من المختارات لكم (78): دعونا من الجامية ..... وتعالوا إلى كلمة سواء!
دعونا من الـجـــامـــيــــة
وتعالوا
إلى كلمة سواء
الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله.
أما بعد:
فقد زاد الصِّراعُ عن حدِّهِ
في إثباتِ أنَّ هناك فرقةٌ جاميةٌ! إرجائيةُ المعتقد، وتطعن في أهلِ العلم، وتحاربُ
الحسبة، وغيرُ ذلك من أساليبِ التَّشويهِ والتَّمْويِهِ، وصَرْفِ النَّاس عن أصلِ
المراد، وحقيقةِ المطلوبِ!
وقد كتبتُ كثيراً عن بطلان
هذه التسمية، وأنَّها ما هي إلا من اللغوِ في الحجة، والتنطع في النِظَار، فكلَّما
قرَّر المصلحون الناصحون أمراً يخالف أهواءهم، شاغبوا عليهم:
بما اختلَقوه لهم من أسماءٍ؛
كما شغّب من قبلهم على أهل السنة بأنَّهم: حشويةٌ ونواصبٌ وشكاكةٌ ومجسمةٌ ووهابيةٌ
واليوم يقولون: جامية!
وربما شاغبوا عليهم
بأكاذيب هم منها براء؛ كدعوى أنهم يطعنون في العلماء، ويشتمون الصُّلحاء، وهي عادة
منقادة لأهل الضلال من عصور الأنبياء، فقالوا: يسفه أحلامنا، ويخالف طريقة آبائنا،
ويشتم آلهتنا.
قال الإمام السجزي رحمه
الله تعالى في رسالته إلى أهل زبيد (ص308): في ذكر حال أهل البدع في مقابلة الحق:«أن كل من يخالفهم نسبوه إلى سب العلماء، لينفروا قلوب العوام عنه وقرفوه بأقاويل لا
يقول بها ولا يعتقدها بهتا منهم وكذبا؛ لأن البهتان والكذب لا قبح لهما في العقل وإنما
علم قبحهما بالسمع، والقائلون بخلاف قولهم ضلال عندهم ولا حرمة لهم».
وهذا من شغب أهل الضلال
بثانويات الأمور، وبُنيات السُّبُل عن جادة الحق، وسبيل البينة، كما قال المشركون
الأوائل: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)
[فصلت: 26] ولما توعد الله المشركين في مخالفتهم سبيل المصلين، وأن موعدهم نارٌ
عليها تسعة عشر من الملائكة، لما يسألوا عن النار، ولا عن موجب دخولها، ولا عن
مراد الله تعالى منهم! وإنما تنطعوا بسؤال لغوٍ دافعه بطر الحق، والشغب دون قبوله!
فقالوا: لماذا خزنة النار تسعة عشر؟ ولم يكونوا أكثر أو أقلَّ؟
وما شأن هذا بصُلْبِ
الحجة، وغايةِ البعثة؟ إلا العناد والتكبر عن قبول الحق، فأنزل الله تعالى: (وَمَا
جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ
بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)
[المدثر: 31].
وجاءهم نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه فقالوا: أبترٌ لا أبناء
ذكور له!
وما شأن هذا بدعوة الحق،
وحق العبد على سيده عز وجل الذي أرسل إليهم هذا الرجل لينقذهم من الضلال إلى
الهدى، ومن الشرك إلى الإسلام؟
وجاءهم موسى عليه السلام
بالبينات والهدى، فقالوا: آدر! أو في عورته عيبٌ وبرص! مشاغبة دون قبول ما عنده من
الحق، وما جاء به من ربّه عز وجلّ من إفراده بالعبادة، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا
قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) [الأحزاب: 69].
فالشغب اليوم حول اختلاق
مسمى طائفة اسمها الجامية! يصدون بها العامة عن الحق، ويختلقون لهم الأكاذيب، أو
يلفقون بها التهم، ويصرفون الناس عن حقيقة ما عندهم من دين، وما عليه من طريقة،
فيقال لهؤلاء:
دعونا من
الجامية وتعالوا إلى كلمة سواء
ولتكن الجامية كما زعمتم؛
فدعوها وتعالوا إلى كلمة سواء، ولا تبعدوا الناس عن ميدان الصراع ومعاقل النزاع:
[1] عودوا إلى دعوة
التوحيد والسنة، وعليكم بكتب الأثر والحديث، وانشروا كتب شيخ الإسلام محمد بن
عبدالوهاب وأئمة الدعوة السلفية، ومن قبله من أئمة السنة كشيخ الإسلام ابن تيمية،
واهتموا بها، وامتحنوا رموزكم بهذه الكتب.
نريد من منهم من يشرح "كتاب
التوحيد".
ومن يتربع في جامعه ويُقرئ
"الدرر السنية".
ومن يقعد على كرسيه ويشرح "السنة"
للبربهاري.
ومن ينادي الجمهور إليه
ويشرح "ثلاثة الأصول".
هل سيقومون بذلك؟
أليسوا هم قادة الأمة؟
أليسوا هم الدعاة إلى
الخير؟
أين هم عن كتب أولئك
الأئمة؟
لماذا يخجلون من نشر
مؤلفاتهم، وشرحها، والثناء عليها، وامتحان المخالفين بها، والإكثار من ذكرهم، ونشر
مآثرهم؟
هل هذا الطلب عسيرٌ؟
وهل من طالب به، أو حققه
يكون جــــامـــيــــاً؟
[2] نابذوا أهل
البدع، وأعلنوا البراءة منهم، وردُّوا عليهم، فهم من أمم الهلاك بنص كلام النبي
صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة هم الموعودون بالنجاة، لا تغشوا الأمة بتمجيد أهل
البدع والأهواء، ووصفهم بالتجديد للدين! ولا بالثناء على من يطعن في الصحابة،
ويشكك في ثوابت الملة، ويستهزئ بالسنة.
حذروا من
الرافضة؛
ديانة لا سياسة! ومواكبةً لميول الوقائع، وصراعات الأنظمة.
حذروا من
غلاة الصوفية؛ ديانةً ولا تجالسوهم، وتعانقوهم، وتوزعوا
الابتسامات في مجالسهم لأنهم وافقوا ما عندكم من أهواء ورغبات.
وحذروا من
الخوارج؛ الذين يكفرون الأمة، ويستبيحون الدماء، ويسلبون الأموال،
ويروعون الآمنين، ويتركون أهل الأوثان ويحاربون أهل الإسلام، ويدعون إلى الخروج
على أئمة المسلمين، وينادون إلى الثورات والمظاهرات التي قرر العلماء والعقلاء
منعها، وحذروا من عواقب شرها كما نراه اليوم.
حذروا من
المرجئة؛ الذين جعلوا الإسلام بلا روحٍ ولا هوية، ودفنوا معالمه، وأضعفوا
قوته، وجردوه من الأعمال، وامتطى صهوتهم الليبراليون والزنادقة، فنطقوا تحت ظلال
ألسنتهم بكلّ كفر، وقارفوا كلّ ضلالة.
أرونا الصدق
منكم في جلاد الليبرالية؛ فاخلعوهم، واهجروا من طلب "النهضة"
بهم، وسعى إلى "حسم" القضايا بأياديهم.
انشروا كتاب الشريعة
للآجري، وأقرأوا على الناس الإبانة لابن بطه، وجددوا طباعة "الرد على المخالف
من أصول الإسلام" و"هجر المبتدع" و"حكم الانتماء للفرق
والأحزاب" للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله كما أنشر أوصي –عن خاصة نفسي-
بكتاب "تصنيف الناس بين الظن واليقين"!
ولا تظلموا الناس، ولا
تقبلوا الغيبة والنميمة، ولا اتهام الناس بالباطل، وردوه على قائله كائناً من كان.
هل هذا الطلب عسير؟
وهل من طالب به، أو حققه
يكون جــــامـــيــــاً؟
[3] حذِّروا من الخروج
على الحكام، ومقارعة الأنظمة، ودعم
الثورات، وعليكم بوصية محمد صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة، والصبر على ظلم
الأئمة وجورهم، وعدم الخروج عليهم.
وخاصة دولة التوحيد
والسنة؛ المملكة العربية والسعودية، التفوا حول حكامها، وشدوا أيديكم بأيديهم، وانشروا
محاسنهم، وناصحوهم إن أخطئوا سراً، ولا تفتحوا باب الشر للناس.
فكلُّ ما يُعاب
به أئمتنا فهو في غيرهم وأكثر، وكلّ ما يُثنى به على غير أئمتنا؛ فهو فيهم وأكثر.
فاسمعوا واطيعوا، والزموا
نصيحة السرِّ، وادعوا إلى الجماعة ولا تنادوا إلى الفرقة، فإن الجماعة رحمة،
والفرقة عذاب.
لا تغادروها، ولا
تخالفوها، والزموا جادة العلماء في الدين كلّه، ولا تنحرفوا عن سبيلهم، فإنهم بخير
نطقوا، وبعلمٍ وعقلٍ سكتوا، قومٌ اصطفاهم الله تعالى ليكونوا ورثة الأنبياء، وحملة
الشريعة، وهداة الأمة، فالتفوا من حولهم، وأحيوا رياض علومهم، ونادوا الملايين
الذين يتابعون قنواتكم، وحساباتكم الالكترونية إلى مجالسهم، وإلى إحياء دور العلم،
فالله تعالى لا يُنصر بالجهل، ولا يُتعبد له به، وإنما ينصر الله بالعلم، ويُتعبد
له بالعلم، وما العلم إلا قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن
الصحابة والتابعين.
هل هذا الطلب عسير؟
وهل من طالب به، أو حققه
يكون جــــامـــيــــاً؟
فهذه ثلاث وصايا، وثلاث
أحديات:
[1] توحيد العبادة.
[2] وتوحيد السنة
والطريقة.
[3] وتوحيد الجماعة.
تحقيقها هو المطلوب، وهو
الخير المرغوب، ومن نادكم إلى ذلك يجب أن تذعنوا إليه، وأن تقبلوا قوله، وتحققوا
حقيقة الاسلام والاستسلام لله تعالى في قبول أمره، واجتناب نهيّه، ولا يهمّ بعد ذلك ما سميتم من دعاكم إلى ذلك من أسماء، فما
تغير الأسماء مضامين الحقائق (إِنْ
هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم: 23].
والله أعلم،،،،
وكتب
بدر بن علي بن
طامي العتيبي
عصر
السبت 27 رجب 1436
تعليقات
إرسال تعليق