من المختارات لكم (89): الرد على من أباح الأخذ من الشعر والظفر ممن أراد أن يضحي

الرد على
من أباح الأخذ من الشعر والظفر
ممن أراد أن يضحي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سألتموني بارك الله فيكم عن ما انتشر من أسطر منسوبة إلى الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى، من كلامه عن حكم الكف عن الأخذ من الشعر والظفر للمحرم، والأصل في ذلك حديث أم سلمة مرفوعاً: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» رواه الجماعة إلا البخاري، ولفظ أبي داود وهو لمسلم والنسائي أيضاً: «من كان له ذبح يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره وأظفاره حتى يضحي» وفي رواية لمسلم: «ولا من بشره».
والحديث صحيحٌ ولا يضره ما وقع في بعض إسناده من اختلاف، ويكفيه رتبة رواية مسلم له، وموافقة الجماعة عدا البخاري رحمه الله تعالى، ورواه إسحاق بن راهويه وجماعة، وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه الحاكم وابن حبان، وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (14/ 22) : «هذا حديث قد ثبت مرفوعا من أوجه لا يكون مثلها غلطا، وأودعه مسلم بن الحجاج كتابه».
وعدم إخراج البخاري له لا يعلّه، لأن البخاري لم يشترط جمع الصحيح، ولقوة شرطه وتحرزه، فقد أعرض عن أحاديث صحاح كثيرة صححها خارج الصحيح، ولم يخرجها فيه لبعض الاختلاف في إسنادها على عادته رحمه الله تعالى.
وحديث عائشة رضي الله عنها لا علاقة له بالأضحية، وقول الشيخ في كلامه: «وقد أنكرت عائشة على أم سلمة ذلك» غير صحيح، فكلام عائشة لم يكن مقابل كلام أمّ سلمة، وإنما كان مقابل قول ابن عباس كما سيأتي- وعن مسألة أخرى وهي: إمساك الحلال عن شعره وظفره وما يمسك عنه المحرم إذا بعث هدياً إلى البيت، فعن مسروق قال: قلت لعائشة: إن رجالا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت، ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها ذلك اليوم، فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس، فصفقت بيديها، فسمعت ذلك من وراء الحجاب، فقالت: «سبحان الله، لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فيبعث بها إلى الكعبة، ويقيم فينا لا يترك شيئا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس» رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم.
وعند مسلم: «فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حلا» في رواية عند الإمام أحمد: «ثم يبعث بها مع أبي» وفي لفظ عند البخاري: «فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس» وفي رواية عند أحمد: «وما يدع حاجة له إلى امرأة حتى يرجع الحاج» وهذه الألفاظ تفيدك فائدتين:
أولها: أن كلامها كان مخصوصاً بمسألة الجماع، فأجابت عنه، فلم يكن في معارضة أم سلمة في مسألة الشعر والظفر.
والثانية: أن الكلام عن الهدي، لا عن الأضحية، هذا وجهٌ قويٌّ من الجواب، وذلك لأن هناك من رأى أن من قلد الهدي وأرسله إلى البيت، فإنه يمسك وكأنه محرم حتى يذبح الهدي! وهذا خلاف صريح السنة وقول الجمهور.
وقد روى الإمام مالك والبخاري (2/ 169) قصة جواب عائشة رضي الله عنها ولمن كان ومن تعني! بإسناده عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها إن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه، قالت عمرة: فقالت عائشة رضي الله عنها: ليس كما قال ابن عباس، «أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي».
قال البيهقي (5/ 383): «فلما بلغ الناس قول عائشة هذا أخذوا بقولها وتركوا فتوى ابن عباس» وهذا يؤكد أنه لم ترد معارضة أم سلمة، وإنما قصدها فتوى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، فكيف يقول الشيخ رحمه الله بأن عائشة ترد على أم سلمة؟
ثم لو قيل بأنها تريد الأضحية:
فقد قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني  (9/ 437) مؤيداً للمنع بـ: «أن عائشة تعلم ظاهرا ما يباشرها به من المباشرة، أو ما يفعله دائما، كاللباس والطيب، فأما ما يفعله نادرا، كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه، فهو احتمال بعيد، وما كان هكذا، فاحتمال تخصيصه قريب، فيكفي فيه أدنى دليل، وخبرنا دليل قوي، فكان أولى بالتخصيص؛ ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصا له».
وما جاء في الأسطر المنقولة بما يفهم منه أن ابن قدامة يرى عدم المنع غير صحيح، ومنقول على غير وجهه، وكلامه في المغني واضح، وهو يرى ما يراه الإمام أحمد من الحرمة والمنع.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى بالآثار (6/ 28) بإسناده إلى مسدد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة نا ابن أبي كثير هو يحيى - أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان: أن الرجل إذا اشترى أضحية، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي.
قال سعيد: قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: نعم، فقلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فالقول بالمنع من الأخذ تحريماً  أو كراهة هو محل اتفاق بين العلماء ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة قاله ابن هبيرة في "اختلاف الأئمة العلماء" (1/ 334).
وأما الاعتراض بأن من أراد الأضحية اتفق العلماء على أن يجوز له أن يجامع المرأة ويمس الطيب، فما دونه من باب أولى، اعتراض غير مسلم، وهو في مقابل النص، وأمر المضحي غير أمر المحرم فيما يحرم عليه، وإنما جاء النص بالامتناع عن الأخذ من الشعر والأظافر، ويلتزم بذلك.
وينبغي أن يُتفطن أن المسألة من مسائل الخلاف والنظر، ولا يشدد على الناس فيها عند اختلافهم، وإنما يرشدون إلى السنة الصحيحة الثابتة، ومن قلّد عالماً ورأى الكراهة أو تأول الإباحة فالأمر في ذلك واسع، والخير في لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تقدم لكم من ثبوتها وعمل العلماء بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
29 ذو القعدة 1436هـ

الطائف

تعليقات

  1. لا اجتهاد مع وجود النص خصوصااذاصح وفهم
    ....

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني