من المختارات لكم (132): الرد على الجاهل، والدفاع عن الإمام ابن قدامة


الرد على الجاهل، والدفاع عن الإمام ابن قدامة
في مسألة كلام الله تعالى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد عقّب بعض الجهال على كلامٍ لي بينت فيه براءة الإمام أبي محمد ابن قدامة من عقيدة أهل التجهيل والتفويض، وقال في كلامه: «الغريب أن الدكتور ذكر كتاب "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" لابن قدامة، والذي يقرر فيه أن القرآن كلام الله القديم، وليس حادث الآحاد، كما تقوله السلفية، فواضح أن الدكتور لا يجهل فقط منهج ابن قدامة في المتشابه، بل حتى في صفة الكلام لم يحقق عقيدة ابن قدامة!!».
وأقــــول:
هذه حماقة من قلب جاهل! فالكتاب الذي أشرتُ إليه كتاب "مناظرة في القرآن وإثبات الحرف والصوت"، وليس كتاب "الصراط المستقيم"، فهذا الرجل: جاهل بمؤلفات الإمام ابن قدامة، ومع ذلك فكتاب "الصراط المستقيم" من أفضل المؤلفات المصنفة في الردّ على الأشاعرة، فأبطل الإمام ابن قدامة قولهم بأن القرآن "كلام نفسي" وأن ما بين أيدينا مجرد "عبارة" فأثبت أن القرآن كلام الله تعالى، وهو المتلو بالألسن، والمكتوب في المصاحف، والمحتج به على الأنام كيفما كان، وأنه من كلام الله، وأن كلام الله (قديم) والمراد بالقدم (قدم النوع) أي قِدم الحرف! ولذلك يبطل على هذا الأحمق اسم الكتاب "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" ولم يقل: أن القرآن قديم!، والقرآن حادث الآحاد من صفاته الفعلية، ونوعه من صفات الله تعالى الذاتية القديمة، وفي مقدمة كتابه "مناظرة في القرآن الكريم" (ص: 18) ذكر ابن قدامة باطل قول المخالفين وأنهم يقولون: «أَن الْقُرْآن معنى فِي نفس الْبَارِي» فقط، وبيّن أن ما تكلم الله به بمشيته هو كلام الله أيضاً، وما كان منه في القرآن: فهو قرآن، وقال أيضاً (ص:20) عن قول خصومه: «وَإِن قَالُوا إِن كَلَام الله عز وَجل هُوَ هَذِه الْكتب وَإِن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن كَلَام الله عز وَجل الْقَدِيم لَكِن لم ينزل مِنْهُ شَيْء على الْأَنْبِيَاء وَلَا هُوَ شيءٌ يحفظ وَلَا يُتْلَى وَلَا يسمع وَإِنَّمَا أنزل عِبَارَته كذبهمْ الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة»، فتأمل كيف حكى أن خصومه من الأشاعرة يقولون بأن الكتب السماوية (قديمة) وما نزل على الأنبياء إنما هو مجرد (عبارة) عنها، وبين أن هذا قول كذّبه القرآن والسنة والإجماع، وبيّن أن الأشاعرة يموهون على الناس أمر دينهم، ويتظاهرون بالإنكار على الجهمية وهم منهم، وقال (ص: 35): «وَلَا نَعْرِف فِي أهل الْبدع طَائِفَة يكتمون مقالتهم وَلَا يتجاسرون على إظهارها الا الزَّنَادِقَة والأشعرية»، فهل يستطيع هذا المأفون أن يقول بقول ابن قدامة هذا؟ وهل يستطيع الجهال الجدد! أن يقول كذلك هذا القول؟
وما تمسك به هذا الأحمق من عبارة في رسالة «الصراط المستقيم» فَهِم مِنها القولَ بقدم القرآن، هو من اتباع المتشابه لا غير، حيث ترك كلَّ كلامه الصريح، في إبطال قول الأشاعرة، وتمسك بهذه الكلمة، ولا حجة له فيها، حيث أن الإمام في معرض قيام أهل السنة ضد الجهمية (ص:37): «وما اعتقدت المعتزلة الخلق إلا في القرآن، فخالفهم أهل الحق، وقالوا: هو كلام الله القديم، منزل غير مخلوق»، ومراد الإمام قِدم النوع، وتقدير قوله: «هو "من" كلام الله» وكلام الله صفة من صفاته قديمة، خلافاً لما عليه الجهمية أنه مخلوق.
وهذا مذهب ابن قدامة في كلّ مصنفاته في الاعتقاد، ومن ذلك لما ذكر الكلام عن «كلام الله» في عقيدته المشهورة "لمعة الاعتقاد" قال (ص: 15): «كلام الله ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه»، فوصفه بالقِدم، ثم بعد الفراغ من تقرير ذلك، وذكر أدلته، قال(ص: 18): «ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي» إلى أن قال: «ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف»، ولم يذكر بأنه: قديمٌ، مع إقراره فيما سبق أن كلام الله قديم، أي قِدم النوع، كسائر صفاته عز وجل، وهو حادث الآحاد، والكل من صفاته عز وجلّ: خالق ويخلق متى شاء، ومتكلم يتكلم متى شاء، ولا يعطل شيئاً من صفات الله تعالى، خلافاً للجهمية وأفراخهم الأشاعرة الذين عطلوا الله من صفاته.
وخلاصة الأمر أن قول هذا الأحمق لا يُتلفتُ إليه، وسيبقى ابن قدامة غصة في حلوق أهل الضلال، وخاصة الذين ينتسبون كذباً وزوراً إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقد تكلمت عن عقيدة الإمام رحمه الله تعالى في أكثر من كتاب، ويراجع على سبيل المثال: كتابي «براءة الحنابلة من عقيدة أهل التجهيل» وكتابي: «بيان الخطأ العريض في دعوى من نَسَب الإمام ابن قدامة إلى عقيدة أهل التفويض»، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
السبت 28 شوال 1441
الرياض

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المختارات لكم (130): نفي نسبة كتاب الحرف والصوت للنووي

من المختارات لكم (147): الرد على دعدوش وكلامه في صراع نجد والحجاز ومن يحق له امتلاك الحرمين

من المختارات لكم (45): وقفات مع عقيدة حاتم العوني