من المختارات لكم (43): خطاب سلمان العودة بين الإشفاق والشقاق

خطاب سلمان العودة
بين
الإشفاق ... والشقاق!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه وسلم، وعلى آ له وصحبه أجمعين.
«اللَّهمَّ رَبَّ جِبرِيلَ ومِيكائِيلَ وإِسرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمواتِ والأرضِ، عَالمَ الغَيبِ والشهادَةِ، أَنتَ تَحكم بَينَ عِبَادِكَ فيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفون، اهدني لِما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بِإِذنِكَ، إِنَّكَ تَهدي مَن تَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ».
فقد اطلعت كما اطلع على غيري على مجموعة التغريدات التي كتبها سلمان العودة والتي شكلت خطاباً ذاع وشاع وانتشر، وتلقفتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وانقسم الناس تجاهه ما بين:
[1] معتبرٍ.
[2] وغير مكترث!
ومن اعتبره ما بين مؤيد ومستنكر! والمرء تعرف طويته بأحد شيئين:
[1] بلسانه.
[2] وأخدانه.
وكلام لسانه بين أيدينا، بما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله، ولكن الأمر الذي دعاني إلى مزيد الاهتمام بالخطاب صنيع (المعجبين به!) و(المؤيدين له) لما رأيتهم من طوائف عدة، ورجالات لا تُعرف بالخير، ولا تسعى إليه! فأعدتُ النظر في الخطاب غير مرةّ وظهر لي فيه أمور وأمور!
ولم أطلع على ما كُتب حوله من الناقدين على وجه التفصيل! غير (غارةٍ شديدةٍ) من الاستنكارات والمعارضات من عدد كثير على كافة الطبقات والتوجهات! عبر وسائل التواصل الاجتماعي المشهورة كـ(تويتر) و(الواتساب) ونحوها.
وهذا الشحّ من الاطلاع يسرني ولا يضرني لكي لا أتكلم متأثراً بهوى غيري، أو بفهمه وانتقاده، ولكن سأتكلم بما أدين الله تعالى به، وبما أرى أنه يحقق الخير لي وله وللبلاد والعباد، وهذا من عظيم واجب المسلم على المسلم من النصح له، والصدق معه.
والكلام عن خطابه تكتنفه ثلاث نظرات:
النظرة الأولى: إلى سلمان العودة، وأطوار فكره، وتقلب توجهاته، وما يصدر منه من مقالات هي محل الشجب والإنكار!
والنظرة الثانية: إلى مضمون الخطاب بصريحه وتلميحه!
والنظرة الثالثة: إلى توقيته!
أما شخص سلمان العودة، وديانته، وماضيه، وشذوذات مقالاته:
فلن أتكلم عن ذلك كله ابتداءً كما قد يصنع غيري، ولن أعيَّره بها إقصاءً، فهي منشورة مشهورة بين الناس.
أما مضمون الخطاب وتوقيته:
فهو محل كلامي هنا، وسوف أعلّق عليها بما أسأل الله تعالى أن يلهمني الرشد والصواب فيما أقول، فأقول:
قسّم العودة خطابه على خمسة أقسام (مقدمة السجن الإعلام المعالجة -الخاتمة) وهذه المراحل وعناوينها البارزة توحي بالانضباطية في الطرح، غير أن الواقع خلاف ذلك، فالكلام لا يتجاوز كونه تغريدات وجمل منشورة في حسابه على (تويتر) وقع فيها التكرار والعود إلى ما بدأ به أكثر من مرة إلى درجة أن الخطاب لم يخرج في غالبه عن معنيين اثنين وهما:
[1] التـــهديــــد.
[2] والتـــهويـــل.
وسوف أسرد للناظر جمل التهديد والتهويل في خطابه بترقيمي وبنص قوله:
[1] قال: (والخوف على مستقبله) تهويل وتخويف.
[2] وقال: (لم أفقد الأمل بعد من إمكانية تخفيف الاحتقان وفتح أفق للتدارك والإصلاح) تهويل وتخويف.
[3] وقال: (فالبديل هو الفوضى والتشرذم والاحتراب) تهديد وإنذار.
[4] وقال: (ولن يسكتوا إلى الأبد على مصادرتها كلياً أو جزئياً) تهديد بيّن!
[5] وقال: (حين يفقد الإنسان الأمل .. عليك أن تتوقع منه أي شيء) تهديد واضح.
[6] وقال: (ثمَّ مشاعر سلبية متراكمة) تهويل!
[7] وقال: (إذا زال الإحساس بالخوف من الناس فتوقع منهم كل شيء) تهديد بأن الشعب سيصل إلى درجة ينعدم فيه الخوف.
[8] وقال: (وإذا ارتفعت وتيرة الغضب فلن يرضيهم شيء) تهديد بانفلات الشعب وعدم رضوخهم إلى أي استرضاء!
[9] وقال: (مع تصاعد الغضب تفقد الرموز الشرعية والسياسة والاجتماعية قيمتها، وتصبح القيادة بيد الشارع) تهديد بضياع هيبة السلطة والعلماء.
[10] وقال: (عند الغضب يكون دعاة التهدئة محل التهمة بالخيانة أو الضعف، ويقود المشهد الأكثر اندفاعاً ومفاصلة مع الأوضاع القائمة) تهويل مبطن بالتهديد!
[11] وقال: (ارتفاع الهاجس الأمني جعل معظم أنشطة الدولة خاضعة للرؤية الأمنية) تهويل بأن الدولة متخوفة من شيء ما يعنيه سلمان!
[12] وقال عن السجون: (وكانت عاقبتها زرع الأحقاد والرغبة في الثأر وانتشار الفكر المحارب بشكل أوسع داخل السجون) تهديد! وتهويل معا!
[13] وقال: (في الأفق غبار ودخان ومن حقنا أن نقلق مما وراءه) وهذا تهويل وتخويف!
[14] وقال: (والقبضة الأمنية ستزيد الطين بلّة وتقطع الطريق على محاولات الإصلاح) تهويل وتصعيد!
[15] وقال: (إذا أغلقت الأبواب فالمضطر قد يركب الصعب ويغفل عن المصالح والمفاسد) تهديد بيّن!
[16] وقال: (وإلى أين يذهب بعد توقيف من قصدوا الأبواب المفتوحة) تهديد وتخويف! بأنهم سوف يسلكون مسلكاً آخر
[17] وقال: (من الخطر أن يضيق على الناس حتى لا يكون لديهم شيء يخسرونه) تهديد بأن الناس سيصلون إلى حدٍّ لا يهتمون بعدها من الفوضى!
[18] وقال: (استمرار الحالة القائمة (مستحيل)..) إصرار على التهديد! والأقواس الداخلية منه! فأي استحالة يعني؟!
[19] وقال: (ولكن السؤال .. إلى اين يتجه المسار؟) تهويل وتخويف من مستقبل ما يزعمه من انحراف الحكومة وظلمها و و.
[20] وقال: (الناس قلقون من المستقبل ولديهم تساؤلات لا يعرفون إجابتها .. وها هي هجرة الأموال وربما رجال الأعمال تتزايد..) تهويل وتخويف من المستقبل وأن الناس قلقون وأصبحوا يصدّرون أموالهم إلى الخارج تأهباً لساعة الخراب والدمار والانفلات! (الغول الذي يخوف به سلمان الناس!).
[21] وقال: (وهي (أزمة) يمكن أن تحوّل إلى (فرصة) للتصحيح) والأقواس الداخلية منه! وفيها تهديد بأن الوضع (متأزم) لم يبق أمام الدولة إلا (فرصة!!!) للتصحيح.
[22] وقال: (  يتساءل الناس والشباب خاصة، ما هي قنوات الاتصال بينهم وبين السلطة) تهويل ومبالغة لتغرير البسطاء بأن الوصول للولاة والمسؤولين مستحيل!
[23] وقال: (ثمَّ مواطنون خائفون من الفوضى والانفلات، ويحتاجون إلى من يهدئ مخاوفهم بمشروع واقعي إصلاحي، يكونون شركاء فيه) تهويل وتأمل ما تحته خط! وهي سياسة (الجذب السياسي! لا الجذب الصوفي!) لكي يتقمص الجاهل شخصية (الثائر) ولو لم يكن بثائر! لكي يطلب من (يهدئه!) وقد (لا يهدأ!!!!).
[24] وقال: (لا أحد من العقلاء يتمنى أن تتحول الشرارة إلى نار تحرق بلده ولا أن يكون العنف أداة التعبير) تهويل مبطن فيه تهديد، بأن كونوا عقلاء وعليكم بالإصلاح المزعوم! ولا تحرقوا البلد، ولا تحملوهم! أو تحملونا! على العنف للتغيير!.
[25] وقال: (الثورات إن قمعت تتحول إلى عمل مسلح) وهذا تهديد صارخ! وتأمل كيف سمى ما قبل السلاح (ثورة!) فماذا سيسميها مع السلاح؟!!
[26] وقال: (والحل في قرارات حكيمة وفي وقتها تسبق أي شرارة عنف) تهديد بين!
[27] وقال: (أعيذكم بالله أن تكونوا ممن قال فيهم ( وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له)، وهم الذين أصموا آذانهم عن كل ناصح) موعظة فيها تهديد!
[28] وقال: (الفرصة إذا أُهدرت فقد لا تعود) تهديد، وقد تقدم معنا ذكر (الفرصة!!).
[29] وقال: (والشيء إذا تأخر عن إبّانه فقد جدواه، والوقت سيف لك أو عليك) تهويل وتهديد!
فهذه الجمل كلها يجمعها كلمة واحدة وهي: (الوضع سيء واحذروا من العاقبة!) لو أراد الاختصار والاقتصار! وكل ما ذكره بعد ذلك (حشوٌ في السطور!) نعم؛ ولكنّه في الوقت نفسه (حشوٌ في العقول السقيمة) حينما تطلع على هذا الإلحاح من سلمان العودة، والتكرار، والدندنة وبكثرة حول هاتين الآفتين (التهويل) للمواطن الغرّ و(التهديد) لأصحاب القرار!
فهل هذه نصيحة ... يا سلمان؟
إن النصيحة الشرعية عموماً، وعلى خصوص مذهبك في باب (النقد!) تقتضي العدل، ومن العدل عندك ذكر محاسن المنتقد.
فأين محاسن هذه البلاد؟
إن الناظر إلى خطابه يخرج بأن الفساد قد طغى وظهر في البر والبحر! والحاكم والعالم والقاضي والأمن.
والشعب محتقن!
ومن حولنا غبار ودخان، والمراد غبار الثورات ودخانها!
والناس متخوفة!
بينما الواقع يكذب هذا ولا يصدقه، والله المستعان.
وليتأمل الناقد الفطن في مقال سلمان! هل يستطيع أن ينسبه به إلى طائفة عن طائفة؟ لأن كلامه هذا يحقق مطلب كل من ادعى بدعواه؟ فلم يأمر فيه بمعروف بيّن، ولا حذّر عن منكرٍ بيّن مثبت! وإنما تكلم بكلام (مدني) عامٍ تحت مسمى (الإصلاح!) ومجرد طلب الإصلاح لا يسمن ولا يغني من جوع ما لم يتضح نوع هذا الإصلاح وصدقه!
فقد زعم المنافقون الإصلاح! فقال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُون) [البقرة: 11، 12].
و (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: 29] وهو كذاب أفاك غوي مبين!
فأي إصلاح يريده سلمان؟
تأمل هذا! ثم لا تعجب عندما ترى (الليبرالي) يصفق له بحرارة و(الرافضي) يسدي له الشكر بجدارة و(الصوفي) يثني عليه و(التكفيري) يعود إليه ويقبل يديه! فمنهم كان يستوحي مضامين هذا الخطاب! حين قال: (وقد استوحيت كلامي من كثيرين من فئات مجتمعية ومناطقية عديدة).
وكان الجدير به ديانة وأمانة بحسب ظاهره (الإسلامي!) أن يكون خطابه دينياً يرشد الناس فيه إلى الخير، والتمسك بالكتاب والسنة، وتعظيم شعائر الله، ويعظهم ويذكرهم بالله، وأن ما أصابنا من بلاء إنما هو من عند أنفسنا وأن (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
لا أن يطلق العمومات التي (يجيّش بها) كل من يوافق الخطاب هواه و(يحشد لها الجماهير) تلك الكلمة التي سمعناها من سلمان من قوله قبل عشرين سنة في شريط "الأمة الغائبة": (كل قضية نريد لها أن تنجح علينا أن نحشد لها جماهير الأمة بقلوبهم وعقولهم ومشاركاتهم).
ولكن ما إن برح إلا وناقض سلمان نفسه!
وكما تقدم!
أن المرء يدان بلسانه و(أخدانه)
فمن هم المعتقلون الذين جاء سلمان (ثائراً) بخطابه من أجلهم؟
ليته لما سمى ذكر من يُعرف بصلاح، ويرجى منه طلب الإصلاح! ولكنه سمى من هو مأبون في دينه، فاسد في طريقته!
فهذه مناقضة .. بل كاشفة لمعنى الإصلاح الذي يريده سلمان! .. وكاشفة أخرى لتناقضٍ ولَّدته هذه الفلتة! في:
تهوينه من القضاء، وتهويله حول نزاهته ومصداقيته، من جانب.
ثم قوله: (يجب أن يغلق هذا الملف ولا يبقى من الموقوفين إلا من ثبت تورطهم وصدرت ضدهم أحكام شرعية قطعية) يستثني من المناشدات والمبالغات والتهويلات من صدر بحقه حكم شرعي قطعي!
ثم ما برح إلا وقال: (من الإجراءات الضرورية الإفراج عن معتقلي حسم وإصلاحيي جدة) ليس هذا التماساً منه بالعفو بعد الحكم الشرعي! بل مصادمة لما قرره بأن لا يخرج من ثبت تورطه وصدر ضده الحكم الشرعي! وهؤلاء ممن صدر فيهم الحكم الشرعي بالسجن من جهة!
ومن جهة أخرى:
أن مثلهم مع ما هم عليه من فساد ديانة، وسوء المطالب الدنيوية لا يجرؤ مؤمن أن يقف لهم مؤيداً ونصيراً.
فهل هذا من سلمان العودة يليق بمن شمّ للعلم رائحة، كان الله من وراء قصده؟
ولا ينقضي العجب من الجمهور الذين أشادوا بخطابه مع ما تضمنه عموماً من مغالطات، وما فيه خصوصاً من ذكر معتقلي حسم وإصلاحيي جدة!!
أين عقول القوم؟
بل أين دينهم، وغيرتهم على شرع الله؟
أهي مصالح مشتركة؟ أم ازدواجية المواجهة؟ احتمالان أحلاهما سمّ!
ثم لعله لم يغب عن ذهن القارئ الكريم ثالث الأنظار في مقدمة كلامي وهو توقيت الخطاب! وليربطه بتاريخ إصدار الحكم على الحامد وصاحبه ومن على شاكلتهم وما بين ذلك وميعاد خطابه إلا أيام قلائل لم تكد تبرد فيها سعائر صدور الحاقدين على هذه الدولة بعد صدور الحكم بسجنهم!
وتكرر في خطاب سلمان العودة التعاطف مع دعاة (الإصلاح السياسي) المزعوم! فقال مرة عن الذين احتسبوا وجندوا أنفسهم لكشف ضلال (حسم) وأربابها: (الجيش الأمني في تويتر وقنوات (شبه) حكومية يرمي كل ناصح بأنه (محرّض)، وكل داع إلى الإصلاح السياسي بأنه (طامع).
وقال في آخر خطابه عن مظاهر الخلل في البلاد بحسب دعواه: (من أسباب الاحتقان : الفساد المالي والإداري - البطالة - السكن - الفقر - ضعف الصحة والتعليم - غياب أفق الإصلاح السياسي).
وسوف أستعرض من تغريدات سلمان العودة وجُمَلِ خطابه غير ما تقدم معلقاً عليها باليسر الكاشف بغية للاختصار، وطلباً في ختم المقال، فأقول:
[1] خطابه وجهته لولاة الأمر، وأصحاب القرار! والأصل فيها بصريح السنة، ومنهاج الشريعة أنها تكون بالسر لا العلانية.
وأن القصد (البلاغ) لا (شرطية التغيير) فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وسلمان العودة يزعم أنه لم يتجه إلى هذا الخطاب إلا بعد أن فشلت كافة نصائحه السرية! فيقول: (منطلقي - ويعلم ربي - هو النصيحة للمسلمين عامتهم وخاصتهم، بالأسلوب الذي أراه مؤثراً ونافعا، وقد كتبت كثيراً رسائل خاصة ولم أجد أثرها).
وهذا الكلام مخالف للشرع وواقع سلمان!
أما واقع سلمان: فمنذ عشرين سنة ونيّف وهو معروف بالنصح العلني والتشهير بأخطاء ولي الأمر بدءً من مذكرة النصيحة إلى خطابه اليوم!
أما من جهة الشرع: فإن عدم نفع الرسائل الخاصة، والنصائح السرية مع السلطان لا تبيح لخاصة العلماء وأهل الشأن أن يتجه إلى التشهير، فكيف بمواطن عادي كسلمان العودة؟!
ويراجع في نصيحة السلطان كتابي "وصيتي للإخوان بمنهج أهل السنة في نصيحة السلطان" مطبوع ومنشور في الشبكة.
[2] من إيحاءات سلمان العودة (التهويلية) إشعار الناظر إلى خطابه أن البلاد بلغت حداً من الخلل الجذري، والخوف المسيطر إلى درجة إقحام الأمن في كل جوانب الدولة! فقال: (ارتفاع الهاجس الأمني جعل معظم أنشطة الدولة خاضعة للرؤية الأمنية).
وفي الحقيقة أن هذه مبالغة، بل ربما أن ورقة العرض مقلوبة! وأن الخطاب منه ما هو إلا من (تذمر) و(تضجر) من شدة وطأة الدولة على من يريد الانشقاق عن جماعة المسلمين في كلّ جانب من جوانب الحياة!
فكلما أوقدوا ناراً للفتنة أطفأها الله تعالى بجهاز الأمن! حتى عن طريق (الإعلام) بفروعه، بل حتى عن طريق الحسابات الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي.
وكلما سلكوا طريقة للتهييج وجدوا رجال الأمن، وأصحاب الفضل لهم بالمرصاد!
وها هي أجندتهم (العاملة) و(الهاملة!) تتراشق الدولة في كافة نواحيها بالتشكيك في (أهليتها) و(تماسكها) فما أفلحوا!
وهيجوا الرجال بالاعتصامات فما أفلحوا!
فعمدوا إلى النساء والأطفال كذريعة ومطية وما أفلحوا!
وغرّد آخرون بأكاذيب وتضليلات وزندقات فلم يسلموا من رقابة رجال الأمن! واستنكار عقلاء الشعب.
فكانت ردة الفعل منه هي (التذمر) بمثل هذا الخطاب، وإيهام الناظر بأن هذا الانتشار للرؤية الأمنية ضرب من (الخوف) و(الهشاشة) في الدولة!
[3] تكلم سلمان العودة عن السجون، وأنها مليئة بالمشتبه بهم، وأن ليس لها استراتيجية، وأن فيها تجاوزات وإسراف في العقوبة! وغير ذلك مما يحتاج معه إلى بينة، مع أنني لا أدفع الظلم، ولا أنكر ما لا علم لي به، ولكن الذي أعلمه ويعلمه كلّ مواطن غيور على هذه البلاد أن الثقة كبيرة في وزارة الداخلية، وأن سياستها واضحة، وخطوطها عريضة بينة، وأن إصلاح (من ثبتت جريمته) يهمهم فكيف بمن (هو مشتبه به) فهو أولى من باب أولى ولم يتحمّل حق مسلمٍ ودمه؟
وأعلم ويعلم الجميع أن من (كفرها) وخرج عن (ولايتها) حتى وقع في مصيدة سجون الدول الأخرى: تسعى جاهدة في استنقاذه، وإرجاعه إلى موطنه وأهله.
ومع ذلك يقال: بأن من ثبتت براءته أنه الإفراج عنه واجب، وظلمه جناية، وكذلك من تأخرت محاكمته بغير حق ومسوغ شرعي.
ولكــــن:
ما الحيلة عندما يكتشف المجتمع أن من ينادى بإخراجه بعد التصريح بالأسماء أنهم ممن تورط في الجرائم الكبار؟
بل ما الحيلة وأنت تصرح بمن تريد الإفراج عنه، وتراه ضرورة؟ وهم من أخطر الناس على (دين) الناس و(دنياهم!!).
فمن هؤلاء المعتقلون الذين تقر بسجنهم إذن فوق هؤلاء؟
[4] حاول سلمان العودة تمرير مطالبه في حقوق المعتقلين بأنها مطالب كثيرٍ من الأمراء فقال: (العديد من أفراد الأسرة الحاكمة ليسوا موافقين على سياسة السجون) وأنهم ينكرونه، فواكب ذلك قريباً تغريدة من بعضهم! في حسابه الجديد! وكأنه أمرٌ قضي بليل!
وكلامه لا دليل عليه من حيث العدة والكثرة! ومع ذلك فالعبرة بمن تصوّر الواقع كما هو، وعرف مطالب القوم، ممن الشأن بيده من أهل السلطة والحكم، والخبرة والمعرفة بطرائق القوم.
[5] يقول سلمان العودة: (الجيش الأمني في تويتر وقنوات (شبه) حكومية يرمي كل ناصح بأنه (محرّض)، وكل داع إلى الإصلاح السياسي بأنه (طامع)، بينما الوعي يكبر وينمو!) وقع فيما حذّر منها وكرهه! حيث انتقد (الجيش الأمني في تويتر) وصف الناصح بالمحرض، والإصلاحي السياسي بالطامع! بينما لا يعلم للداخلية حسابٌ رسمي للنقد وكشف طرائق القوم، وإنما مراد سلمان: أهل الحسبة من أهل العلم في تويتر، وفي كلامه تعريض بـالهاشتاق المشهور (#الجيش_الخليجي) وهو عملٌ احتسابي من طلاب العلم لنقض شبه المخالفين لعقيدة أهل السنة والجماعة خاصة في أمور الإمامة والتعامل مع الحكام، ولم أشارك فيه بحرفٍ واحدٍ، ولكن لم أرَ منه إلا خيراً، وإطلاق الألقاب جزاف مرتقىً سهل، ولا يقبل إلا بالبينة الواضحة، وإلا فكم من مدعٍ النصيحة وهو مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة في المناصحة: فاضحٌ غير ناصح، ومحرّضٍ لا يألوا جهداً في تهييج الشعب ولو عند أتفه موقف من المواقف، ومن لديه أدنى اطلاع على تلك الوسائل يقف على إثباته واضحاً جلياً، حتى ذهبت هيبة العلم والديانة من بعضهم، ولم يعرفهم الناس من قبل إلا بالدين والقرآن والدعوة، فصاروا اليوم في تويتر من (أهل الدنيا) وكأن أمر الدين والقرآن والدعوة من (حواشي) اهتماماتهم! وصار رأس همهم انتقاد (أجهزة الدولة) وتتبع (عثرات المسؤولين) و(سياستها الداخلية والخارجية) بنَفَسٍ واحدٍ، وبغيةٍ واحدةٍ لا تخفى على الناظر!
[6] قال العودة: (ابتزاز المواطنين بقضية (شهداء الواجب) متاجرة بدماء الرجال الأبطال (رحمهم الله) .. كلنا مع شهداء الواجب ومع إطلاق الأبرياء أيضا).
ليست هي متاجرة، ولكنّها إحياء للضمير الميت، وتذكيراً للقلب الغافل! بأن من (تحشدون الجماهير) من أجل إطلاق سراحهم، وتتباكون عليهم، وتزينون صورهم، وتبررون أخطاءهم، وتعتصمون وتتظاهرون من أجلهم هم من السعاة في قتل أولئك الأبرياء، وهم السبب في حرمان العديد من الأسر منهم، فإن كان لأولئك المعتقلين آباء وأمهات وأبناء وبنات يطالبون بهم، فأولئك الشهداء بإذن الله لهم آباء وأمهات وأبناء بنات تتفطر قلوبهم عليهم! وللجنود المرابطين الأحياء آباء وأمهات وأبناء وبنات لا يأمنون عليهم من طيش أولئك الذين (حُشيَ الفكرُ الضال) في أذهانهم حتى لم يعد الكثير من الموقوفين محلّ أمان بعد خروجهم إلا بعد التأكد التام من توبتهم! فكم حصل من عفوٍ وصفح عن جمعٍ منهم فعادوا لما نهوا عنه! وأشد.
فمعاذ الله من الظلم، وأُعيذ حكَّام هذه البلاد من الظلم، وأخص وزارة الداخلية بذلك، وأخص منهم إدارات السجون، ولا يسرّ مسلم منصفٌ حال ذوي القتيل ولا ذوي السجين! والعدل الحكم بالعدل، ولنا في القصاص حياة، وشرع الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه البلاد بلاد مباركة لا يجحد فضلها إلا فاجر كذاب، فعمَّ برها (ذوي القتيل) و(ذوي السجين) وشملوا الجميع بالرعاية من كافة النواحي، فلماذا الجحود؟!
[7] زعم العودة بأن وزارة الداخلية لا مصداقية عندها، وتكذب في بياناتها فقال: (إذا فقد الناس الثقة بالجهة الأمنية فمن غير الممكن أن تكون مصدراً معتمداً للمعلومات عندهم).
يؤسفني أن أبحث مع سلمان العودة سمات الصادق والكاذب! والدلائل الصوتية والمقروءة عمن كَذَب وكَذَب وكَذَب! بشتى صنوف الكذب، فدعها تدرج إلى عشّها! ولكن يعلم الجميع أن وزارة الداخلية محل ثقة ولا تزال- عند المنصفين، وجهودهم جبارة تُشْكَر ولا تُكْفَر، وما كانت المصلحة العامة تقتضي التصريح به فإنهم لا يألون بإذن الله جهدا في الصدق ونقل الواقع، أما ما اقتضت المصلحة إخفاؤه أو التعريض به، فإن للحكم تراتيبه وسياسته التي يجهلها من لم يمارسه.
[8] يقول سلمان العودة: (ترويج وجود جهات خارجية ليس حلاً، والواقع أن الخصوم يحاولون استغلال أوضاع داخلية لها أسبابها التي لا يجوز تجاهلها).
ثمّت خطوط متى وصل الناظر بعضها ببعض عرف مراد سلمان العودة، ويعرفها حينما يطلع في تويتر على إشادة (أحرار القطيف!!!) في تغريداتهم بخطابه! وهذه الجملة من مظانّ منشأ الفرح!
[9] بعدما تكلم سلمان العودة بما يرضي (الإصلاحي!) و(التكفيري!) و(الرافضي) ونحوهم، كان يتكلم بلسان المفرد! ثم بدأ في قسم (المعالجة) يتكلم بلسان الجميع!!! فقال: (في الأفق غبار ودخان ومن حقنا أن نقلق مما وراءه والقبضة الأمنية ستزيد الطين بلّة وتقطع الطريق على محاولات الإصلاح، أسمعونا  بعد انتظار طويل ما يوحي بأن عهداً جديداً قد بدأ، عالجوا يأسنا بأخبار إيجابية صادمة وغير متوقعة).
فمن أنتم يا سلمان؟
هذا يكشف أن هذا الخطاب لم يكن من شوارد البال، وإنما هو من (جماعة!) قدموه كـ(الناطق الرسمي) ثم عادوا وتظاهروا بالفرح بالخطاب وتأييده وتمجيده وتصويبه والتأكيد على حاجة الناس والزمان إليه!!
خاتمة القول:
ندائي إلى سلمان العودة وكل من شهد لله بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وللسلف الصالح بالقدوة والأسوة الذين يقولون حين ذكرهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10] وأقول:
تعالوا إلى كلمة سواء:
أن لا نعبد إلا الله، وأن لا نتبع إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نبرأ إلى الله من كلّ قولٍ يخالف صريح القرآن وصحيح السنة، وما عليه السلف الصالح.
وأن نمد يد التعاون الصادق الناصح مع ولاة أمرنا بالسمع والطاعة في المعروف، وأن نناصحهم بالتي هي أحسن، وأن نحببهم إلى الناس، ونحبب الناس إليهم، وأن نصلح أنفسنا، ليُصلح الله لنا حالنا وما حولنا من حاكمٍ ومحكومٍ وبركات الأرض والسماء.
وأن نتقي الله ونكون مع الصادقين! وأن لا نحفي ما لا نعلن، وأن نلتزم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا عند فساد الزمان، بالصبر، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وننبذ الفرقة.
هذا هو العهد والميثاق (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [سبأ: 24]، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
7 جمادى الأولى 1434هـ
الطائف

تعليقات

  1. الآية العاشرة : قوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } . [ ص: 200 ] فيها خمس مسائل :

    المسألة الأولى : قوله : " لا تقف " : تقول العرب : قفوته أقفوه ، وقفته أقوفه ، وقفيته : إذا اتبعت أثره ، وقافية كل شيء آخره ; ومنه اسم النبي صلى الله عليه وسلم المقفى ; لأنه جاء آخر الأنبياء وأخيرهم . ومنه القائف ، وهو الذي يتبع أثر الشبه ، يقال قاف القائف يقوف ، إذا فعل ذلك ، وكذلك قرأه بعضهم : ولا تقف ، مثل تقل .

    المسألة الثانية : في تفسير هذه اللفظة : للناس فيها خمسة أقوال :

    الأول : لا تسمع ولا تر ما لا يحل سماعه ولا رؤيته . الثاني : قال ابن عباس : لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك . الثالث : قال قتادة : لا تقل رأيت ما لم أر ، ولا سمعت ما لم أسمع . الرابع : قال محمد بن الحنفية : هو شهادة الزور . الخامس : قيل عن ابن عباس : معناه لا تقف لا تقل .

    المسألة الثالثة : هذه الأقوال كلها صحيحة ; وبعضها أقوى من بعض ، وإن كانت مرتبطة ; لأن الإنسان لا يحل له أن يسمع ما لا يحل ، ولا يقول باطلا ، فكيف أعظمه وهو الزور .

    ويرجع الخامس إلى الثالث ; لأنه تفسير له ، وإذا لم يحل له أن يقول ذلك فلا يحل له أن يتبعه ; ولذلك قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن المفتي بالتقليد إذا خالف نص الرواية في نص النازلة عمن قلده أنه مذموم داخل في الآية ; لأنه يقيس ويجتهد في غير محل الاجتهاد ، وإنما الاجتهاد في قول الله وقول الرسول ، لا في قول بشر بعدهما .

    [ ص: 201 ] ومن قال من المقلدين هذه المسألة تخرج من قول مالك في موضع كذا فهو داخل في الآية . فإن قيل : فأنت تقولها وكثير من العلماء قبلك . قلنا : نعم ; نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج ، لا على أنها فتوى نازلة تعمل عليها المسائل ، حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصلي ; لا على التخريج المذهبي ، وحينئذ يقال له الجواب كذا فاعمل عليه .

    ومنها قول الناس : هل الحوض قبل الميزان والصراط أو الميزان قبلهما أم الحوض ؟ فهذا قفو ما لا سبيل إلى علمه ; لأن هذا أمر لا يدرك بنظر العقل ، ولا بنظر السمع ، وليس فيه خبر صحيح ، فلا سبيل إلى معرفته . ومثله : كيف كفة من خفت موازينه من المؤمنين ؟ كيف يعطى كتابه ؟ .

    ردحذف
  2. بارك الله فيك وحفظ على هذه الدوله أمنها وأمانها وأبنائها البارين أمثالك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني