدٌ عمَّن تكلم فيه من الأئمة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد سَبَق لي أنْ عقّبتُ على جُرأةِ الشيخ مصطفى العدوي على شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، ووصفه له بالغلو! وقال بوجوب التحذير مما في كتابه "كتاب التوحيد" من غلوٍّ وإطلاقات كانت سبباً في ضلال كثيرٍ من الشباب! وعقبت عليه في مقطعين مرئيين فثارت ثوائرُه، وثوائرُ أنصاره، ولم تهدأ شهراً كاملاً! وكأنَّني قد انتهكت حراما، وارتكبت إجراما، وأعاد الكلام مبرِّرَا لنفسه، مدافعاً عنها، مصححا لقوله، أكثر من مرة! وسبحان الله: يقبل أن يدافع عن نفسه ويُدافع عنه! ولا يقبل أن أدافع عن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى ومؤلفاته؟ ومؤلفات أئمة الدعوة السلفية عليهم رحمة الله تعالى، كيف وقد جاء باسم شيخ الإسلام على التَّصريح ببالغ الافتراء، ولم أصرّح باسم العدوي ولم أذكره أمام الملأ؟ ومع ذلك كلِّه –بعد مشاهدتي لمقطعٍ أخيرٍ تكلَّم فيه عما حصل- تبيّن لديَّ أنَّه: لا يُريد أن يَفهم ولا يُريد أن يَكُفَّ! بل عاد فيه بمثل ما سبق واستمر على وصف شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب بالخطأ في مسألة العذر بالجهل، وأنه في كتابه "الصغير" -كما وصفه- "كتاب التوحيد"، وقال: «في عددٍ من المواطن فيه في أشهر كتبه وهو كتاب التوحيد المعروف الذي شرح عشرات المرات بل أكثر»، ولك العجب من عشرات الشروحات وأكثر! من أهل العلم يشرحون هذا الكتاب ويعتنون به، ولم يكن من واحدٍ منهم أن قال: «يجب الحذر والتحذير من قول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في هذه المسألة، وأنه قد زلّ بها، وصار كلامه ذخيرة للخوارج، وغير ذلك من كذب العدوي وزيفه، كيف وقد قلت ولا زلت أن أقول: أن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب –وأهل السنة قاطبة- لا يطلقون القول بـ: «العذر بالجهل»، ولا القول بـ: «عدم العذر بالجهل»، وإنما يُفِصِّلون في هذا الباب، وقد كتبتُ في هذا عدداً من الرسائل بينتُ فيها: أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يفرّق بين «المسائل الجلية» و«المسائل الخفية»، وعنده من المكفرات ما يُعذر فيها الجاهل، وعنده ما لا يُعذر بالجهل فيها، وكلامه مشهورٌ منشورٌ في ذلك كما سيأتي بعضه.

وثَمَّ مقامان مهمّان ينبغي التفطن لهما: أحدهما في المسألة، والثاني في حكاية كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.

أما المقام الأول:

وفيه الكلام عن المسألة؛ فقد تكلمتُ فيها كثيراً في مواطن عديدة كما تكلم أهل العلم من قبل، فالناس فيها طرفان ووسط:

[1] فمن أطلق العذر بالجهل في كلّ ما ذكر أهل العلم من النواقض فهو مرجيٌّ شاء أم أبى.

[2] ومن أطلق عدم العذر بالجهل في كلّ ما ذكره أهل العلم من النواقض فهو خارجيٌّ شاء أم أبى.

[3] وأهلُ السنة يُفصّلون بين ما يوجب التكفير من المسائل وما لا يوجب التكفير إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع، والعلم الفائت! منه ما يُعذر من فاته لخفائه – إما لعدم بلوغه، أو بلوغه وعدم ثبوته، أو ثبوته وعدم دلالته، أو معارضته بمعارض سائغ- ومنه ما لا يُعذر من فاته، ويكون عدم علمه به ناقضاً من نواقض الإسلام فضلاً عن ارتكابه، وهو «العلم» الذي لا تصح لا إله إلا الله إلا به، الذي يقرّره كافة العلماء في الشرط الأول من شروط صحة لا إله إلا الله بالإجماع، وهو «العلم المنافي للجهل» وبانتفاء الشرط ينتفي المشروط، ومن فاته العلم بها لم يعلم حقيقة لا إله إلا الله، ولم يكن من أهلها، وهذا القدر من العلم لا يُعذر فيه بالجهل، ومن أطلق العذر فيه، فقد نفى هذا الشرط من شروط لا إله إلا الله أصلاً، وهذا لا يقوله إلا غلاة المرجئة، والعياذ بالله، حيث يصححون الإسلام بمجرد النطق بالكلمة من غير علمٍ بمعناها، وكافة الشروط إنما تقوم على العلم بمعناها، فمعرفة معناها توجب الخلوص مما ينافيها، والله تعالى يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19] وبقية شروط لا إله إلا الله التي لا تصح إلا بها لا تصح ولا تتم إلا بعد العلم بمعناها علماً ينافي الجهل بها، فلا يقين إلا بعد علم، ولا قبول لما جاءت به إلا بعد العلم، ولا انقياد إلا لما يُعلم، ولا صدق يتحقق في قول رجلٍ لا يعلم معنى ما يقول! وأي إخلاص يتحقق في قلب رجل ينطق بكلمةٍ لا يعلم معناها، وكيف يفرّق قائلها بين المسلم والكافر؟ فيحب هذا ودينه ويواليه، ويبغض ذاك ودينه ويعاديه؛ حتى يعلم حقيقة لا إله إلا الله؟

فهذا القدر من العلم الذي لا تصح لا إله إلا الله إلا به هو العلم الذي لا يُعذر جاهلُه، ولا يصح له دين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا حتى يعلم أنه لا إله إلا الله ويعمل صالحا، وإن رغم أنف من أبى.

ولما قلتُ بأن هذا القول من أقبحِ الإرجاء لأن مذهب المرجئة دركات، ومنهم من أقصى «العمل» وأرجأه عن الإيمان، وهنا هذا الفريق أقصى «القول» الذي هو: «المعرفة والإثبات» وجعل الإيمان مجرد «النطق» بالكلمة ولو كان لا يعلم من حروفها ومعناها شيئاً، وهذا القول هو قول الجهم بن صفوان بل أقبح وأضل سبيلا.

وأما المقام الثاني:

ففي كلام شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، فقد تكلم في مسألة العذر بالجهل في مواطن من مؤلفاته، وليس منها في "كتاب التوحيد" إلا في أربعة مواطن، وكلّها من باب الإشارة العاجلة لا التفصيل والاستدلال ونحوه، ومع ذلك ففي مجموع كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى نجد أنه قسم العلم إلى قسمين:

[1] علمٌ لا يُعْذر الجاهل به؛ وهو الذي لا تصحّ لا إله إلا الله إلا به، وما كان مَعْلوماً بالضَّرورةِ من دين الله تعالى وحقيقة لا إله إلا الله، ومن لم يأتِ به لم يعرف لا إله إلا الله، ولا الإسلام ولا الإيمان، فهل يصحح من لديه أدنى علمٍ دينَ من زعم الإسلام ونطق بـ: لا إله إلا الله؛ وهو يقول: إنَّ غير الله يتصرف في الكون من الأولياء والصالحين؟ أو قال: لا يوجد جنة ولا نار! أو قال: بأن نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مجرّد صفاء عقل، وحكمةٍ تلقاها من عزلة الغار، أو: سبّ الله، أو طعن في صحة القرآن الكريم وثبوته، ونحو ذلك من المكفرات الجلية القولية والقلبية والعملية؟

فمن ارتكب شيئاً من ذلك يقال بأنه ما عرف لا إله إلا الله، وحقيقة معناها، وما لا تصح إلا به، فليس من أهلها، ولا يُعذر بالجهل فيها.

والحجة في ذلك كلّه قائمة بمجرد النطق بلا إله إلا الله نطقاً يُعلم بِه المراد منها، وما تقتضيه من دينِ الله تعالى، فهي حجة بلاغية عِلْميةٌ كما قال الله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 19]، فمن بلغه القرآن، وعُرض عليه الإسلام، فقد قامت عليه الحجة.

وليس كلُّ دعوى جهلٍ تُقبل وإلا كان في ذلك أعظم القدح في التَّوحيد وبيانه في كتابِ الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن كثيراً ممن يطلبون إعذارهم يعرفون أسماء الدُّول، وأنواع المطعومات والمشروبات، وشجاعة عنترة، وكرم حاتم، ودقائق العلوم البشرية، ثم يزعمون جهلهم بالله تعالى، وحقه الواجب، وحقيقة التوحيد ولا إله إلا الله؟! وهو الذي قامت دلائله أعظم من كلّ ما يستدل عليه في الوجود، بأدلة فطرية وعقلية وسمعية، وإذا كان الشك في الله بعيد! فالجهل به وبحقه سبحانه أبعد، كما قال تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: 10].

[2] وعلمٌ يُعذرُ بجهله؛ حتى تقوم عليه الحجة من حيث «البلوغ» و«الثبوت» و«الدلالة».

وهو ما يُعبّر عنه بـ: «المسائل الخفية»، وهي التي قد تخفى أدلتها على مثل حال المرتكب للناقض من حديث عهدٍ بالإسلام، أو من نشأ في بادية بعيدة، أو ما يخفى على مثله من المسائل الخفية التي تخفى «أدلتها» على كثيرٍ من الناس، فلا يُكفَّر من وقع فيها حتى تقام عليه الحجة الرِّسالية، وتكشف عنه الشبهة.

يقول شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى جامعاً بين هذين النوعين من العلم وما يعذر به وما لا يُعذر به، وتحقيق قول شيخ الإسلام ابن تيمية في المسألة، فقال في رسالة له إلى بعض أهل الأحساء كما في "الرسائل الشخصية" (ص: 222) بعد أن ذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تكفير بعض أئمة أهل الكلام: «فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه في كفر المعين، وتأمل تكفيره رؤوسهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردّتهم ردة صريحة».

وهذا هو كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "الفتاوى" (4/53-54) : «.. وأيضاً فإنه لا يعرف من أهل الكلام أحد إلا وله في الإسلام مقالة يكفّر قائلها عموم المسلمين حتى أصحابه وفي التعميم ما يغني عن التعيين، فأي فريق أحق بالحشو والضلال من هؤلاء وذلك يقتضي وجود الردة فيهم كما يوجد النفاق فيهم كثيراً، وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها ليست من دين المسلمين بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر مخالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة ما سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ...».

يقول الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله تعالى معلّقا على هذا الكلام كما في المسائل والرسائل النجدية (5/520): «فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة، فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: «قد يقال: إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها» ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة، فكلامه ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية، فيكفّر بالأمور الظاهر حكمها مطلقاً، وبما يصدر من مسلم جهلاً كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف، ولا يُكَفِّر بالأمور الخفية جهلاً كالجهل ببعض الصفات، فلا يكفِّر الجاهل بها مطلقاً وإن كان داعية، كقوله للجهمية أنتم «عندي» لا تكفرون لأنكم جهال، وقوله: «عندي» يبين أن عدم تكفيرهم ليس أمراً مجمع عليه لكنه اختياره وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب، فإنِّ الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القران أو نفي الرؤية أو الرفض ونحو ذلك وتفسيق المقلد».

وهذا التقسيم بعينه هو تقسيم أهل السنة من قبل كالإمام الشافعي وابن جرير الطبري وابن منده وخلقٌ كثير، وقد تكلمت عن هذه المسألة في عدد من الرسائل منها:

[1] براءة الشيخين من إعذار الجاهلين بتوحيد رب العالمين.

[2] تحقيق مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألتي العذر بالجهل وتكفير المعين، رسالة للإمام عبدالرحمن بن حسن، تحقيق وتعليق.

[3] إرشاد العبيد إلى عدم العذر بالجهل في أصل التوحيد، للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين، تحقيق وتعليق.

[4] رسالة في التحذير من الفرقة وتفصيل القول في العذر بالجهل.

وغيرها من المواطن، وهي كثيرة، فلتراجع.

شنشنة عدم العصمة

وأما ما قدّم به العدوي من مسألة العصمة، والاستدراك على العلماء فكلّه كلام مفروغ منه، ولا حاجة إلى إيراده، ولا حجة فيه أصلاً، فلم يقل أحدٌ بعصمة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وعلوّه عن التصويب والتخطئة، والموافقة والمخالفة، ولا أن كلّ ما يقوله: حجة! ولكن الذي نقوله:

أنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في «مسائل الفروع والاجتهاد» إمامٌ فقيهٌ مجتهدٌ؛ يُصيب ويخطئ، وإن أخطأ يحفظ له قدرُه، وتُعرف له منزلته، ولا ينبغي أن تتخذ تلك المسائل مطية للنيل منه، والرقي بين مسامع الناس وأنظارهم على عتبات نقده.

وأما «مسائل الأصول والاعتقاد» فلا والله ما أعلم أن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى خالف في أصلٍ عقديٍّ متفق عليه، ولو خالف ما كان له عند أهل السنة منزلة كحالها اليوم، فالسنة، وعقيدة أهل السنة أثمن عند أهلها من كلّ أحدٍ مهما كانت منزلته في العلم.

والعدويُّ اعتدى على الإمام محمد بن عبدالوهاب بتأصيله في مسألة عدم العصمة وإباحة النقد والموقف ممن أخطأ في مسائل «الفروع والاجتهاد» لينال من شيخ الإسلام في مسألة من مسائل «الأصول والاعتقاد» ويرى بأنَّ قوله قول غالٍ، ويعتمد عليه الخوارج.

كيف والواقع أن من ذكرهم من الخوارج لم تكن آفتهم من مؤلفات شيخ الإسلام، ولا من كتاب التوحيد، ولا من مسألة العذر الجهل نفيا وإثباتاً، وإنما آفتهم ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: 7]، فقد ضلوا من قبل بعموم آيات من كلام الله تعالى من كتابه المحكم المبين كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44] وقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57] ونحو ذلك من الآيات، وتركوا غيرها من الآيات المبينة المفصلة لما سبق، فليست الآيات في نصوص الوحيين وكلام أئمة الدين، وإنما الآفة في قلوبهم الزائغة، وأهوائهم الضالة، فلا يُحمّل شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ولا غيره من أهل السنة تبعة ضلال الخوارج واستشهادهم ببعض كلامهم، وإلا ففي كلام العديد من الأئمة من الإطلاق في مسائل «الأسماء» و«الأحكام» الكثير ما لو أخذ به الجاهل لأفسد الحرث والنسل، واستحل الدماء والفروج، فالعيب ليس في الأئمة وإنما العيب فيمن ضلّ بكلامهم، كما ضلّ بكلام الله تعالى من قبل، حيث جعله الله تعالى على من لم يرد الله تعالى هدايته عمى!

ثم أختم وأقول:

إن الارتقاء على مصاعد «نقد أئمة أهل السنة» و«علماء الإسلام» آفة نفسية قبيحة، والمُشَاهد بعد التتبع أن العدوي سيله ميّال على رياض أهل السنة بالهدم والنقد والتتبع! ولم يسلم منه المتقدم والمتأخر! كُلّ ذلك تحت مظلة عدم عصمة العلماء! وإباحة النقد والاستدراك، وقد سلم منه –اليوم في مصر وغيرها- عشرات أئمة الضلال الذين يحاربون الدين من أهل الزندقة والإلحاد، والتصوف والتجهم، الذين هم أسعد الناس اليوم بنقده، وجرأته على شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.

فليتقِ الله العدوي، وليحفظ حقوق الأئمة الأعلام، وليراجع المسألة، ويعلم حقيقة قول شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب، وإن كان صادقاً في بغية تحقيق مذهب الإمام في المسألة، والرد عليه، والتحذير من خطئه، نصحاً للأمة، وحماية للدين! فليجمع وليكتب في ذلك كتاباً يتتبع فيه كلام شيخ الإسلام من كلّ مؤلفاته، ليعلم أمصيب هو أم مخطئ في نسبة القول لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وما رتّب عليه من حكمٍ وتحذير! والله من ورائه محيط، وبخفايا النفوس عليم، ومن أهل السنة بعد ذلك من يغار على دين الله تعالى، وأنصار شريعة الله: كغيرته على أهله، وهم له ولكلّ مبطلٍ بالمرصاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

بدر بن علي بن طامي العتيبي

الأحد 12 ذو الحجة 1441هـ

الطائف


تعليقات

  1. جزاك الله خير.. ورحم الله شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وجميع علماء السنة الربانيين رحمة واسعة...

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا ونفع بكم، وما خفي منه أكثر وأكثر فالعدوي مذبذب في الفتاوي مرة يقول بالخروج في المظاهرات ومرة يقول بعدم الخروج، ومرة يقول بإقامة صلاة الجمعة في البيت ومرة يقول لا، وفي تعقباته ورده على الشيخ الالباني حتى صهر أبي العنين رد عليه في كتاب وكذلك بعض طلبة العلم ممن درس عليه تركوه وأخرجوا ثلاث مجلدات على ما اذكر في رد شبهاته.
    ومن شيعته أبي الأشبال حسن الزهيري سمعته بأذني في مسجد في مدينة العاشر من رمضان بعد ثورة 2011 قال بأن الشيخ ابن باز في جلسة خاصة كفر حسني مبارك وقال لا تخبروا أحد حتى لا يحدث مشاكل بين الدولتين والله على ما أقول شهيد

    ردحذف
    الردود
    1. ليس فقط أبو الأشبال، بل رواها أيضًا سالم الطويل

      حذف
    2. اتق الله. ما صلة الشيخ سالم الطويل بمنهج العدوي؟ الشيخ سالم معروف بتدريس الكتب السليمة .

      حذف
  3. جزاك الله خيرا يا شيخ بدر
    ذب الله عن وجهك النار لدفاعك عن الائمة الإعلام
    ابو عائشة
    هلال المطروشي

    ردحذف
  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أحسن الله إليكم شيخنا الدكتور بدر العتيبي وبارك فيكم

    أحسنتم الرد والدفاع عن الأئمة ابن عبد الوهاب و ابن القيم رحمهما الله تعالى، ولكن هناك رجل أشعري أزهري يدعى "عبد الله رشدي" يطعن في الإمام المجدد ابن عبد الوهاب رحمه الله وفي دعوته طعناً شديداً أشد من كلام مصطفى العدوي بمراحل، ويصفه بوصف قبيح سأنقله لك من حسابه، قال : "الخوارج المعاصرون هم أذيال المقبور ابن عبدالوهاب شيطان نجد ونحن لهم بالمرصاد ، واشكر لك غيرتك على الدين ، فلن نسمح لأحفاد قرن الشيطان ابن عبدالزهاب بأن ينشروا التكفير بيننا". قال هذا الكلام في تعليق له في الفيسبوك على أحد الناس الذين على شاكلته.. وقال اكثر من هذا على الامام المجدد، واذا ارتم الدليل عندي صور بهذه التعليقات فقط اريد كيفية ارسالها لكم لو تكرمتم بكتابة رقمكم وسوف ارسلها ان شاء الله على الواتساب ان أمكن.

    نرجو منكم لو تكرمتم الرد على هذا الرجل فوالله قد أوجع قلوبنا وقلوب الأخوة الموحدين أهل السنة والجماعة الغيورين على الدين، حيث أنه لم يرد عليه أحد والنلس مفتونة به! وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    ردحذف
  5. جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم ونفع بعلمكم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني