من المختارات لكم (81): الولاء والبراء بين السياسة الشرعية ودعاوى محاربة الطائفية
الولاء
والبراء
بين
السياسة الشرعية ... ودعاوى محاربة
الطائفية
الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله.
أما بعد:
فإنَّ دِعَامَة عقد
الإسلام، وقاعدةَ الملة، وحقيقةَ التَّوحيدِ: البراءةُ من دين المشركين، وإعلان
البراءة منهم، وعدم موالاتهم، والقرآن الكريم مليء بالآيات الدالة على هذا الأصل
العظيم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى
الإِيمَانِ) [التوبة: 23] وقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ
بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ
اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22] وقال
تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى
اللَّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران: 28] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)
[النساء: 144].
والأدلة من السنة كثيرة
جداً، وعلى ذلك إجماع علماء الإسلام في تحقيق هذا الأصل العظيم من دين الله تعالى،
في شرح يطول ذكره هنا، وقد جمع أدلة ذلك أهل العلم في مصنفات مفردة.
إذا عُلم
هذا؛ فلا يخفى على الناظر المتابع للأوضاع هذه الأيام ما يقومُ به
أهل المكر والخديعة، والمروق عن الدين وجماعة المسلمين من الأعمال التخريبية
الغادرة، وقد قاموا بغارتين غادرتين على بعض أتباع المذهب الشيعي في شرق البلاد،
وهذه جناية ليست من دين الإسلام في شيء، وما دافع أولئك الخوارج إلى هذه الأعمال:
محاربة المشركين، ولا هدم معابدهم كما يزعمون في بياناتهم، فهم من قبل قد فعلوا
أشد من ذلك مع أهل السنة! وفي بيوت الله تعالى، وسفكوا الدماء، وغدروا بالذمم،
وانتهكوا حرمات المسلمين، وروّعوا المؤمنين، فليس مرادهم -وايم الله- نصرة الدين
الحق، ولا محاربة المشركين، وإنما هو الانتصار لأهوائهم الضالة، وعقائدهم
المنحرفة، وتحقيق غايات أعداء الإسلام في خراب ديار المسلمين، والخروج على أئمتهم،
وغرس الفتنة بينهم، كما صنع اليهود في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم، حيث أوغروا
صدور جهّال المسلمين على إمامهم الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفان رضي الله عنه،
ولفقوا عليه التهم، وكذبوا عليه الأكاذيب، حتى حاصروه وقتلوه، واستحلوا منه ما
حرّم الله تعالى، فصاروا مطيةً لأعداء الإسلام، فقادوهم إلى الغدر بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتله، وكذلك
قتال آل بيته الطاهرين رضي الله عنهم، وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في
قتالهم للخوارج الموارق.
فهذه غاية الخوارج التي لا
تخفى على الخبير بأحوالهم، ودوافع أقوالهم وأفعالهم، وسنة الله تعالى في مآلهم.
ومن قبيح
صنيع هؤلاء الموارق:
أنَّ أهل الضلال من
الرافضة وأذنابهم -من عبيد الليبرالية وأدعياء الحرية-:
نسبوا ما يقوم به هؤلاء
الضلّال إلى أهل السنة كما سموهم بـ: (وهابية).
وكانوا كأعداء الإسلام
عندما نسبوا أفعال الخوارج إلى: الإسلام وسموها بـ: (إرهابية).
فالحال واحد من أعداء
الإسلام، وأتباعهم من أعداء السنة، وهذه هي سَنَنُ اليهود والنصارى التي أخبر عنها
النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من عظيم مطالب أهل
السذاجة ورقة الديانة؛ تصحيح مذهب الرافضة، والمغالطة والملاغطة فيما هم عليه من
كفريات من دعاء غير الله تعالى، واعتقاد صفات الربوبية في أئمة آل البيت، والطعن
في أمهات المؤمنين، والصحابة المرضيين، وتعطيل القرآن والسنة، وغير ذلك.
بل نادى كثيرٌ من هؤلاء
إلى العودة إلى مصافاتهم، وموالاتهم، والتعايش معهم، وإظهار محبتهم.
بل زاد الأمر ببعض الحمقى
أن نادى بمشاركتهم في عباداتهم! وأن يصلي السُّني في معابدهم، ويصلي الرافضي في
مساجد المسلمين!
ومنهم من جعل الخلاف بين
أهل السنة والرافضة خلاف نظري اجتهادي لا يصل إلى المفاصلة في أصل الدين، وقاعدة
الشريعة، وكلمة التوحيد لا إله إلا الله، وصدق الشهادة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم بالرسالة!
وكلّ ذلك منهم تحت شعار
"محاربة الطائفية" و"الحفاظ على اللّحمة الوطنية" وغير ذلك من
الشعارات المزيفة المصادمة لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمخالفة لإجماع المسلمين تحقيقاً وتطبيقا.
فالطائفية والمفارقة أصل
من دين الله تعالى لا يدفع، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة –أمة الإجابة-
ستفترق على ثلاثين وسبعين فرقة، وأن كلّها في النار إلا واحدة، وهم من كان على مثل
ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والرافضة والخوارج والمرجئة
والجهمية وأمثالهم –والله- ليسوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه.
وقال النبي صلى الله عليه
وسلم: «إنه من يعش منكم بعد فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ
محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» وهؤلاء الروافض ليسوا على سنة الرسول الله صلى
الله عليه وسلم في العقائد ولا في الأحكام ولا في الأخلاق والآداب! ولا هم على سنة
الخلفاء الراشدين، بل هم يكفرونهم ولا يرضونهم ولا يترضون عليهم.
والخوارج مِثْلهم في ذلك.
وقال النبي صلى الله عليه
وسلم: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب
يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون،
ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن
جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».
فأصل الاختلاف والافتراق
من الواقع الكوني القدري العام الذي لا دافع له من دون الله تعالى، وهو بكل شيء
عليم وحكيم.
فمكافحة الطائفية لا تعني
«الموافقة على التعددية والإقرار بها»
«وغض الطرف عن قبيح قول المخالفين، ومشين فعالهم» وإنما
تعني أن يقال لهم: (تَعَالَوْا إِلَى
كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل
عمران: 64] «تعالوا إلى كلمة سواء أن
لا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ونقول: «تعالوا
إلى كلمة سواء أن لا نخرج عما عليه الجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتابعين لهم بإحسان».
ولا ينافي ذلك العدل في
«معاملتهم» و«عدم ظلمهم» أو «الغدر بهم» أو «التعدي عليهم بما لا يجوز» أو «نقض
مواثيقهم» فهذا لا يعارض «الأمر بمفاصلتهم» و«البراءة منهم ومن دينهم».
فالنصارى الذين لعنهم
الله، ولعنوا على لسان النبيين عليهم الصلاة والسلام، وقالوا ولد الله، ونسبوا له
الصاحبة، واليهود الذين قالوا يد الله مغلولة، غُلّت أيدهم ولُعنوا بما قالوا،
وقالوا عزير ابن الله! أمرنا الله تعالى بالبراءة منهم، ومفاصلتهم، وعدم ومولاتهم،
ومع ذلك أباح لنا معهم: السِّلْم، والبيع والشراء، بل والزواج من الكتابية! فباب «التعامل» غير باب «الموالاة
والتولي» وعلى هذا:
فما حصل للرافضة من غدر
الخوارج وبغيهم، وترويع الآمنين، والغدر والخيانة، وزعزعة الأمن، لا يجوز أن يُتَّخذ
غرضاً لمؤاخاة الرافضة ومصافاتهم، وكأنَّ مناط الحب والبغض عندنا هو «الوطن» و«الأمن»
فدين الله أعلى وأجل، والله ورسوله أحق أن ينتصر لهما، وما تمام الأمن، وسلامة
الوطن إلا ثمرة من ثمرات صدق التعظيم لله عز وجل، والاتباع لرسوله صلى الله عليه
وسلم.
فلا حاجة إلى أن يتكلف
المتنطعون في: مواساتهم، والتودُّدِ إليهم، فهذا ضد صدق الثبات على الدين، ولهذا
نعجب –ومن الوقائع
ترى الفجائع- أن منهم من هو أثبت على دينه من أبناء ديننا عليه! فهم في هذه
الأزمات لم يزدادوا إلا بُغضاً للسنة، وعدواناً على أهلها، وما تخفي صدورهم أكبر.
بل وكم جنت أيدي الرافضة
على الأبرياء، من المواطنين ورجال الأمن، وما قاموا به من اغتيالات وتفجيرات، وما
ظهر أئمتُهُم وملاليهم! لأهل السنة بالعزاء والمواساة، والدعوة إلى مصافاتهم،
والثناء عليهم.
بل يرون أن قتلانا في
النار، وقتلاهم في الجنة، وأننا على ضلال، وأنهم على هدى وصراطٍ مستقيم!
نعم؛ يجوز
لولي أمر المسلمين، ونوّابه، ومن يأمره، ما لا يجوز لعموم الناس، من الدفاع عنهم،
ومواساتهم، وتقديم العزاء لهم، إن رأى أن في ذلك مصلحة عامة لعموم المسلمين
وبلادهم، فيكون التعامل معهم كتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين.
وهم يعيشون تحت حكم ولاة
الأمر في هذه البلاد المباركة من مئات السنين، ولم يفعلوا بهم ما يفعله الرافضة في
بلدانهم في أهل السنة، من تعذيب وتشريد وقمع واستبداد، بينما ولاة أمرنا أنصفوهم،
وحملوهم على شعائر الإسلام الظاهرة، وحجزوهم بعلمٍ وحكمةٍ عن شعائر الكفر الظاهرة
كبناء الأضرحة والقبور والحج إليها، وما شابه ذلك، وعاملوا المسيء منهم –ومن غيرهم- بالعدل
والإحسان، والشفقة والرحمة، والإمهال والرِّفق، وهذا عين العدل والعقل، ومع ما
يحصل من الرافضة ما يحصل من شغبٍ وتخريب، بل وقتل وتفجير ما احتاج الحال إلى أن
ينادى الناس إلى موالاتهم ومصافاتهم، كما ينادى به اليوم!
نعم؛ قد يقال يكون أقصى ما
يُطلب من الناس اليوم: الكفُّ عنهم؛ كما يحصل في الكفِّ عن القتال باليد، يحصل
الكفّ عن الجهاد باللسان، لتحقيق مصلحة عظمى، ومقصدٍ أسمى، وكما يُسمى بتعبير
أبناء الزمان: سياسة المرحلة.
أما أن يُنادى إلى
مصافاتهم، ومؤاخاتهم، والثناء عليهم، والاعتذار لأخطائهم، وزعم أنهم منا وأنا
منهم! فلا والله ما هذا مناّ لهم، حتى يرجعوا إلى السنة والتوحيد، أو يلج الجمل في
سمِّ الخياط، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بدر
بن علي بن طامي العتيبي
الأحد 13 شعبان
1436هـ
تعليقات
إرسال تعليق