من المختارات لكم (101): الكلباني من القمقم إلى الانفلات!

عادل الكلباني
من القمقم إلى الانفلات!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد تابعتُ ما أذاعته قناة الـ (MBC) من لقاء للشيخ عادل الكلباني في برنامج "المختصر" يوم الجمعة 12 ربيع الآخر 1437هـ، وللكلباني هواه وآراؤه، ولتلك القناة أهدافها، وما تختاره من محاور تحقق آمالها "الرديئة" في المجتمع السعودي خاصة، والعربي عامة!
وقبل الشروعِ في التعليق على ما في البرنامج مما يحتاج إلى نقدٍ وتأمل، ليعلم القارئ الكريم أن من أخبث دسائس أعداء الإسلام، وأخطر حبائل مكرهم، أنهم يستغلون أهل الخير والصلاح، أو ذوي الجهل والانفلات، ويستعملونهم لتحقيق مطالبهم! والوصول إلى مآربهم، وبمثل هذه المقالة تكلم الكلباني في ثنايا لقائه بـ: (أن الاستخبارات لا تنشئ حزباً وإنما تستغل توجهات وأحزاب لتحقيق مصالحها!) وكذلك يا عادل؛ العلمانيون والليبراليون وأعداءُ الإسلام هم ليسوا من ديننا، ولكن يستخدمون من أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا ليكونوا أبواقاً لتحقيق مآربهم، ونصرة مطالبهم، بلسان عربيٍّ مبين، وهيئة دينية علمية! ولحيةٍ وثوبٍ قصير! فيخرجونهم من "القمقم إلى عرش الإعلامية!" وإلا من قبل ما كانوا يُعرفون.
وهذه من أخبث مكائد أعداء الإسلام؛ وإلا كيف دخلوا إلى حوزة العالم الإسلامي في أواخر القرن الماضي إلا عن طريق من يتظاهر للناس بالدين والمعرفة؟ فهذا رفاعة الطهطاوي! الذي ابُتعث واعظاً وإماماً لبعثة مصرية إلى فرنسا، فتشرّب هناك الثقافة الإباحية، وعاد إلى مصر يحمل فيروسات تلك الأوبئة الفتاكة، وفجّر في مصر الدعوة إلى ما يسميه بـ (تحرير المرأة) بثلاث مؤلفات وهي: "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز" و "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية " و "المرشد الأمين للبنات والبنين".
ونفخوا في قفا محمد عبده فطيّروه، وصفقوا لقاسم أمين فجعلوه إماماً، وأشهروا عجوزاً يقال لها: هدى شعراوي، فجعلوها مشروعاً نسائياً إلى التحرير المزعوم والانحلال!
وكذلك هو اليوم يصنعون!
فما إن يظهر جاهلٌ وعابثٌ ولو بـ"تغريدة" أو مقطعِ "سناب شات" يهدم فيه أصلاً، أو يقرر فيه "ضلالةً" أو يتجاوز حدّ "الأدب والأخلاق" إلا وطاروا به، ومنحوه كلّ مزايا الشهرة والاعلامية، فنعوذ بالله أن نكون: فتنة للذين كفروا، ونعوذ بالله من حياة الذلّ والهوان.
أقول هذا؛ لأن أمثال تلك القنوات؛ في استقطابها أهل الدين والعلم لم يكن للدين نفسه! ولا لنصرة الشريعة، وإنما لشيء هم يريدون نشره وتسويقه، ولذا هم لا يطلبون إلا من يحقق أهدافهم وأهواءهم، ممن شرق بمقالات السوء والجهل والانحراف، ويمتطون ظهور السذج والبسطاء من "مخلَّفات الأفكار المنحرفة" الذين أنكروا ما كانوا يعرفون، وجهّال الكتاب، وأقلام سفهاء الأحلام، وطيش أهل السذاجة والهوى، لتحقيق يرومون، وأنا في غنى عن سرد الأسماء!
وعوداً إلى لقاء الشيخ الكلباني: فأنطلق في التعليق عليه من مقالة قالها في أثناء اللقاء، يصوّر فيها حاله لما كان إماماً لجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، لما كانت جموع المصلين تتزاحم على الصلاة خلفه، والاستماع إلى تلاوته، والاستفادة من الدروس والمحاضرات والخطب في جامعه! في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، وحينها كان عادل الكلباني على منبره: يقرع القلوب، وينادي بالفضائل، ويُشهر لواء النبذ والمحاربة للعلمنة والغزو الفكري! بدءاً من قيادة المرأة للسيارة إلى الحكم بغير ما أنزل الله وسياسة الدول!
تلك الحقبة والمرحلة من حياة الكلباني وصفها بأنها "مرحلة القمقم!" فقال: (ذلك الوقت الذي يعيش في القمقم لا يشعر برحابة الخارج..) قيل له: يعني ما كنت تشوف الدنيا! قال: (ما نقدر نقول كذا، بل كان فيه تحذير شديد من النظر إلى الآخر!).
واقمقماه! يا ليتك كنت فيه ولم تزل! ولم يختلط عقلُك وقلبُك بـ "هذا الخارج" الذي تدعي "رحابته" وعوفيت من "الآخر" الذي جذبك ولم تجذبه! حتى زعزع فيك الثوابت، وغيّر المبادئ، فعرفتَ ما كنت تُنكر، وأنكرتَ ما كنت تَعرف، والله المستعان.
دار الحوار مع الكلباني على محاور عدة، نصبها مُحاورُ البرنامج كشِبِاكٍ للكلباني تدور حول: (الردة والتكفير والشيعة- والحجاب الغناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السينما الانفتاح على الآخر!- العادات السعودية) وهذا يؤكد ما سبق! أنهم لا يريدون من البسطاء إلا ما ينصر أهواءهم، لا ما ينصر دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه هي أمّات المسائل التي يشاغب حولها الليبراليون التغريبيون اليوم في إعلامنا! وإلا لن تجد في محاور برامج تلك القناة وفروعها الكلام عن: (مفاسد التبرج والسفور والأفلام الهابطة وتغريب الدين والأخلاق والولاء والبراء خطر العلمانية خطر الليبرالية أسباب انحراف الشباب أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكم الاستهزاء بالدين) ونحو ذلك من المواضيع التي تخدم الشريعة ولا تهدمها.
ويهمني مما جاء في اللقاء خمسة محاور هي محل تعليقي، وهي:
الأول: السرورية!
والثاني: الإخوان المسلمين.
والثالث: الصحوة الإسلامية
والرابع: داعش والسلفية!
والخامس: هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[1] أما السرورية:
فقد سأله مقدم البرنامج عن السرورية وحضورها الإعلامي، وأن الكلباني محسوب عليها وملتصق بها، وله تقاطع معها مختلفاً ومتفقاً! فقال الكلباني: (قلت في العربية زمـان ومدّ بها صوته- لا أرى هذا التيار! في واقعنا لا أراه، وأظنه من مخترعات الجامية!! الذين يسمونهم الآن: غلاة الطاعة! أظن هذا) ثم قال في آخر كلامه: (قد يكون هناك تيار سروري ولكن أنا لا أراه!!).
أيا حياة القمقم أين أنتِ؟ الجامية اسمٌ مختلوق مصنوعٌ مكذوبٌ مفترى يُنكرُه كبار العلماء كالشيخ عبدالعزيز آل الشيخ واللحيدان والفوزان وجماعة ثم تثبته يا عادل؟ والسرورية التي يَعترف بها مؤسسُهُا محمد سرور زين العابدين على الرابط التالي:
ثم لا تثبتها؟ أهذه ثقافةُ "رحابة الخارج" أم لا تزال في "الحياة القمقمية؟"
ففرية الجامية كان أول بثّها في تلك الحقبة! فاخرج من القمقم إلى رحابة الخارج لترى وتسمع وتعرف بالحجج والبراهين ما هي "السرورية الثابتة النابتة" وما هي "الأسطورة الجامية المفتراة!".
فالجامية من مخترعات السرورية وليست السرورية من مخترعات الجامية! المزعومة.
ثم زعم الكلباني أن السرورية إنما ضُخِّم أمرها لتكون شماعة لنقد الناقدين بعد انكشاف منهج الإخوان المسلمين، فقال: (تلاحظ أنه خفّت مسألة الإخوان لم بدأ عهد الملك سلمان، فكأنهم بدأوا يخفون شوي فلابد أن يُخترع شيء جديد يجعل كشماعة نحاربها..) وزعم بأنه على فرض وجودها إن كانت فرقة ضالة فلتصدر فيها الدولة بياناً كالإخوان المسلمين!
فيقال: السرورية حزبٌ إخواني، وما ينال الإخوان من ذمّ فالسرورية معنية به، حيث إن الإخوان المسلمين أمٌّ ولادة للسرورية والقطبية والداعشية والقاعدية وكلّ فرقةٍ من الفرق المنحرفة في الساحة اليوم! ومحمد سرور زين العابدين نفسه اعترف بذلك، وقال: عمري وتاريخي من الإخوان! وشاهد واسمع كلامه هنا:
[2] أما الإخوان المسلمون:
فقد سُئل الكلباني عنهم! فقال: (جماعة الإخوان قبلنا وقبل قبل! وكثير من المشايخ تأثروا بها حتى ولو لم ينضموا إليها لأن درسوا في الجامعات وكانوا مستشارين عند الولاة: معروف الدواليبي ورشاد فرعون وعلي الطنطاوي ومناع القطان رموز كبيرة ... ومحمد الراوي ... ومحمد قطب ... وكانوا تحت سمع الدولة وبصرها ..).
ثم سأله عن تشكيل جماعة الإخوان المسلمين الحالي، كيف تنظر لها؟ فقال: (الحالي لا أدري عنه، لا أتابع .. لا والله ما أدري .. والله ما أدري .. أنا أقرأ فقط .. يعني سب فلان .. يعدمون فلان ....).
فقيل له: تتعاطف معهم؟ تختلف؟ تتفق؟ فقال: (قد أتعاطف وقد اختلف...).
ولا زلت أقول:
هل فعلاً أنك لا زلت في "القمقم"؟ ولم تعرف حقيقة الإخوان المسلمين، وما عندها من مخالفات، وما للعلماء فيها من كلام؟
فأين رحابة الخارج التي حلّقت فيها يا عادل؟ والنظر في الرأي الآخر؟
إن من سميتهم ممن كانوا مستشارين وفي الجامعات وغير ذلك تكلم عنهم الأمير نايف رحمه الله تعالى، وأن المملكة العربية السعودية آوتهم ونصرتهم لما ظلمتهم حكوماتهم، ثم فرّخ من فرّخ منهم الفكر الإخواني المنحرف في أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، في تصريحه الشهير المنشور في "صحيفة السياسة" وكان مما قال: (إن المملكة, انطلاقا من التزامها الإسلامي, ونصرة الإسلام والمسلمين, احتضنت الكثير من اعضاء هذا التنظيم (تنظيم الإخوان) عندما حوربوا في بلدانهم, واضطهدوا, وهدد الموت حياتهم. الا ان البعض منهم, بكل اسف, لم يقدر هذا الفعل الكريم امتثالا لقول المولى عز وجل (وهل جزاء الاحسان الا الاحسان) فانتهز سماحة المملكة وكرمها نحو الاˆخرين, وعمل على النيل من ثوابتها, سرا وعلانية, مستغلا ما وكل اليه من عمل في التدريس والوظائف العامة, لبث افكار لا تتفق مع العقيدة الإسلامية الصحيحة, مما اضطرنا الى ابعاد مثل هؤلاء الى بلدانهم دون الاضرار بهم).
فوجود الإخوان المسلمين في السعودية وتقريبهم في حقبة مضت لا يعد تزكية لهم، فسماحة الإسلام، وحسن النوايا، لا تعرف ماذا كان يُبطن أبو لؤلؤة المجوسي من مكر، ولا لماذا كان عبدالرحمن بن ملجم يبحث عن صانعٍ ماهرٍ للسيوف!
فإكرام ولاة الأمر لهم لا لإخوانيتهم، ولكنّ لحق الإسلام، وعهد السلام، ثمّ أساءوا لمن أحسن إليهم، وهذا يؤكد فساد سياسة تلك الفرقة "المصلحجية" التي تطأ على كلِّ مبدأٍ وكلِّ دينٍ ولو كان الإسلام- وكلّ فردٍ من أجل تحقيق مصالحها الدسيسة.
[3] أما الصحوة الإسلامية:
وذكر المحاور أن الكلباني من نتاجه، وسأله المحاور: (ما هو الشيء الذي غفا حتى تكون هناك صحوة؟) فذكر الكلباني: (أن الغفوة كانت غفوة شديدة، الناس قبل الصحوة كانت حياتهم شبه بعيدة عن الدين!...ولا كان هناك اهتمام بالكثير من الأمور الشرعية) وذكر أن بدايتها (قضية جهيمان) في أول القرن الحالي وقال: (في نظري أن كل ما نعيشه الآن هو نتاج هذا أي الصحوة- في التشدد الديني: يعني داعش وغير داعش كلها نتيجة للتشدد هذا، أصبح الناس لا يرون إلا ما يرى هو أو شيخه، وبالتالي كل من خالفه فهو ضال مبتدع، تفرقت الأمة إلى أحزاب وجماعات، أول تقرأ لأي أحد، تسمع لأي أحد، الآن لا، صار هو يحدد لك؛ من تقرأ ومن تتبع ومن تسمع ومن تتابع ومن لا...).
فيقال: أؤمن بأن للدين إقبالاً وإدبارا، وقوةً وضعفاً، واجتماعاً وفرقةً، وعزةً وغربة، ولكنّه:
لا يغفو! ولا ينام! كي يصحو ويستيقظ! فلا يزال يحمله من كلّ خلف عدوله، ولا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق (ظاهرة) (منصورة) لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وبِغضِّ النظر عن حكم إطلاق لفظ: (الصحوة الإسلامية) ليُعلم أن الدِّينَ لم يكن غائباً قبلها، ولم تخلُ هذه البلاد من علماء، ودعوة، وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، ولكن تعرَّضت بلادُنا في أواخر القرن الماضي إلى حملة قوية مضادة للدعوة السلفية التي قامت عليها، وكابدت غارات فكرية متعددة من الطوائف الإلحادية والقومية العربية، وتسرب منها ما تسرب إلى أديان كثير من الناس فصُرف الكثير من الناس عن العلم والتمسك بالسنة، ثم في صدر هذا القرن (جدَّد) الله لهذه الأمة أمر دينها لما عاد الناس للعلم الشرعي، والتمسك بالسنة، والوعظ والدعوة، وانتشرت المكتبات، والأشرطة الإسلامية، ولم تكن الوجهات حينذاك سياسية! كما هي (المخرجات) التي يذكرها الكلباني اليوم! حتى من كثير من المتسلقين على تلك التي سموها (الصحوة) الذين ما عرفهم الناس من قبل إلا بشروح كتب العلماء كـ: (العقيدة الطحاوية) و(بلوغ المرام) و(منار السبيل!) والوعظ وقرع القلوب بـ(هادم اللَّذات) و(إلى جنات النعيم) فلم يكن حينذاك (الوعد الحق والوعد المفترى) ولا (وعود كسنجر) و(صناعة الحياة) و(الإغراق في الجزيئات) ولا الوجهة السياسية التي تقمصها (الصحويون) بعد ذلك، فهجروا الدروس، واشمئزوا من الوعظ والتذكير، وتعالوا على الكتب والمتون والحواشي الصفراء! واستهانوا بالعلماء ووصفوهم بالعمالة وعدم فقه الواقع وأنهم لا يصلحون أن يكونوا مرجعية دينية للناس، وأن غاية فقههم دخول الشهر وخروجه، والحيض والنفاس!
ولا تزال هذه العادة هي المنقادة لهم إلى اليوم بأسماء تتجدد! يسري أحدهم إلى قلوب الناس بـ: الوعظ، وسحائب الدموع، وهز المنابر، والحلال والحرام! حتى (تُحشد) من حوله الجماهير العطشى للدين والتمسك به، ثم ما يلبث إلا ويكشف قناع (التحزب والسياسة) وينادي إلى (الخروج) و(الثورات) ونراه (يحل ما كان يحرم) و(يحرم ما كان يحلّ) ولا يُعظِّم الحرمات، ولا يجتنب الشهوات، ونعوذ بالله من الخذلان والحور بعد الكور.
ولكن:
يهمنا في كلام الكلباني أن (داعش) صارت باعترافه: (نبتة صحونجية!) والتي يذكر بأن ميلادها كان في أول هذا القرن بعد (حادثة الحرم) فما لها ولـ"الدرر السنية" و"السلفية" التي تُعرف قبل هذا القرن بقرنٍ وقرون! وقد رأيناها خرّجت لنا فتية آمنوا بربهم، ونشروا السنة، وبيّنوا العلم، ورابطوا في مجالسه، كأمثال: محمد بن إبراهيم ومحمد الأمين الشنقيطي وعمر بن حسن وعبدالله بن حميد وعبدالرزاق عفيفي وعبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين وخلق كثير، قادوا الأمة، ونشروا السنة، وما حملوا سلاحاً، ولا فجروا ولا خرجوا، ولا سفكوا الدماء، فهؤلاء هم "مخرجات السلفية" وأما مخرجات "الصحوة" المتباكى عليها فكانت إما:
[1] إلى أقصى اليمين! بالانفلات والانقلاب الفكري المنحرف!
أو
[2] إلى أقصى اليسار بالدعشنة اللعينة التي أفسدت بين البلاد والعبادة.
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) [غافر: 58] (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: 28].
[4] أما داعش والسلفية:
فهي كذبة كلبانية ظاهرهُ فيها قومٌ آخرون، وقد تكلَّمت عنها كثيراً في مواطن عدة منها ردي على الكلباني نفسه في مقالي:
فكان مما قال الكلباني في لقائه: (داعش نبتة سلفية! فأقرّ ولكن جعلهم مستغلون من الاستخبارات، وقال: ليست إخوانية!!! وليست قطبية!!! وليست صوفية وليست أشعرية!! يستدلون بما في كتبنا نحن!!! مبادئنا نحن، ولذا تجد أكثر من ينقدها لا ينقد فكرها وإنما ينقد فعلها!! نحن نريد نقد الفكرة التي بنت عليها! مثل المرتد، لماذا لا نتكلم فيه ونوضحه! ونجعل من يقيم الحد عليه ومن ومن ...).
ولا أدري أهو لا يزال في القمقم أم خرج؟
وهل داعش إلا نزيعة من: تنظيم القاعدة اللادني!
وهل ابن لادن إلا خريِّج مدرسة: عبدالله عزام الإخواني؟
وهل حزب حكمتيار وبيت الأنصار إلا معقلٌ للإخوان المسلمين؟
ومن أي ملة وطائفة تخرج إمام التنظيم: أيمن الظواهري؟
هذا شغبٌ متكرر من الكلباني، وعدوان معتاد، وإلا فالسلفية، والدرر السنية، وعقائد أهل السنة، خرَّجت (دولة آل سعود السلفية) الذين نشروا الإسلام والسلام والتوحيد والسنة، وعمارة المساجد، وتعظيم شعائر الله، ولم (تخرِّج دولة البغدادي الخارجية) التي أفسدت في البلاد وبين العباد، وفجَّرت المساجد، واستحلَّت الحُرمات، وسفكت الدماء، ففرق بين الفريقين، وبين ميدان العلم في الدولتين.
إن الفكر الداعشي:
فكرٌ إخوانيٌ قطبيٌّ سُوّق بين أهل الإسلام بـ: (القرآن) و(السنة) وراج بين أهل السنة بـ: (الأسماء السلفية).
فكما لا يُعاب (الإسلام) بانتسابهم إليه، ويقال: الإسلام منهم براء ولو انتسبوا إليه، واستدلوا بمصدريه (القرآن) و(السنة) بدليل أن المسلمين الصادقين يتبرأون منهم، فكذلك لا تُعاب بهم (السلفية) ويقال أيضاً: السلفية منهم براء، والسلفيون الصادقون يتبرأون منهم، بل إن السلفيين ومن تسميهم بالجامية اليوم- هم أكثر الناس كلاما، وأصدقهم بيانا، وأقدمهم إيضاحاً لضلالات الفكر الداعشي الخارجي، وانحرافات ابن لادن وتنظيمه التي يسير على منهاجها الدواعش اليوم، أيام كنت في "القمقم" وخطبك الرنانة عن "الاستعانة بالكفار" و"العلمانيين" و"قيادة المرأة للسيارة" وحين كان جامعك في أم الحمام على حدّ قولك: منبراً للصحويين، كان السلفيون الصادقون ينشرون كتب أهل السنة في ذم الخروج، والأمر بالسمع والطاعة، ونبذ الغلو في التكفير، حتى نالهم ما نالهم من الأذية والتهمة والابتلاء والله موعدهم وخصومهم أجمعين.
السلفية خرَّجت من إليهم مآل الفتوى، والتحذير من الخوارج، والفكر المارق، فصاروا لهم بالمرصاد، كأمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والألباني وابن عثيمين واللحيدان ومحمد أمان الجامي وأحمد النجمي وابن غديان والفوزان وخلق كثير، تكلموا في نبذ الخوارج، وطرائق الحزبيين، مع مطلع هذا القرن بل وقبله، وصلاً لمواقف أئمة أهل السنة قبل ذلك.
[5] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دينٌ وجهاد:
ولا يوصف بـ: (اللقافة) ولا نرى من يسميه بـ: (اللقافة) إلا زنادقة الليبراليين، فلماذا يتجه إلى قولهم، وينطق بلسانهم، ويُغرّد في حسابه بمثل ذلك وإن كان قصده نقد تجاوزات من أخطأ من رجال الحسبة، ولكن والحملة شعواء على هذه الشعيرة، ولسان الضلال يصف صنيع أهل الحسبة دوماً في مقالاتهم وبرامجهم بـ: (اللقافة) و (التدخل في الخصوصيات) فكيف يأتي الكلباني ويقول مثل هذا القول؟
أيسمونها بغير اسمها؟
ميِّز الحق من الباطل يا شيخ! وأرشدِ الناس للصواب، وافرق بين الهدى والضلال، واذكر هذا وهذا، أما أن تنطق ببعض القول، وتأخذ جزء المراد بما يُرضي عنك أرباب القنوات، وأصحاب الأقلام الذين يستضيفونك هنا وهناك بين الفينة والأخرى، فإنَّ هذا من أقبح المكر، وأسوأ الجهل مهما كان معك من مبدأ سليمٍ بعد ذلك.
فانصر الهيئات، وأظهر أحكام الجهاد باللسان والسنان، وانقد الخطأ كيف كان.
وختاماً:
ذهب المحاور بالكلباني كل وادٍ ومذهب، وأدخله من موضوع في موضوع، فذكرت بعضها وأعرضت عن الآخر، غير أني قبل أن أختم كلاماً أذكر أن الكلباني ذكر بأن هناك من وقع في الحمية الجاهلية والعنصرية حتى في هيئة كبار العلماء، فإن كان يعني أن هذا من شريحة معينة من الناس فربما يقع من أناس هو يعرفهم وعايشهم وسمع منهم، ولكن من حيث ميزان العلم والعدل، فالميزان هو: العلم الشرعي، والالتزام بالسنة، فمن تحقق فيه ذلك كان له المكانة والشرف والرفعة والاحترام والإجلال، ولا ينظر بعد ذلك إلى أصله نجديا كان أو غير ذلك، سعودياً أو غيره، وعبدالظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي، وعبدالرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء كانا من مصر! ومحمد الأمين الشنقيطي حافظ عصره صاحب "أضواء البيان" موريتاني الأصل، والحق بهم: من المشايخ في هيئة كبار العلماء وفي غيرها، وهم كثير، لم ينظر طلاب العلم النبلاء، ولا عامة الناس العقلاء بهذا المنظار الطبقي الجاهلي، فعمّن يتكلم الكلباني.
فأسأل الله تعالى أن يعيد الشيخ الكلباني إلى رشده، وسبيل الحق، ويلزمه كلمة العدل والتقوى، ويعيذه من مضلات الفتن، ويبعده عن سخافات القول، وقبائح الطباع، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى  آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بدر بن علي بن طامي العتيبي
يوم الأحد 14 ربيع الآخر 1437هـ


مقالات ذات صلة:
يا كلباني ... أنت فقط من ذاق تلك المعاناة:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني